أخبار الرافدين
كرم نعمة

تركيا وإيران: متراجحة لا تتعادل

كلما انطلق الحديث عن الهيمنة الإيرانية في المنطقة، تحظر تركيا بوصفها معادلا جاهزا، لإرغام أي من جامعي المؤشرات السياسية عن مستقبل المنطقة إلى ذكر البلد الاخر كلما ذُكر أحد البلدين. وكأنه أمرا لا مفر منه في متراجحة متعادلة.
قد يبدو هذا الافتراض الجيوسياسي مقبولا عند البعض من المتابعين الموضوعيين، لكنه لن يستمر الى النهاية كمعادلة قائمة وضرورية الحل. فوفقا للعقدة التاريخية التي تشكلت لدى إيران حيال العرب منذ الفتح الإسلامي لبلاد فارس، فأن تلك العقدة غير موجودة في التاريخ السياسي التركي إزاء العرب.
صحيح، أن الدور التركي تصاعد بشكل ملفت ومثير خلال العقد الماضي، لكن كل هذا ارتبط بصعود حزب العدالة والتنمية والطموح السياسي لدى الرئيس رجب طيب أردوغان. بيد أن مزاج الجمهورية التركية منذ تأسيسها عام 1923 معني بالأساس في النهوض الوطني، في مقابل أول شعار رفعه الخميني لتصدير الثورة الإيرانية “تحرير القدس يبدأ من كربلاء”!
الخيار الجمعي السياسي والشعبي التركي، أقوى من أن ينكسر لحساب طموح إقليمي لحزب أو رئيس ينتخب بشكل ديمقراطي لا لبس فيه.
وذلك ما سيكسر فكرة إجبار كل من يقدم مؤشراته السياسية عن مستقبل المنطقة، بوضع تركيا كلما جاء الحديث عن مشروع الهيمنة الإيرانية على دول الإقليم.
ثمة سؤال أهم يدافع أكثر عن الفكرة التي أطمح بالوصول إليها بعدم وضع أنقرة وطهران وفق مؤشر سياسي واحد في الضرر الذي تتسببان به لدولنا العربية. هل ستبقى فكرة حضور تركيا، كلما اشير لمشروع الهيمنة الإيرانية، قائمة أن لم يفز، مثلا، حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة، أو أردوغان في دورة رئاسية جديدة؟
ومثل هذا السؤال عن المشروع الإيراني المستمر والمتصاعد في المنطقة، لا يمكن أن تكسره فكرة سياسية مشابهة، أو تصريح مهادن من قم أو طهران، لأن إيران الخمينية بنيت على مبدأ أساسه أن الإقليم حصة سياسية قبل أن تكون طائفية لبلاد فارس، فالخليج فارسي وإن كان عربيا في حقائقه الجغرافية. والتفاخر بأن الحرس الثوري الإيراني يحكم عواصم عربية، لم يتراجع قيد أنملة، سواء فاز رئيس معتدل أو متشدد وفق التسميات الإيرانية المخادعة. فمن يخرج من تحت عباءة خامنئي لا يمكن إلا أن يكون صورة واحدة من أيديولوجية المرشد الذي لا يتوقف عن وصيته للأتباع من بغداد إلى دمشق وبيروت حتى صنعاء “عليكم بوحدة الطائفة فهي فوق أي اعتبار وطني آخر”.
لذلك تبدو مقدمة رئيس متشدد وآخر معتدل وفق التسمية الإيرانية المرسلة لوسائل الاعلام الغربية، أكثر من سخيفة، فمن يقبل به خامنئي رئيسا لإيران، لا يمكن إلا أن يكون متشددا، وكل كلام بعدها عن الاعتدال مجرد هراء سياسي لا أهمية له.
الا يكفي ذلك بأن يجعل من المحلل الموضوعي، لا يجد من الضرورة بمكان ذكر المشروع التركي في المنطقة، كلما جمعت مؤشرات جديدة عن تصاعد الهيمنة الإيرانية. على الأقل أن تركيا تقدم نفسها كمشروع لدولة متحضرة، وهذا لم يحدث بتاريخ إيران منذ صعود النظام الثيوقراطي المتشدد عام 1979.
الحق لا أنفي هنا، ولا أسوغ للمشروع التركي، فأردوغان نفسه يقر بذلك ويدافع عن فكرة أن تقدم تركيا نفسها للعالم العربي، سواء بالحرب الثقافية الناعمة، أو التنافس الاقتصادي أو بالدور العسكري كما حصل في ليبيا وسوريا. لكن مقابل ذلك ماهي ذرائع إيران في مشروعها الساعي لإطلالة على المتوسط عبر العراق وصولا إلى سوريا ولبنان، غير الميليشيات الطائفية التي تمارس القتل على الهوية.
هل يوجد مشروع إيراني مُرحّباً به من قبل اللبنانيين مثلا، عندما يعترف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بأنهم فرع من الحرس الثوري الإيراني متواجد في لبنان؟ هل ثمة سقوط وطني أكثر من أن يعلن زعماء ميليشيات الحشد الشعبي في العراق بأن ولائهم لا يتزحزح لخامنئي؟
تلك القراءة للدورين الإيراني والتركي في المنطقة، لا تأخذ بنظر الاعتبار بنفس الأهمية السياسية، للأسف، من بعض دول المنطقة، عندما تهادن بطريقة أو بأخرى طهران، وترى ان الدبلوماسية يمكن أن تجعل الدولة المارقة حريصة على السلم!
فإيران التي فرضت ميليشياتها على صناعة العملية السياسية في العراق، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفرط بحزب الله كذراع حاكم في لبنان، كما لا تتخلى عن الحوثيين كخنجر في الخاصرة السعودية. لذلك لا يمكن أن ينظر لدورها كما ينظر للدور التركي في المستوى نفسه، كي لا يقع المراقب في فخ قراءة سياسية خاطئة، قبل أن تكون مجافية للتاريخ، فالعقدة الفارسية حيال العرب لا تحلها سياسة ودودة وإنما تتطلب من العرب سياسة أكثر من لدودة!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى