أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

السوداني ينفذ قرار الحرس الإيراني بجعل الحشد حاميا للعملية السياسية

شركة الحشد الشعبي تؤمن عقودًا مجزية وموارد ضخمة تساعد الميليشيات في مشروع التغلغل المجتمعي وتوسيع شبكتها الزبائنية، وبناء اقتصاد موازٍ مرتبط بالحرس الإيراني.

بغداد- الرافدين

نفذ رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني أحد أهم مشاريع الهيمنة الإيرانية على العراق بتأسيس شركة عامة للحشد الشعبي باسم شركة “المهندس” برأسمال قدره مئة مليار دينار عراقي، بما يسمح لميليشيات الحشد بالدخول بشكل أكثر وضوحاً في النشاط الاقتصادي والاستثماري في البلد.
وتسمح الشركة بتغطية صفقات فساد كبرى أدارتها الميليشيات بشكل غير قانوني وبتواطؤ من الحكومات السابقة.
وسهّل السوداني عمل الميليشيات غير المشروع من تهريب النفط إلى المتاجرة بالمخدرات والاستيلاء على الأراضي والعقارات، بتأسيس شركة بواجهة حكومية لتمرير صفقات الفساد الكبرى.
ويدفع رئيس الحكومة الحالية المشكلة بالأساس من الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحته ميليشيات الحشد بإضفاء شرعية اقتصادية على ميليشيات طائفية مارست القتل على الهوية.
وتؤمن هذه الامتيازات للشركة عقوداً مجزية وموارد ضخمة تساعد الميليشيات في مشروع للتغلغل المجتمعي، ولتوسيع شبكتها الزبائنية، وبناء اقتصاد موازٍ مرتبط باقتصاد الحرس الإيراني.
ويعود مسعى إنشاء هذه الشركة، الذي كانت تعطّله حكومة مصطفى الكاظمي، إلى سنوات مضت، ويتعلق بالسؤال المركزي الذي أثارته نهاية العمليات العسكرية الواسعة ضد تنظيم “داعش” في نهاية عام 2017 عن مصير “الحشد الشعبي” بعد أن طالبت قوى سياسية ووطنية عراقية بحل الحشد.
ومارست مرجعية النجف برئاسة علي السيستاني صمتا حيال المطالبات الشعبية والوطنية بحل الحشد الذي تأسس بعد “فتوى أصدرها السيستاني نفسه”.
ورفضت المرجعية إصدار فتوى مقابلة لحل الحشد بذريعة أنها لم تصدر فتوى تأسيسه بقدر اصدار فتوى “الجهاد الكفائي”.
ويجمع مراقبون سياسيون على أن مرجعية النجف مستفيدة من بقاء الحشد لاسيما وأنها تمتلك ميليشيات تابعة لها تنضوي تحت ما يسمى بـ “حشد المرجعية”.
ويرى الباحث حارث حسن مدير وحدة الدراسات العراقية في مركز الامارات للدراسات (EPC) ان القوى الولائية المرتبطة بإيران تتبنّى فكرة توسيع دور “الحشد الشعبي”، وتحويله إلى المؤسسة المسؤولة عن الدفاع عن “النظام”، وتوسيع أدواره المدنية بهدف أن يصبح مركز القوة الأساسي لنظام تصاعدت فيه هيمنة القوى الطائفية وسرديتها السياسية والأيديولوجية.
وكتب حسن “دعمت هذا الخيار هيئة الحشد ومعظم الفصائل الرئيسة فيه، وبعض القوى الطائفية التي تبحث عن طرف قادر على الدفاع عن (النظام) بمواجهة الحركات الاحتجاجية وكذلك للتعامل مع التهديد الذي يشكله مقتدى الصدر”.
وقال فابريس بالانش الباحث في جامعة لوميير ليون 2 الفرنسية “مع وجود شخصية موالية لإيران على رأس الدولة، ستكون إيران قادرة على الاستفادة بشكل أفضل من الاقتصاد العراقي”، مذكراً بأن السوداني أمضى “الجزء الأكبر من مهنته السياسية في ظل نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق المقرب من طهران”.

 حارث حسن: توسيع الحشد يكرس طبيعة النظام السياسي الهجين في العراق
حارث حسن: توسيع الحشد يكرس طبيعة النظام السياسي الهجين في العراق
ويتجلى النفوذ الإيراني خصوصاً في التبعية الوثيقة التي تجمع طهران مع ميليشيات الحشد الشعبي.
وشعرت فصائل الحشد ومن ورائها الحرس الإيراني بان نفوذها بات مهددا أثر احتجاجات ثورة تشرين والرفض الشعبي لسطوة الميليشيات، فضلا عن التنافس مع التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي خضع أخيرا للخيار الإيراني وانسحب من المشهد السياسي.
وعززت قوى وميليشيات الإطار التنسيقي القريبة من طهران الشعور بالحاجة إلى تكريس وجود ذراع عسكرية قوية لحمايتها. وتعزيز الاقتناع بضرورة أن يلعب “الحشد الشعبي” دور الحامي للنظام الذي يخضع لهيمنة القوى الولائية ومنظومة مصالحها العامّة، وسرديتها الأيديولوجية.
ويصف حارث حسن هذا الخيار في مقال بعنوان “الحشد الشعبي واستنساخ نموذج الحرس الثوري في العراق” بانه يأتي كحلّ لإشكالية فائض القوة لدى فصائل “الحشد لجهة أنه يسمح لها بلعب أدوار أوسع من دون أن تكبّلها المعادلة السياسية التي تُنتجها الانتخابات البرلمانية، بحيث يكون لوجود الحشد ونفوذه استقلالية عن تلك المعادلة التي أشعرت قادة الفصائل بالتهديد مع خسارتهم الانتخابات الأخيرة”.
وبهذا المعنى، فإنّ خيار تكريس الحشد وتوسيعه إنّما يكرس أيضاً طبيعة النظام السياسي في العراق كنظام هجين من زاويتين، يحددها مدير وحدة الدراسات العراقية في (EPC)، من جهة أنه يؤسس عراقياً لما هو معروف في الحالة الإيرانية من اختلاف بين “النظام” و”الحكومة”، حيث تكون مهمة الحشد هي حماية النظام وليس بالضرورة الحكومة، ويسمح للحكومة بمساحة حركة محدودة لا تهدد منظومة المصالح العميقة لقوى النظام. والزاوية الثانية من خلال تأكيد وجود مسارين متوازيين ومتداخلين أحياناً، مسار العملية السياسية التي لا تزال متمسكة بـ “القشرة الدستورية” والممارَسة الانتخابية كإجراء روتيني، ومسار القوة على الأرض الذي يعكسه النفوذ الواسع للفصائل.
وبدخول “الحشد الشعبي” العملية الاقتصادية رسمياً، فإنّ محاولة خلق نموذج مشابه للحرس الثوري في إيران تقطع خطوةً مهمة للأمام، وفق حسن. لميليشيا الحشد للعب أدوار خدمية وأمنية، تصحبها حملات دعائية مكثفة من الجهاز الإعلامي الضخم المرتبط بـ”اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” التابع لإيران، وجيوشه الإلكترونية، لرسم صورة ملفقة عن الحشد الذي يمارس عناصره عمليات فساد كبرى واختطاف وقتل على الهوية.
ومن المتوقع أن تحظى “شركة المهندس” بامتيازات خاصة بوصفها شركة حكومية، لكنها أيضاً مدعومة بالقوة القسرية لفصائل الحشد، وبنجاح الأخير في تأكيد وضعه كمؤسسة غير خاضعة للمراقبة أو المحاسبة القانونية أو القضائية.
وقال حارث حسن “يبدو أنّ الغاية هي أن يتحول الحشد إلى جهاز عسكري-اقتصادي-أيديولوجي ضخم، كالحرس الإيراني، وأن يصبح فاعلاً اقتصادياً رئيساً، ليتنافس مع اقتصادات مُوازية أخرى مثل اقتصاد العتبات، الذي تشرف عليه إدارات العتبات الشيعية، المقربة من الهيئة الدينية في النجف، والشبكات الاقتصادية التي بنتْها قوى سياسية-اجتماعية أخرى، مثل التيار الصدري والحزبين الكرديّين. لكن اقتصاد الحشد قد يحظى بميزة إضافية، هي تحالفه المباشر مع الحرس الإيراني بشكل يمكّنه من الاستفادة من موارد الأخير وخبرته في بناء الاقتصاد الموازي وشبكة علاقاته الخارجية”.
ويتوقع إحسان الشمري أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد أن “الدور الإيراني سيكون أكبر بكثير مما كان عليه خلال الحكومات السابقة على اعتبار أن هناك ضرورة إيرانية ملحة باستمرار العراق كدولة تابعة لطهران”.
غير ان شركة الحشد قد تتحول أيضاً إلى عبء اذ شملتها العقوبات الأمريكية المفروضة على الشركات الإيرانية.
وقد تؤثر تلك العقوبات في العملية الاقتصادية والمالية في العراق التي لا تزال تعتمد بشكلٍ أساسي على تدفق الدولار الأمريكي إلى السوق العراقية.
وقد يسرّع من هذا الاحتمال قيام “الحشد الشعبي”، مُستعجلاً الاستثمار في التوازنات القائمة والفرص التي أتاحها له تشكيل حكومة مدعومة من “الإطار التنسيقي”، إلى مزاحمة مصالح اقتصادية لجهات أخرى لها ارتباطات خارجية وغربية، وتحويل تلك الجهات إلى خصوم ولوبيات ضاغطة باتجاه مراقبة النشاطات الاقتصادية للحشد ومعاقبتها.
وتوقع حسن أن نجاح ميليشيات الحشد في استثمار العوائد الاقتصادية لتعزيز مركزية القرار والتخلص من الأطراف غير الموثوقة، وفي إدارة وتوجيه الريع النفطي العراقي، قد يدشّن مرحلة جديدة في توازنات القوة في العراق، تنعكس بدورها على طبيعة النظام السياسي الذي يصبح تدريجياً أكثر قمعيةً، وأقل دستورية، وأكثر خضوعاً لقوى الأمر الواقع وجيوشها الموازية، المدعومة باقتصاد مُوازٍ وبعقيدة موازية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى