أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العراقيون لا يحتفلون بعيد المعلم، بل يتأسون على انهيار القطاع التربوي

نقابة الأكاديميين: خمسون ألف شهادة غير رصينة دخلت العراق بسبب "دكاكين الخارج".

بغداد- الرافدين
أعرب عراقيون عن الأسى على انهيار العملية التعليمية في اليوم الذي يتم الاحتفال بعيد المعلم الذي يصادق في الأول من آذار من كل عام.
ويجمع عراقيون على الدور التاريخي المعاصر للمعلم في بناء الدولة العراقية الحديثة منذ عقود، إذ شكل التعليم قاعدة أساسية لتخريج أجيال من الأطباء والمهندسين والعلماء والعسكريين والمفكرين والفنانين. حتى انهيار مفهوم الدولة بعد احتلال العراق عام 2003 من قبل القوات الأمريكية.
ولا يخفي عراقيون أساهم على واقع التعليم في البلاد بعد إبادته كليا والسماح لمؤسسات طائفية بالتدخل في مناهجه وفرض وصايات على البحوث والدراسات. والسماح لجهات فاسدة مرتبطة بدول خارجية بفتح مدارس ومعاهد وجامعات تجارية لا تبالي بوطنية العملية التعليمية.
وبات المعلم في العراق اليوم يمثل صورة للانهيار الذي تعاني منه العملية التعليمية برمتها.
ويعاني القطاع التربوي والتعليمي في العراق من تدهور كبير في جودة التعليم، وفشل بلغ مستويات غير مسبوقة، فللسنة الحادية عشرة على التوالي يخرج العراق من مؤشر دافوس لجودة التعليم؛ وما يزال المستوى التعليمي خارج نطاق التقييم العالمي لمعايير الجودة.
وعزا التقرير السنوي الذي أصدره قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق أسباب تدهور القطاع التربوي إلى ضعف المستوى العلمي للكادر التدريسي والنقص الكبير في عدد المدارس وتهالك الموجود منها، ومنها ما يتعلق بقلة الدعم والتخصيصات المالية الحكومية لهذا القطاع المهم والحيوي وما يتخلل هذا التخصيص على قلته من سوء إدارة وحالات فساد كبيرة من سرقات واختلاسات.
وكان للوضع الأمني غير المستقر في البلاد وضعف الحالة الاقتصادية وقلة ذات اليد للكثير من العائلات دورا كبيرا في عزوف الكثير من هذه العائلات عن إرسال أبنائها للمدارس ودفعهم للعمل. وفي ظاهرة باتت مستفحلة في مختلف المدن والمحافظات العراقية توحي بانفلات أمني كبير وغياب شبه تام لقانون رادع؛ حدثت حالات اعتداء متكررة على المدارس ومراكز التعليم المختلفة إضافة الى الاعتداء على الكوادر العلمية والتدريسية، يقابله تعنيف شديد، نفسي وجسدي، يمارسه بعض من الكادر التعليمي والإداري بحق عدد من الطلاب والتلاميذ.
ووصلت نسبة الأمية في العراق إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ التعليم الحديث، حيث بلغ عدد غير القادرين على القراءة والكتابة في العراق نحو 12 مليونا، بعد أن كانت البلاد وبحسب تقارير “اليونسكو”، تمتلك نظاماً تعليمياً يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة، ولكن التعليم عانى الكثير بسبب ما تعرض له من حروب وحصار واحتلال وانعدام للأمن وتجذر للفساد.
كما أنه وبحسب نقابة الأكاديميين فإن هناك ما لا يقل عن 50 ألف شهادة غير رصينة دخلت العراق بسبب “دكاكين الخارج”. يعزز ذلك صدور تعميم وبموافقة وزير التعليم العالي القيادي في ميليشيا العصائب نعيم العبودي، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني؛ يسمح بشمول الراسبين بالمعدل في الدراسات العليا ومن ثم إصدار شهادات ماجستير أو دكتوراه لفاشلين علميًا.
وأشارت منظمة اليونيسيف الى أن نحو 90 بالمائة من الأطفال في العراق لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، كما أن البنك الدولي أكد أن نحو 90 بالمائة من الطلاب المراحل الابتدائية في العراق لا يفهمون ما يقرأون.
وتعاني محافظات العراق ولاسيما الجنوبية منها من قلة المباني المدرسية بسبب الفساد المستشري والإهمال الحكومي المتعمد، ففي محافظة البصرة أقرت مديرية تربية البصرة، بحاجتها الى “600” مبنى مدرسي، مؤكدة أن 90 بالمائة من مدارسها الآن بدوام ثنائي وثلاثي. وفي محافظة ذي قار يوجد حالياً 22 مدرسة طينية منتشرة في عموم مناطق المحافظة، بينما توجد 118مدرسة كرفانية، وان أهالي منطقة السبل الزراعية استأجروا منزلاً لتدريس أبنائهم لعدم وجود بناية مدرسية لهم، علما أن غالبية المدارس في المحافظة تفتقر لأبسط مقومات التعليم المناسب للأطفال، فضلاً عن شحة الكوادر التدريسية، بسبب المحسوبيات التي يتم من خلالها نقل المعلمين إلى أماكن قريبة من سكناهم.
وبينت مديرية تربية النجف حاجتها إلى بناء “1000” مدرسة جديدة لإنهاء ظاهرة الدوام المزدوج، وحاجتها لأكثر من 2000 تدريسي في مختلف الاختصاصات العلمية. من جانبها أوضحت مديرية تربية صلاح الدين أن هناك ألف مدرسة تعمل بنظام الدوام المزدوج في المحافظة. وبحسب مصادر صحفية فقد حوّل الإهمال والفساد في وزارة التربية “179” مدرسة في محافظة ديالى إلى ركام.
وفي بغداد؛ أكد نائب سابق في البرلمان الحكومي أن هناك أكثر من 150 مدرسة في مناطق الحزام ببغداد هُدمت قبل 10 سنوات بحجة بنائها ولم يتم ذلك.
ووصلت حالات الفساد وافتضاحها في وزارة التربية الحكومية حداً دفعها للإعلان عن تأجيل امتحانات الصف الثالث المتوسط، بعد تسريب أسئلة مادة الرياضيات. كما تم اعتقال مدير مدرسة متوسطة في محافظة ميسان بتهمة تجارة المخدرات. وفي السليمانية أصيب أكثر من 100 طالب بغثيان وقيء بسبب طعام تم تحضيره بماء ملوث في حانوت المدرسة.

اليونيسيف: نحو 90 بالمائة من الأطفال في العراق لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر
وسبق أن أفادت منظّمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو”، بأنّ انخفاض دعم الحكومات المتعاقبة لقطاع التعليم، أثّر في مخرجات العملية التربوية، مشيرةً إلى رداءة جودة التعليم في البلاد، وقلّة دخول الأطفال إلى المدارس.
وأوضحت المنظّمة، أنّ إنفاق السلطات الحكومية ما نسبته 6 بالمائة فقط من حجم الإنفاق السنوي على قطاع التعليم، والافتقار إلى الموارد الكافية، أدّى إلى ضعف نواتج التعليم التي تراجعت إلى مستويات غير مسبوقة، لافتةً إلى أنّ هذا ضعف الإنفاق، مع حجم الفساد المستشري في القطاع، يعرّض الأطفال إلى خطر مؤكّد يسير بهم نحو التجهيل التربوي والثقافي.
وأكّدت على أنّ عقودًا من الصراع وغياب الاستثمارات في العراق دمرت نظامه التعليمي الذي كان يُعد فيما مضى أفضل الأنظمة التعليمية في المنطقة، وأنّ ذلك أعاق بشدة وصول الأطفال إلى التعليم الجيد.
وقالت “نقابة المعلمين العراقيين” إنّ السياسات الحكومية الفاشلة أثرت بشكل كبير المؤسسة التعليمية، وأنّ الأزمات السياسية المستمرة جراء احتدام الصراع بين الأحزاب والميليشيات التي تسعى للاستحواذ على السلطة والمناصب؛ ألقى بظلاله على واقع التعليم وجعله يتراجع بشكل كبير
وأقرت النقابة المعلمين بوجود عمليات هدر وفساد هائلة في مشاريع بناء المدارس التي تنفّذها وزارة التربية الحالية، مشيرةً إلى أنّ الصفقات السياسية والمقاولات المحالة إلى شركات غير مؤهلة جعلت منها إحدى أكبر مشاريع الفساد في البلاد.
ونقلت عن مسؤولين في وزارة التربية الحالية، أنّها قرّرت الإبقاء على المدارس الطينية التي تزيد أعدادها عن “230” مدرسة في البلاد لخمس سنوات أخرى؛ جرّاء ضياع تلك الأموال في “مشروع” الأبنية، وتغافلها عن مشاريع بناء المدارس المتلكئة منذ سنوات.
وقال “المجلس النرويجي للاجئين” إنّ النقص الحاد في المدارس والمعلمين تسبب في تراجع كبير في مستويات التعليم، إذ ما تزال نسبة كبيرة من التلاميذ والطلاب غير قادرين على القراءة أو الكتابة بشكل يتناسب مع أعمارهم، خصوصًا في المحافظات التي شهدت عمليات عسكرية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى