أخبار الرافدين
كرم نعمة

بوريل وبلاسخارت يعلقان شارة العار السياسي

عندما تسأل أي عراقي اليوم عما ينتظره في العام الجديد وتحت وطأة حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني صنيعة المالكي، فإنه سيفكر مباشرة بالحقيقة المفقودة، أنه مثل الملايين على أرض هذه البلاد المخطوفة يريدون استعادتها.
“الحقيقة المفقودة” مثّلها الموقف اللاأخلاقي الجديد في التصريحات المتزامنة لممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، ومسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عن مستقبل العراق الواعد!!
بلاسخارت ترى مع بداية العام الجديد أن العراق “يملك إمكانات كبيرة ومدعوم باستقرار سياسي وعائدات ثابتة، لذا فإن لديه فرصة ممتازة للتقدم السريع نحو التنمية المستدامة، ومستقبل واعد ينتظر الشعب الذي انتصر على كثير من الشدائد.
وتزعم هذه السيدة التي صرحت قبل أشهر قليلة أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي بأن خيبة أمل الشعب قد وصلت إلى عنان السماء. وأن العديد من العراقيين فقدوا الثقة في قدرة الطبقة السياسية على العمل لصالح البلد وشعبه، تزعم اليوم بان حكومة السوداني مكنت المؤسسات من استئناف مهامها، لتتيح للعراق فرصة كبيرة للشروع في طريق الاستقرار والتقدم!
في هذا الهراء السياسي الصلف تتناسى هذه السيدة ما قالته قبل أيام قليلة بأن “سرقة القرن لن تكون الأخيرة في العراق”.
على مستوى آخر يمثل بوريل الخطيئة الأوروبية التي تعمل من أجل تقديم النظام الثيوقراطي في إيران، على أنه أُمّاً رؤومًا للسلام في المنطقة وأنه يرعى العراق ويجعله جسرًا للاستقرار، عندما زعم بعد مشاركته في مؤتمر بغداد2 للتعاون والشراكة الذي عقد في الأردن، بأن رؤيته للعراق تتلخص في انه بإمكانه أن يكون أكثر من محور أساسي في المنطقة، وأن يساهم بفعالية في الاستقرار الإقليمي من خلال دوره كـ”صانع للجسور”.
كتب بوريل بسخف سياسي قل نظيره في مقال بالموقع الرسمي للهيئة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي “أن هذه التطلعات يمكن تلخيصها بالمزيد من الأمن والسيادة والاستقرار والتنمية والازدهار، خصوصا باستعادة الأوضاع في العراق الى طبيعتها”.
لا يكتفيا بلاسخارت وبوريل بكونهما يمثلان في هذا الكلام عن عراق أحزاب إيران، ضحالة سياسية متعمدة، وأنما يمثلان لا أخلاقية السياسيين الدوليين عندما يتعلق الأمر بمصير العراقيين، منذ أن صمت العالم عن وصفة الظلم والفشل الأمريكية عام 2003.
في حقيقة الأمر، أن السيدة بلاسخارت والسيد بوريل، يعلقان شارة العار السياسي أمام العراقيين ويزعمان بزيف مكشوف أنها شارة الأمل!
كان يفترض أن يكون تشكيل حكومة الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحته الميليشيات الولائية، فرصة على الأقل لدول المحيط العربي المتضررة من الهيمنة الإيرانية، للتفكير في الحقيقة. ليس من أجل العراقيين وحدهم، بل أن العالم برمته يشعر أن الحقائق قد سُلبت ثم استبدلت، تضافرت رؤوس الأموال والمصالح والحكومات على صناعة ما بعد الحقيقة عن ديمقراطية رثة نتجت عن احتلال العراق وتقسيمه وفقا لتباين النقائض بوصفها حقائق مختلفة، وتغييب مقصود للحقيقة نفسها.
بينما العالم برمته أمام اختبار أخلاقي لاستعادة الحقيقة كونها الوحيدة القادرة على إنقاذ “الديمقراطية المزعومة” والتكفير عن إثم احتلال العراق، بعد أن عملت رئاسة جورج بوش الابن وهامشه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على تطبيع الكذب بشكل خطير.
إذا كان غياب الحقيقة عن وسائل الإعلام، كمصلحة أنانية مادية، يقود إلى منع اختيار المجتمعات لخطاباتها وتنظيم أنفسها في ديمقراطية جديدة من الأفكار والمعلومات، وتغيير مفاهيم السلطة. فإن غياب الحقيقة عن كلام السياسيين الدوليين زيف يروج للوهم عن مستقبل العراق، ويمثل أكثر موقف لا أخلاقي ينم عن ضمائر جوفاء.
بوش الابن لم يحرر نفسه من الحقيقة عندما روج لأكاذيب احتلال العراق، بل حرر الآخرين ليروجوا لأكاذيبهم من أجل جني الفوائد السياسية. ظهر لاحقا ليس بوش الكاذب الوحيد بين الزعماء عندما يتعلق الأمر بالعراق، هناك ما هو أكذب منه.
لكن مع ذلك، ليس المُزيفون وحدهم من يشعرون أن الأكاذيب وصلت إلى منتصف الطريق، هناك ماكنة سياسية وطائفية تدفع إلى النهاية من أجل ذلك، بينما مازالت الحقائق تتحرك بخطوتها الأولى، لسوء حظ العراقيين.
لقد تلوث العالم بأكاذيب السياسيين والحكومات والشركات… من أجل ألا يعرف الناس ما هو الصحيح، وإذا لا يوجد ما هو صحيح يمكن لكل شيء أن يكون كاذبا! ويصبح من المستحيل الحفاظ على مجتمع حر، عندما يشعر السياسيون ووسائل الإعلام بالحرية في نشر الأكاذيب دون محاسبة.
العراقيون اليوم بحاجة إلى القتال من أجل حقيقة ما يجري في بلدهم، ليس فقط بمواجهة أكاذيب حكومة السوداني، بل لتفنيد رؤى بلاسخارت وبوريل المعبرة عن لا ضمائر سياسية، وعدم التردد في الوقوف بوجه قوى التضليل. لأنها معركتهم جميعا من أجل الحرية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى