أخبار الرافدين
وليد الزبيدي

انكسار يد بريطانيا الناعمة في المنطقة العربية

بعد أن أمضت إذاعة الـ “بي بي سي” البريطانية قرنا كاملا في بثها عبر الأثير تعلن توقف بثها مطلع العام 2023، ما يثير القرار البريطاني العديد من التساؤلات ويضع علامات استفهام، فقد جاء في تبرير هذا القرار “لأسباب مالية”. ومن المعروف أن مؤسسة الـ”بي بي سي” العملاقة لا تحصل على التمويل من الحكومة البريطانية، ولا تقف وراء تمويلها مجموعة شركات تجارية أو مصانع كبرى ولا حتى شركات إعلانية لتستثمر منصَّاتها الكثيرة والناطقة بالعديد من اللغات مخاطبة الناس في مختلف أرجاء المعمورة، ولكي تحافظ على استقلالها وحياديتها فقد اختطت نهجا خاصا في تمويلها “إذاعة وتلفاز”، إذ يتم فرض ضريبة على كل بيت في بريطانيا يضع اللاقط الهوائي، في استخدامه منصَّات هيئة الإذاعة البريطانية، وتقوم الجهات المعنية في الحكومة البريطانية بجمع الأموال وتسليمها للهيئة التي تحصل على مبالغ كبيرة يتم إنفاقها على منصَّاتها المختلفة.
التساؤل الذي نطرحه والذي يثير علامات استفهام محددة، يتجه نحو مستقبل السياسة البريطانية في الشرق الأوسط تحديدا، وذلك لأن أهم منصَّتين تم إيقافهما هما، البث باللغة العربية والبث باللغة الفارسية. وفي حال يرى الجميع صورة وردية في منطقتنا ويعتقد أن الجميع يرفل بالأمن والسلام والمحبة لذهبنا إلى تفسير آخر ينسجم وهذا الواقع المفترض، الذي يشير إلى أن هذه المنطقة لن تقدم أية أخبار لمنصَّات الـ”بي بي سي”، إلا أن الجميع يعرف أن الأوضاع سيئة وتسير نحو الأسوأ، وأن السياسة البريطانية في المنطقة ضاربة في الأعماق رغم أنها تظهر بصفة الرديف والداعم للسياسة الأمريكية على الأقل خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، كما أن المشكلة الكبرى التي لعبت بريطانيا الدور الرئيسي فيها منذ قرن تقريبا ما زالت قائمة ويتصاعد الصراع فيها، بل ويتجه نحو المزيد من التصعيد، المقصود هنا القضية الفلسطينية والاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية والإصرار على بقاء الملايين من أصحاب الحق الشرعي مشردين في بقاع الأرض. كما أن المنطقة قد تعرضت لزلزال شديد منذ احتلال الولايات المتحدة العراق في ربيع العام 2003، وكما يعرف الجميع أن بريطانيا كانت وما زالت شريكا رئيسيا في مشروع الغزو والاحتلال وما بعده، وترتب على هذا الغزو والاحتلال الكثير من التداعيات والانعكاسات الخطيرة، ويمكن القول إن أكبر مؤسستين إعلاميتين لعبتا الأدوار الكبرى في تهيئة حقبة ما قبل الغزو وسنوات الاحتلال، هما مؤسسة فوكس نيوز الأمريكية وهيئة الإذاعة البريطانية، ومن غير المعقول أن تقفل هذه الإذاعة أبوابها وتغادر الميدان ولهيب الحرب ما زال مستعرا وشديد الخطورة.
هل يدخل العالم والمنطقة حقبة جديدة تنقلب فيها السياسة البريطانية وتنكفئ؟ أم أن ثمة متغيرات أخرى تنتظر المنطقة والعالم؟
هكذا وبدون سابق إنذار تصمت الـ”بي بي سي”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

شاهد ايضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى