أخبار الرافدين
كرم نعمة

السوداني لا يظهر ذيله إلا خنوعا

لا أجد أسعد من الطبقة الاوليغارشية من لصوص الدولة في المنطقة الخضراء، وهي تتأمل هذا الجدل الإعلامي على شرعيتها وسرقاتها واختلافاتها على حصص تقسيم الفريسة، فترى في كل هذا الكلام وإن كان يتعمد إسقاطها يصب في صالحها.
إنه جدل يفضي في النهاية إلى شرعية تبحث عنها أمام نفسها. بينما بعض وسائل الاعلام تجهد لمنح لصوص الدولة تلك الشرعية الزائفة في خدمات صحافية مجانية.
لصوص الدولة سعداء بكل هذا الصراخ على المنصات الصوتية والمحطات الفضائية العراقية والعربية، حتى وأن كان بعضه يكشف سرقاتهم، لأن كل ذلك يخرجهم من حقيقة الحكومة الافتراضية في المنطقة الخضراء، إلى حكومة معترف بها في وسائل الاعلام.
فهل ثمة طموح أكثر من ذلك عندما يرى لوردات القتل من قادة الميليشيات أسمائهم في وسائل الاعلام جوار رجالات الدول في العالم!
ذلك ما يعبر عن السخرية الشاذة في الزمن العراقي الشاذ!
اليوم، أتخيّل رئيس الحكومة محمد شياع السوداني يسترخي بطريقة لم يشعر بها طوال حياته، ويضع ساقا على ساق، طريقة تعرّف عليها أخيرا بعد أن دُفع به بجلباب نوري المالكي إلى رئاسة الحكومة، فهناك خدمات صحفية، تضفي عليه مواصفات لم يكن يحلم بها في يوم ما، لأنه في حقيقة الأمر نسخة طبق الأصل من المثال الأجوف للمالكي والعامري والخرعلي والجعفري والحكيم والحلبوسي والخنجر والجبوري والمشهداني، إلا أن التفكير الذي يشطح باللغة المجردة يكاد يضعه بمثابة امتداد لنوري السعيد ومحمد فاضل الجمالي وعبد الرحمن البزاز وسعدون حمادي…
فهل ثمة مسرّة سياسية أعلى من ذلك.
لماذا يرتكب البعض تلك الحماقة التحليلية الفارغة؟ هذا السؤال لا يشمل بطبيعة الحال، الخدمات الصحفية مدفوعة الثمن التي يقدمها البعض للسوداني، وأولئك الذين يمارسون الصراخ الطائفي ويرون في الحشد الشعبي والإطار التنسيقي وكل ما يخرج من تحت عباءتهم، الحل السحري للعراق.
إنما السؤال يدير قوس الكلام باتجاه الذين يتحدثون عن عراق زائف بوصفه العراق الحقيقي، والذين يتعاملون مع العملية السياسية القائمة منذ عام 2003 بوصفها أفضل الطرق لانتشال العراق من المستنقع الذي وجد فيه، ويطالبون الآخرين بالتفكير من داخل صندوقها المتخم بالأكاذيب والفشل.
في عهد السوداني الذي لم يمض عليه بضعة أشهر، وصلنا الى نوع من التزييف الساخر من العقول، لتقديم هذا الرجل بطريقة رجال “الحوكمة الرشيدة” مع أنه ببساطة متناهية نتاج حزب طائفي، لا يرى في العراق دولة يجب أن تتقدم على المذهب، فجوهر حزب الدعوة يكمن في كونه يضع الطائفة فوق الاعتبار الوطني العراقي، وقد بني على هذه الأيديولوجية منذ تأسيسه، فكيف له أن ينتج نماذج مختلفة عن ضحالة طائفية إبراهيم الجعفري ونوري المالكي؟
أحد تلك التقارير التي كتبت من دون أسم كاتبها قدمت السوداني بطريقة مثيرة للإعجاب! فهو “يستيقظ في الساعة الخامسة صباحا ويستمر في أداء عمله ومهماته حتى حلول الليل” ويصفه التقرير بالصارم فيما يتعلق بعمله، ويتسم ببعض العناد والاعتداد بالرأي. بل يذهب التقرير المكتوب أبعد من ذلك عندما يفترض أن المرء يجد صعوبة في جعل السوداني يبدل رأيه ما لم تبرهن له بالفعل أن هناك رأياً آخر أكثر اقناعا!
علينا أن نتذكر هنا طريقة مخاطبة المالكي للسوداني في أخر اجتماعات الإطار التنسيقي، مطالبا إياه بأن لا يتصرف أمام الحاضرين في الإطار كرئيس وزراء. وقبلها تنبيه قيس الخزعلي للسوداني بغطرسة فارغة، بأنه غير مخول باتخاذ أي قرار سياسي أو أمني من دون العودة لقادة الإطار!
فهل بقي ما يجعل الكلام السابق عن شخصية السوداني الصارم يحتاج إلى تفكيك؟
اليوم يذهب بعيدا هؤلاء الذين يقدمون خدمات تحليلية مجانية للسوداني، عندما يزعمون بفراغ أجوف أنه لم يخرج من عباءة المالكي، وإنه يتقاطع معه بشكل نهائي. ويذهبون ابعد من ذلك باعتبار عناد السوداني لا يفتقد البراغماتية. عندما يسعى الى كسب أكبر عدد من الحلفاء والأصدقاء ويبتعد عن استفزاز الآخرين، ويميل للطرف الأقوى لتحقيق أهدافه.
من السهولة بمكان تفكيك هذا الكلام، لكن دعونا نترقب الأشهر القريبة القادمة، فهل يصل السوداني الى مرحلة القلق التي انتابت المالكي ودفعته إلى حمل سلاحه في المنطقة الخضراء بعد أن تخلي الاتباع عنه، في صورة لا زالت متداولة؟ ذلك ما سيجيب عليه مقتدى الصدر وأتباعه طال أم قصر الزمن؟
على الجانب الآخر ثمة كوميديا صحافية تمارسها الصحف الإيرانية، عندما ذهبت أبعد من ذلك، كما فعلت صحيفة “آرمان أمروز” التي كتبت إن السوداني “أظهر ذيله”، بينما أفرطت توقعات صحيفة “بيشخان” لدرجة جعلت السوداني “يسير على خطى صدام حسين”.
ليس مهما هنا العقدة الإيرانية المستمرة من اسم صدام حسين، لكن بإمكان صحافي الملالي العودة إلى لقاء السوداني بخامنئي عندما قدم بشكل معلن فروض الولاء والطاعة، ونال رضى المرشد الأعلى، فمثله لا يظهر ذيله إلا خنوعا…

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى