أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

تبييض أموال لصوص الدولة يرفع أسعار عقارات بغداد إلى مستويات خيالية

المحلّل الاقتصادي العراقي على الراوي: التعامل المالي في السوق العقارية يكون نقداً وبالتالي يسهل إخفاء الأموال المسروقة بشراء الأراضي والبنايات.

بغداد – الرافدين
باتت أسعار العقارات في العاصمة العراقية بغداد خارج متناول يد غالبية طبقات المجتمع العراقي باستثناء عناصر الأحزاب والميليشيات وتجار الصفقات والسرقات من لصوص الدولة.
ويزيد من أسعار العقارات الضغط السكاني حيث حلت بغداد بالمرتبة الرابعة بأكثر المدن كثافة سكانية في العالم، الأمر الذي دفع بزيادة الطلب على العقارات عبر تبييض الأموال المسروقة من خزينة الدولة العراقية.
وفي بلد يتراوح فيه متوسط الدخل بين 400 إلى 500 دولار في الشهر للفرد، بحسب مسح نشر في 2022 لمنظمة العمل الدولية بالتعاون مع السلطات في العراق، تبلغ أسعار العقارات السكنية في بغداد، بين ألفي دولار للمتر الواحد و8 آلاف أو أكثر.
وترافق هذا الارتفاع بالأسعار مع استقطاب العاصمة عدداً كبيراً من السكان الذي تضخّم ليصل الى تسعة ملايين، ومع ارتفاع الطلب على العقارات.
وفي شارع الكرادة التجاري المكتظ في العاصمة، تصطف العشرات من المكاتب العقارية قرب بعضها البعض، فيما هياكل الأبنية المشيّدة حديثاً تجاور البيوت البغدادية التقليدية التي توشك على الانهيار.
هنا، يعمل سامر الخفاجي في قطاع العقارات منذ ثماني سنوات لحظ خلالها تزايداً بالأسعار بشكل كبير، خصوصاً العام الأخير.
ويقول الخفاجي لوكالة الصحافة الفرنسية “السوق بدأ بالارتفاع من دون توقف”. ويشرح أن أسعار الأراضي والبيوت في المنطقة التي يعمل بها “كانت بين 1200 إلى 1500 و1700 دولار للمتر، اليوم تبلغ نحو ثلاثة آلاف دولار للمتر”، وصولاً إلى خمسة آلاف في بعض المناطق.
وكتب الصحفي كرم نعمة “مقابل ذلك الانهيار الحسي والمزاجي الإنساني والمكاني لأهل بغداد، ترتفع فيها أسعار العقارات بدرجة مخيفة ويمكن معادلة ذلك بنفس أسعار العقارات في لندن! فكيف يمكن تفسير ذلك عندما يتعلق الحال بأهمية العيش والخدمات والرفاهية ما بين بغداد ولندن؟”.
وقال نعمة “الإنسان المتعافي شرط للاقتصاد المتعافي، والمدن تمتلك أهميتها عندما يرتفع مستوى المعيشة فيها، لكن تلك المعادلة مكسورة في بغداد، فهناك أدنى مستوى للمعيشة والخدمات يقابله جنوح في أسعار العقارات”.
وفي منطقة الجادرية التي تعدّ من المناطق الفارهة في العاصمة، قد يصل سعر المتر إلى أربعة آلاف دولار وحتى ثمانية آلاف للعقارات التجارية، كما يقول صاحب مكتب عقاري حسين الصفار.
ويتحدّث الصفار عن “صعود خيالي في الأسعار”. ويضيف “بغداد حالياً مزدحمة، كمركز للعراق، أعداد السكان تتزايد ولذلك هناك طلب على العقارات”.

كرم نعمة
كرم نعمة: عصي على التفسير انهيار بنية مدينة بغداد مع ارتفاع أثمان عقارتها، إلا بالعودة إلى مؤشر الفساد
وفي بلد يحتلّ المرتبة 157 (من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية عن “مدركات الفساد”، قضية ارتفاع أسعار العقارات في بغداد مرتبطة بغسل الأموال، كما يعترف بسهولة المسؤولون.
ويشرح المحلّل الاقتصادي العراقي على الراوي بأن “المشكلة بالسوق العقارية هي أن التعامل يكون نقداً” وبالتالي يسهل “إخفاء الأموال بأراضٍ وبنايات”. ويرفع ذلك من “السيولة في السوق…وبالتالي الأسعار ترتفع”.
وعند بيع هذه العقارات، يتمّ الأمر “بعقود رسمية وبيان وعقد بيع وشراء، الموضوع يكون رسمياً”، وبالتالي “تبييض الأموال” عبر ذلك، يكون “سهلاً جداً”.
لذلك يرى، كرم نعمة، عصي على التفسير اعتلال صحة المواطن وانهيار بنية مدينة بغداد وتردي خدماتها مع ارتفاع أثمان عقارتها، إلا بالعودة إلى مؤشر الفساد وسلطة الطبقة الاوليغارشية التي تعيد كتابة تاريخ المدينة وتحويلها إلى مجرد ماكنة فساد دوارة. عبر تحويل سوق العقارات الى مستنقع آسن للفساد وتبييض الأموال المسروقة من خزينة الدولة.
وخلال حديثه عن “سرقة القرن”، أقرّ رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني أن جزءاً كبير من أموال الضرائب التي سرقت استخدمت في “شراء عقارات مهمة في مناطق مهمة في بغداد”.
وفي تقرير في مركز “ذي سنتشوري فاوندشن” للأبحاث، يشير الباحث العراقي سجاد جياد إلى أن “أكثر من مليار دولار” من أموال الضرائب المسروقة البالغة 2.5 مليار، “استثمرت في 55 عقاراً في بغداد، ومليار دولار أخرى وزعت بين ممتلكات، وأراضٍ، وأصول أخرى”.
في الأثناء، تملأ شوارع العاصمة الإعلانات الضخمة لمجمعات سكنية حديثة وأبراج بأسعار باهظة، في مدينة تختنق بالازدحامات المرورية، وتطوف طرقها بالمياه بعد الأمطار وتكتظّ بأسلاك المولدات الكهربائية، في انعكاس لتهالك بنيتها التحتية إثر سنوات من الحروب والإهمال.
ويعمل يوسف البالغ من العمر 29 عاماً في شركة اتصالات خاصة ويتقاضى ألف دولار في الشهر، مع ذلك لا يستطيع تحمّل تكلفة شراء شقة يقطن فيها مع زوجته وطفله ويستقلّ عن منزل أهله.
وبعد سنوات من البحث المضني، وصل يوسف أحمد إلى حافة اليأس من إمكانية أن يشتري له ولعائلته الصغيرة منزلاً أو شقة يسكنون فيها، فأسعار العقارات في بغداد بلغت مستويات مرتفعة، لأسباب عديدة منها الفساد وضعف التخطيط.
ويقول الشاب “حتى لو تطوّر الدخل بمرور الوقت، لكن بالمقابل أسعار البيوت…تتضاعف بشكل كبير”.
إزاء ذلك، لا تبدو البدائل مغرية، فالمجمعات السكنية الفارهة التي بدأت بالانتشار في السنوات الأخيرة، باهظة.
في المقابل، “إذا فكرنا بالابتعاد عن مركز بغداد”، حيث الأسعار أقلّ، “علينا أن نبتعد كثيراً، وهذا صعب”، بسبب صعوبة التنقل ورداءة الخدمات.
أما القروض المتوافرة فغير مفيدة كثيرا، “حتى ولو أخذت قرضاً بمئة مليون دينار (حوالى 68 ألف دولار)، لن تشتري لك شيئاً، وفوائدها عالية”.
سجاد جياد

سجاد جياد: أكثر من مليار دولار من أموال الضرائب المسروقة استثمرت في 55 عقاراً في بغداد
ولطالما كان الاستثمار العراقي في سوق العقارات، لا سيما بعد الاحتلال الأمريكي في 2003 وما تلاه، يذهب إلى تركيا في المرتبة الأولى، أو إلى أربيل، في شمال العراق التي نجحت في أن تكون واجهة للحداثة مع بنية تحتية جيدة وطرق سريعة ومشاريع عقارية عملاقة.
ويلقي مدير العلاقات العامة في أمانة بغداد محمد الربيعي باللوم في هذه الأزمة على “التخطيط الخاطئ” من الحكومات المتعاقبة “في ملف الاستثمار بالإسكان”، وسياسة عامة في هذا الملف “لم تفد الموظف والفقير”.
ويضيف “يوجد ارتفاع مخيف في الأسعار. صعب حتى على الأغنياء أن يمتلكوا ولو مئة متر في بغداد”.
ويرى أن “زيادة أسعار العقارات غير مرتبطة بالسوق، بل مرتبطة بالمافيا وبغسل الأموال”.
وفي مدينة يقطن مليون شخص فيها في العشوائيات، وفق الربيعي، تعلن حكومة السوداني إنجاز مشاريع سكنية غير مكلفة ومدعومة بقروض، غير أن هذا الكلام مجرد إعلانات ورقية كما وصف وزير البلديات والإسكان في الحكومة الحالية بنكين ريكاني، بأن مشروع “داري” السكني الذي أعلن عنه رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي مجرد اعلان ورقي لا وجود له.
وفي ضواحي العاصمة، اختفت الأراضي الزراعية وغابات النخيل التي تعدّ رمزاً عراقياً، تحت كتل الإسمنت، مع بروز مشاريع سكنية توفر ربحيةً أكثر من الزراعة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى