أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الإهمال الحكومي يتسبب بتوقف عجلة إنتاج الدواء في العراق

ارتفاع سعر صرف الدولار وتراجع الصناعة الدوائية يزيدان من أوجاع المرضى في ظل غياب الرعاية الصحية.

بغداد – الرافدين

دقت تصريحات نقيب الصيادلة مصطفى الهيتي المتعلقة بتوقف نصف معامل إنتاج الدواء في العراق عن العمل، ناقوس الخطر حيال مستقبل الصناعة الدوائية الوطنية بعد أن ساهمت في الاكتفاء الذاتي وخففت من الأعباء الاقتصادية على المواطن العراقي في حقبة الحصار في التسعينات.
وأكد الهيتي في تصريحات صحفية “وجود نحو 20 معملًا لإنتاج الأدوية، إلا أن المصانع العاملة فعليًا لا تتجاوز 10 معامل لأسباب تتعلق بالبيئة الاستثمارية في العراق وموضوع البنى التحتية وغيرها”.
وجاءت تصريحات الهيتي متزامنة مع إيقاف شركة “أدوية سامراء”، جميع أبواب الصرف والاقتصار على الطلبات الخاصة بديمومة العملية الإنتاجية، وذلك بعد خسائر بالمليارات تكبدتها الشركة خلال الفترة الأخيرة.
وتعد الشركة العامة لصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية/ سامراء من الشركات الحكومية الأولى في هذا المجال بعد تأسيسها سنة 1965 على أساس معاهدة التعاون الاقتصادي والفني بين العراق والاتحاد السوفيتي حينها عام 1959 قبل أن تباشر بالإنتاج الفعلي عام 1971، لأنواع متعددة من الأدوية بجودة عالية.
وبينت الشركة في بيان، أن “سبب خسارتها الحالية عائد لتحمل الشركة لرواتب منتسبيها بكافة أقسامها ومصانعها المتوقفة، مصنع نينوى، مصنع المحاليل، مصنع بغداد؛ مصنع بابل، تسويق العامرية، تسويق كركوك”.
وتابعت أن “الشركة تتحمل كافة مصاريفها التشغيلية (المصاريف السلعية والخدمية) من مواردها الذاتية والتي تمثل بحدود 30- 35 بالمائة من مصاريفها الإجمالية”.
ويرى النائب السابق الدكتور جواد الموسوي أن مصنع “أدوية سامراء” الذي يعد أحد أكبر المصانع في الشرق الأوسط، ينتج أدوية رصينة وجيدة جدًا لكنه يعاني مشاكل عدة ومحاربة من بعض الشخصيات” التي لم يذكرها.
وأكد الموسوي على غياب السيطرة النوعية على عملية صناعة الأدوية داخل العراق فضلًا عن عمليات استيرادها إلى البلاد.

معمل أدوية سامراء يلفظ أنفاسه الأخيرة من جراء الإهمال الحكومي والخسائر المتتالية

ويعاني العراقيون من أزمة الدواء وتهريبه وارتفاع أسعاره، كما تعاني المستشفيات الحكومية من نقص حاد بالأدوية فيتحمّل أهل المرضى تكلفة شرائها من الصيدليات الخارجية لقاء مبالغ كبيرة.
وتسد الأدوية المستوردة نحو 85 بالمائة من حاجة السوق في العراق بينما تغطي الصناعة المحلية 15 بالمائة فقط وفقًا لصيادلة.
ويستورد العراق معظم الأدوية من البلدان المجاورة مثل إيران والأردن وتركيا، فيما يجلب الجزء الآخر من الولايات المتحدة وفرنسا والهند وبنغلاديش وغيرها.
وتعد تجارة الأدوية في العراق، من أكثر أنواع التجارات المربحة، في ظل غياب الرقابة الصارمة في متابعة أسعار الأدوية وأنواعها وتواريخ صلاحياتها، ما أدى إلى نشاط تجارة الأدوية التي اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها والتي تحقق أرباحًا كبيرة.
وقال النائب باسم خشان، إن “عمليات تهريب الأدوية تجري من منافذ رسمية دون علم وزارة الصحة وأن عمليات التهريب تنفذ حين يتم إخفاء الأدوية المهربة مع مركبات أخرى، حينها تدخل الشحنة بشكل رسمي”.
واتهم خشان “مافيات لم يسمها بالسيطرة على قطاع الأدوية الصحية في العراق”.
وأكد النائب الذي قدم في وقت سابق ملفات فساد للقضاء حول الفساد في القطاع الصحي أن “ما يدخل إلى العراق من أدوية بشكل رسمي لا يتجاوز 30 بالمائة فقط”، محذرًا من خطورة الأدوية الفاسدة على صحة العراقيين.
ويؤكد أطباء وصيادلة أن عمليات تهريب العملة الصعبة التي أدّت إلى تدهور الدينار العراقي، تسببت بارتفاع أسعار الأدوية المستوردة في الأسواق المحلية في ظل توقف العديد من المصانع عن إنتاج الدواء في العراق، الأمر الذي يزيد من معاناة المرضى في البلاد، مع عدم اتخاذ السلطات الحكومية أي خطوات إزاء هذا الملف.

الأدوية المهربة غير الخاضعة للضوابط الصحية تفاقم من مأساة العراقيين

وكانت نقابة الصيادلة قد أعدت في وقت سابق، مشروعًا باسم “الدولار الدوائي” لتقديم تسهيلات لمستوردي الدواء، ينص على احتساب سعر الصرف للدولار الواحد بـ 1200 دينار عراقي، وليس السعر الرسمي للدولار والذي يتراوح حاليًا بين 1470 و1480 دينارًا، أي اعتماد سعر الصرف قبل قرار الحكومة السابقة الذي خفض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، لكنها لم تنجح في تطبيقه.
وقال نائب نقيب الصيادلة أمجد حسيب إنّ “النقابة سلمت مشروع الدولار الدوائي إلى رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي إلا أن النقابة لم تحصل لغاية الآن على إجابة واضحة أو تأييد لما جاء في المشروع”، مشيرًا إلى أن “عملية استيراد الأدوية تخضع لأسعار صرف الدولار المتداول في الأسواق”.
وأوضح نائب نقيب الصيادلة، أنّ “مشروع القانون هذا يلزم المصارف بصرف أو تحويل الدولار للمكاتب الدوائية المجازة، وفق السعر السابق من دون أي زيادة”، موضحًا أنّ “المكاتب المستوردة للأدوية يمكنها أن تبيع الأدوية إلى الصيدليات ضمن إطار التسعيرة السابقة، وإلزامها بأسعار محددة ضمن المنظومة الوطنية من دون الزيادة التي طرأت على أنواع الأدوية، والتي تصل إلى 25 بالمائة”.
ويؤكد صيادلة استحالة تطبيق هذا النظام في الفترة الحالية بعد القفزة الأخيرة في سعر صرف الدولار وتجاوزه عتبة الـ 160 ألف دينار لكل 100 دولار.
بدورها بينت نقابة الأطباء في البصرة، أن استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار ينعكس سلبًا على أسعار الأدوية وينذر بعواقب وخيمة.
وأضافت نقابة أطباء البصرة، أن هناك حاجة لتغيير تسعير الأدوية من الدولار إلى الدينار العراقي في ظل التضخم الحاصل، مؤكدة أن على الحكومة التدخل واتخاذ إجراءات رقابية عاجلة وتحمل فارق تغييرات سعر الصرف بدلًا من تحميل المواطن كلفًا إضافية.
وحذرت النقابة من أن استمرار التضخم و التدهور الاقتصادي ينذر بعواقب وخيمة على الواقع الاجتماعي و الصحي للمواطنين.
ومع تسجيل أسعار الدواء قفزات كبيرة بسبب تأثير ارتفاع أسعار صرف الدولار، وتراجع الإنتاج المحلي للصناعة الدوائية، سجلت العديد من حالات الوفاة داخل مستشفيات بغداد والمحافظات الأخرى، بسبب عجز المرضى عن شراء الدواء من السوق السوداء بسبب ارتفاع سعره.
وعلى الرغم من ذلك، فإن حلول ومعالجات وزارة الصحة لهذا الملف بقيت خجولة، ولم تتجاوز الحديث عن خطط ووعود فقط، ووفقًا لمسؤول صحي حكومي، فإن “الوزارة تتابع الملف ولديها خطط للسيطرة عليه، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، وقد نفذت عدة حملات على أصحاب الصيدليات، خاصة في العاصمة بغداد، وحددتهم بأسعار معينة لأنواع من الأدوية، إلا أن الحملات لم تؤثر على الأسعار بشكل كبير”.
ويوضح المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه أن “هذا الملف من الملفات المتراكمة في البلاد، ولسنوات طويلة، وأن الاعتماد على توريد الأدوية يتم بالأساس على تجار الأدوية وفقًا للاحتياج المطلوب”.
وشدد على أن “الملف يتطلب اليوم عملًا جديًا من قبل وزارة الصحة والحكومة، لا مجرد حديث عن وضع خطط من دون تنفيذ، وعلى الحكومة أن تخصص أجهزة رقابية خاصة لمتابعة الملف، بداية من الاستيراد وحتى بيعه للمواطن، وأن تكون هناك محاسبة قانونية شديدة للمخالفين وعدم المجاملة بهذا الملف”.
وقال إن “هناك مصانع عراقية كانت منتجة في البلاد خلال الفترة السابقة، وكانت تحقق جزءًا من الاكتفاء الذاتي، لكنها اليوم ضعيفة جدًا وتحتاج إلى الدعم الحكومي ووضع الخطط المناسبة لزيادة إنتاجها، بما يدعم السوق المحلية بجزء من احتياجاته لبعض الأدوية”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى