أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

التعذيب والإهمال يزهقان أرواح المعتقلين في السجون الحكومية

حكومة السوداني تواصل إنتاج أجزاء جديدة من مسلسل الفظائع ضد المعتقلين وذويهم على الرغم من تعهداتها بالحد من انتهاكات حقوق الإنسان.

بغداد – الرافدين

أعاد الإعلان عن وفاة معتقلين اثنين في السجون الحكومية خلال أقل من 24 ساعة في العراق، الحديث عن الفظائع المرتبكة داخل هذه السجون في ظل الإهمال الصحي والتعذيب الذي يتلقاه المعتقلون على يد سجانيهم.
وكشفت مصادر حكومية عن وفاة معتقل محكوم وفق المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب سيء الصيت في سجن التاجي شمالي بغداد إثر تدهور حالته الصحية من جراء الإصابة بالفشل الكلوي بعد نقله إلى مستشفى الكرخ، ومفارقته للحياة هناك.
ويأتي الكشف عن وفاة المعتقل في سجن التاجي بعد ساعات على وفاة أحد المعتقلين في سجن الناصرية المركزي بمحافظة ذي قار، بسبب التعذيب والإهمال الطبي المتعمد، وفقًا لمصادر طبية.
وبينت المصادر أن المعتقل الذي ينحدر أصله من محافظة واسط والذي يبلغ من العمر 31 عامًا توفي من جراء الإصابة بمرض التدرن الرئوي الحاد، خلال قضاء محكوميته بعد أن حكم عليه بالسجن المؤبد وفق قانون الإرهاب.
وياتي الإعلان عن وفاة المعتقلين بعد أيام على تنظيم تظاهرة تحت نصب الحرية في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد لمجموعة من أمهات وزوجات المعتقلين للمطالبة بالإفراج عنهم وإقرار قانون العفو العام الذي تماطل بتمريره الأحزاب وميليشياتها على خلفيات طائفية.
وأكد المشاركون في هذه التظاهرة التي بثت لقاءات منها في برنامج صوتكم الذي يعرض على شاشة قناة “الرافدين” الفضائية اعتقال أبنائهم وفقًا لوشاية المخبر السري ودون الاستناد للأدلة الجرمية فيما أكد آخرون أن الدوافع الطائفية تجلت في عملية الاعتقال.
وكشفت سيدة مشاركة في التظاهرة عن إجبار المعتقلين على تعاطي المخدرات وبيعها لهم من قبل إدارات السجون وضباط متنفذين يسعون للتربح على حساب أرواح المعتقلين في أحدث صيحات الانتهاكات الممارسة في السجون الحكومية بعد 2003.

دعوات لإقرار قانون العفو العام وإطلاق سراح المعتقلين

وكانت وزارة العدل الحكومية قد أعلنت مؤخرًا، عزل مدير ومسؤولين في سجن التاجي، بعد تسريب فيديو تحدث فيه سجناء عن إجبارهم على شراء المخدرات من قبل إدارة السجن.
وعقب انتشار الفضيحة، وعرضها بمختلف وسائل الإعلام المحلية نظم وفد من البرلمان الحالي زيارة إلى السجن وعدة سجون للاطلاع على أوضاعها، قبل أن يعلن بعدها رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية النائب أرشد الصالحي أن “السجون العراقية كارثية بامتياز”.
وقال الصالحي “كشفنا عن أوراق خطيرة خلال زيارتنا المفاجئة إلى عدد من السجون في العاصمة بغداد وأن هناك مافيات لها نفوذ مقسمة بين من تروّج المخدرات، ومن تبيع وتشتري السجناء، وثالثة معنية بالأطعمة، وأخرى متخصصة بإدخال الهواتف النقالة وشبكات الإنترنت”.
بدوره أكد النائب مهند الخزرجي، أن الفساد الإداري والمالي لحق بأغلب مرافق الدولة نزولًا إلى سجون العراق.
وقال إن “مفوضية حقوق الإنسان تتلقى أكثر من 15 ألف شكوى من منظمات وأهالي السجناء سنويًا تتعلق برداءة الطعام وسوء المعاملة والتعذيب.
وداعا الخزرجي هيئة النزاهة إلى ما سماه “مكافحة الفساد الموجود في السجون وخاصة المتعلق بملف إطعام السجناء بعد رصد حالات فساد كبرى”.
وينم الحديث عن استمرار الفساد في ملف إطعام المعتقلين عن حجم التناقض الذي تعيشه السلطة بين تصريحاتها وأقوالها من جهة وأفعالها من جهة أخرى بعد أن أعلن وزير العدل في حكومة الاحتلال التاسعة، خالد شواني، عند توليه منصبه في تشرين الأول الماضي، عزمه وضع حد لملف الفساد في إطعام السجناء وتقديم الطعام وفق معايير معهد بحوث التغذية.
فيما تؤكد مصادر ان أسباب فشل السيطرة على هذا الملف الحساس عائد إلى سيطرة متنفذين على الشركة المجهزة لإطعام السجناء بهدف الاستحواذ على التخصيصات المالية لصالح أحزابهم وميليشياتهم.
وكانت قناة “الرافدين” الفضائية قد حصلت على تسجيلات عبر خدمة أنت ترى التي تقدمها لمشاهديها، وثقها أحد المعتقلين من داخل سجن التاجي تبين نوعية الطعام الرديئة والكمية المحدودة الموزعة لعشرات المعتقلين في الزنزانة الواحدة.
وأكدت مصادر خاصة من داخل السجن المذكور تعرض ذوي المعتقلين إلى عمليات ابتتزاز كبيرة عند زيارتهم للسجن وصلت إلى حد وضع المخدرات في أمتعة زوجات المعتقلين وبناتهم بهدف إلقاء القبض عليهم ومساومتهم فيما بعد.

وزارة العدل الحالية تتنصل عن وعودها المتعلقة بوضع حد للانتهاكات في السجون الحكومية
وتؤكد عائلة أحد السجناء التي رفضت الإفصاح عن اسمه لأسباب أمنية أن ابنها المعتقل في السجون الحكومية منذ عام 2010 حتى الآن من دون محاكمة أو قرار محكمة، أن السلطات الحكومية اعتقلت ابنها وفق المادة 4 إرهاب بتهمة التورط في “الأعمال الإرهابية” لكنه ما زال حتى الآن معتقلًا في سجن الحوت في الناصرية من دون عرض قضيته على القاضي أو صدور حكم عليه، وفقًا لما ينص عليه القانون.
وبينت عائلة المعتقل انهم يتعرضون إلى الابتزاز من ضباط التحقيق منذ 13 عامًا، وانهم دفعوا عشرات الآلاف من الدولارات إلى جهات في إدارة السجن تأخذ المال لكي لا تتم إحالته إلى المحكمة بتهمة الإرهاب التي قد تقضي بإعدامه.
وتضيف العائلة أن ابنهم يلاقي أسوأ معاملة في السجن ويحرم من حقوقه المقرة قانونًا، كما انهم مضطرون لتزويده بالمال والمواد الغذائية والأدوية والملابس لقلة توفيرها من قبل إدارة السجن، ما يرهق ميزانية العائلة.
وأن المعتقل يتعرض للتعذيب ليدلي باعترافات قد توصله إلى عقوبة الإعدام، لذا تضطر بعض العائلات إلى دفع رشى إلى افراد يعملون في السجون من أجل لقاء أبنائها أو إدخال الطعام والملابس إليهم، أو لضمان عدم تعريضهم للتعذيب وسوء المعاملة، أو بهدف وضعهم في زنزانات نظيفة تتوفر فيها مصادر هواء وتكييف وحمامات صحية.
وتبين مقاطع متداولة على منصات التواصل الاجتماعي الحال المزري للعائلات التي تتجمع أمام هذا السجن واخضاعهم للتدقيق الأمني المكون من 10 مراحل لساعات طويلة في عملية إهانة مقصودة كما يصفها أهالي المعتقلين.
وتوضح المقاطع اصطفاف أمهات المعتقلين وغالبيتهم من كبار السن في طوابير ببرك طينية بين الأسلاك الشائكة في انتظار عمليات التدقيق الأمني بعد رحلة سفر طويلة من المدن الأخرى للقاء أحبتهم داخل السجون.
وتجري عملية إنهاك عائلات المعتقلين أمام بوابات السجون بالتوازي مع تفشي حالات التعذيب داخلها بهدف إجبارهم على الاعتراف بارتكاب جرائم معينة أو بهدف الابتزاز المالي.

إدارات السجون الحكومية تمارس ابتزازًا ممنهجًا تجاه عائلات المعتقلين عند زيارتهم لأبنائهم
وفي أول اعتراف حكومي أقر المكتب المعني بحقوق الإنسان في رئاسة الحكومة الحالية، بتلقي حوالي ثلاثة آلاف شكوى رسمية لحالات تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان في السجون والمعتقلات منذ دعوة المواطنين لتقديم شكاواهم بهذا الصدد إلى المكتب معززة بالأدلة الثبوتية.
ويعد هذا التصريح، الأول من نوعه من قبل حكومة محمد شياع السوداني، الذي يؤكد وجود حالات الانتهاكات والتعذيب داخل السجون عقب تفجر قضية المعتقل حسن محمد أسود، من كركوك، والذي اعتقل لمدة ثلاثة أشهر وتم تعذيبه من قبل الأجهزة الحكومية، واضطر الأطباء إلى بتر كفه الأيسر وأصابع يده اليمنى، ما تسبب في موجة غضب شعبي وحقوقي من استمرار حالات التعذيب، على الرغم من ادعاء الحكومة محاولتها الحد منها.
وأعلن السوداني، وقتها، فتح تحقيق في الحادثة لمعرفة المتسببين بهذه الانتهاكات الكبيرة من عناصر الأمن بمدينة كركوك ودعا المكتب الإعلامي للسوداني “كل من تعرض لأية صورة من صور التعذيب أو الانتزاع القسري للاعترافات إلى تقديم شكواه إلى مستشار رئيس مجلس الوزراء لحقوق الإنسان”
وكان قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق قد أكد في تقرير له أن التعذيب في السجون الحكومية والمراكز الأمنية وأماكن التوقيف التابعة للأحزاب المتنفذة في العراق، ما يزال حالة عامة ومزمنة.
وأضاف “أن هناك أدلة جديدة تؤكد عدم صلاحية نظام العدالة الجنائية في البلاد، وليس آخرها حالة المواطن علي الجبوري في بابل الذي أجبر على الاعتراف تحت التعذيب بقتل زوجته وحكم عليه بالإعدام قبل أن تظهر الزوجة، فينكشف الأمر ويفرج عنه، الأمر الذي يدلل على أن التعذيب منتشر وممنهج بعلم القضاء في العراق”.
وأوضح تقرير قسم حقوق الإنسان في الهيئة أن حكومات الاحتلال المتعاقبة في العراق منذ الغزو الأمريكي لم تحافظ على وعودها بوقف التعذيب القائم في نظام العدالة الجنائية، كما أنها لم تفِ بالتزاماتها الدولية في هذا الصدد، وسط صمت مريب من قبل المجتمع الدولي.
وأشار التقرير إلى أنه إلى جانب عدم توفر أركان الدولة القانونية في النظام السياسي القائم في العراق ما بعد 2003؛ فإن تبرئة المجرمين وتجريم الأبرياء يعد نهجا سياسيا مستمرا تتبعه حكومات الاحتلال المتعاقبة، ومن بين الأدلة الكثيرة على ذلك تبرئة مرتكبي مجزرة جامع مصعب بن عمير في ديالى، التي راح ضحيتها أكثر من 70 شخصًا، بعد صدور أحكام بالإعدام على مرتكبي المجزرة، ما يعزز حقيقة أن النظام السياسي القائم في العراق، هو نظام مارق خارج عن القانون، تنعدم فيه مقومات قانونية الدولة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى