أخبار الرافدين
علي شندب

نصرالله واحتراق أيقونة سليماني

حسمت الإطلالة الأخيرة لزعيم حزب الله الاخبار المتداولة حول حراجة وضعه الصحي الذي انتشر على نطاق واسع. فتدهور صحة نصرالله واعتلالها أو التشافي ممّا أصابها يتقدم في لبنان والمنطقة على كافة البورصات، وذلك بالنظر الى التداعيات غير المتوقعة حيال التنقيب عن خلف لا يقل كاريزمية وحضوراً عن الرجل، فيصيب الموقع بأضرار كبيرة مشابهة للأضرار العميقة التي أصابت موقع قاسم سليماني الذي شغله في قيادة فيلق القدس إدارياً لا كاريزمياً خلفه اسماعيل قاآني، ما كشف عن حجم ضعف الأداء والفراغ الذي تركه إغتيال سليماني.
ولهذا السبب السوبر جوهري ورغم عدم شفائه التام الذي كشفته خشونة صوته، أصرّ نصرالله على الكلام لأنه يدرك تماماً أن تقييماً عاماً يقول “أنّ لسانه هو كل حزب الله السياسي وأكثر من نصف حزب الله العسكري”. فكيف اذا كانت المناسبة هي السنوية الثالثة لإغتيال زعيم قوة إيران الخارجية قاسم سليماني.
في حديثه المسهب عن سليماني، ثبّت نصرالله إنشغاله اللامحدود في رسم وتطريز وتكريس صورة مخيالية تهدف الى جعل سليماني بمثابة الأيقونة ليس لايران، بل لكل من يسميهم نصرالله تجاوزاً بحركات المقاومة في المنطقة أي العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن. اذن، “سليماني الأيقونة” هدف نصرالله المركزي الذي لا يتقدم عليه هدف آخر، ولهذا يعمد زعيم حزب الله بسلطته الاستنسابية الى الاستمرار في السطو على وقائع تاريخية معروفة خاصة بحركات المقاومة وتنسيب أصلها وفصلها الى الأيقونة الجديدة.
ويبدو أن السيد نصرالله الذي استمرأ واستسهل استمراره في السطو على ما ليس لايران وسليماني مطلق علاقة به وخصوصا “المقاومة العراقية” التي انطلقت تزامناً مع الاحتلال الأمريكي وفعلت بقواته الأفاعيل، قد تراجع في خطابه الأخير خطوة الى الوراء ليقرّ بعد تفنيد ادعاءاته السابقة بخصوص ملكية سليماني للمقاومة العراقية ليقول “ليس ‏صحيحاً بأن يقول أحد بأن إيران هي التي جاءت وأطلقت المقاومة في العراق، بل الذي أطلق المقاومة ‏في العراق هم العراقيون قادة، علماء، فصائل، أطر، تيارات”. لكن ولإسباغ التعمية حول المقاومة العراقية الأصلية، يمتنع نصرالله عن تحديد أصلها وفصلها بقوله “أنا لا أدخل في الأسماء نحترمهم جميعاً”.
والحقيقة أن أزمة نصرالله هي مع الأسماء ومع أصل وفصل المقاومة العراقية “الأصلية” خاصة، ولهذا يعمل على تجهيل نسبها وشجرة عائلتها، ويحاول الدمج بينها وبين المقاومة العراقية “التايوانية” التي تعنيه ويقصدها. وفي كل حديثه وخطاباته حول المقاومة العراقية يقفز نصرالله فوق الأسماء، لأنه، لا يوجد فصيل واحد يمكن أن يسميه أولاً، وللإيهام بأن المقاومة العراقية التايوانية الحالية هي نفسها المقاومة الأصلية نفسها ثانياً. كما يغيّب قصداً وعمداً الأسماء، لأنه يعلم يقيناً بأنّ من يقصدهم بالمقاومة قد دخلوا عام 2003 مع الاحتلال الأمريكي الى العراق.
وفي إمعان على التعمية والتجهيل واحتكار البطولة، يتحدث نصرالله عن “مظلومية المقاومة العراقية” منذ عام 2003 وحتى عام 2011 فيقول “لا أتحدث عن الجماعات الإرهابية.. بل أتحدث عن فصائل المقاومة شيعة وسنة، الذين قاتلوا بحق ‏وباخلاص قوات الاحتلال ولم يحظوا بالتغطية الاعلامية الكافية.. كانت فصائل ‏المقاومة تُرسل تسجيلاً حيّاً.. ومع ذلك لم تكن الفضائيات العربية تنشره، كانت المنار فقط تعرضه ولا اعرف إن كان هناك أحد آخر يقوم بعرضه”.
والحقيقة أن نصرالله بكلامه هذا يتجاوز ليس فقط على المقاومة العراقية، وإنما أيضاً على وسائل الاعلام الكثيرة التي غطت وقائع الاحتلال وانطلاق مقاومته بغض النظر عن مدى تساوق بعضها مع الاحتلال، لكن الخبر كان يفرض نفسه على وسائل الاعلام الأجنبية قبل العربية. والحقيقة أيضاً أن كاتب هذه السطور بوصفه أحد الاعلاميين الذين غطوا غزو العراق وانطلاق مقاومته وكان يومها مراسلاً لفضائية LBC اللبنانية قد رصد ووثّق وبثّ مئات العمليات من نينوى وصلاح الدين وسامراء الى الأنبار ودرّتها الفلوجة وديالى والفرات الأوسط وذي قار وبابل وجرف الصخر والتاجي والمشاهدة ومكيشيفة فضلاً عن بغداد العاصمة ومحيطها من دون أن نرصد رصاصة أو عبوة واحدة عليها بصمة إيران وجنرالها قاسم سليماني. لكننا رصدنا أن بعض “فصائل سليماني العراقية” كانت تشتري بعض الفيديوهات من بعض الفصائل وتقوم بلصق شعاراتها وأدبياتها بهدف بثّها كعمليات منسوبة إليها، لتقوم قناة المنار وبعض الإعلام “المتأيرن” ببثها مرفقة بديباجة عن مقاطعة الفضائيات العربية للمقاومة، أي المقاومة المتأيرنة المزيفة، وربما هذا ما لا يعلمه نصرالله.
واذ أشاطر زعيم حزب الله مظلومية المقاومة العراقية، فلأنها المقاومة الوحيدة التي لم تحظ بأي ظهير عربي أو أعجمي من دول جوار العراق، ولهذا كان الإجهاز عليها محل تخادم بين الاحتلال الأمريكي وإيران اللذان عملا على شيطنة المقاومة العراقية واغتيالها عبر تشجيع التنظيمات الارهابية من القاعدة وغيرها في مناطق عمليات المقاومة العراقية وحواضنها، ما سمح باغتيال فصائل المقاومة العراقية الأصلية معنوياً عبر وسمها ووصمها بالارهاب، ما سوّغ لفصائل سليماني الوافدة مع الاحتلال محاولة السطو على “لافتة” المقاومة العراقية التي يجهد نصرالله لمحاولة حصر إرثها وتراثها بالأيقونة الايرانية. وربما هذا ما ينطبق على فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
ربما من حقّ إيران ونصرالله بوصفه جندياً من جنود الولي الفقيه تقديرهم ووفائهم لسليماني، لكن ما ليس من حقهم هو الافتئات المتطاول على حقوق غيرهم، وأن يكرّروا ذات خطيئة آل الحريري في تزوير بعض الوقائع عبر شهود الزور، سيّما وأن إحراق صور سليماني في ايران وانتفاضتها المتصاعدة، والنجف وكربلاء وبغداد وفلسطين ولبنان، أجهضت جهود نصرالله الذي يغامر بما تبقى له من مكانة في الشارع العربية في تكريسه سليماني كأيقونة، في حين أن الأيقونات الحقيقية الأصيلة تزداد حضوراً وبهاء من عمر المختار وضاري المحمود وقنّاص بغداد الى.. غيفارا.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى