أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

كذبة سمجة في العراق اسمها حرية الإعلام

منظمة العفو الدولية: مناخ الإفلات من العقاب قوَّض الحق في حرية التعبير بالعراق لصالح الميليشيات التي كثفت استهدافها لكل من يعارضها من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية.

بغداد – الرافدين
تترد جملة حرية الصحافة في العراق منذ احتلال البلاد من قبل القوات الأمريكية عام 2003، فيما يدرك الصحافيون أن تلك “الحرية” مجرد كذبة ستكلف أي صحفي حياته لمجرد كشف ملفات الفساد والزبائنية القائمة في العملية السياسية وجرائم الميليشيات.
وبعد عشرين عامًا من احتلال البلاد يصنف العراق بين أخطر الدول على حياة الصحفيين المخلصين لجوهر المهنة، بينما تحولت وسائل الإعلام والمحطات التلفزيونية إلى مجرد دكاكين إعلامية تقدم الخدمات الدعائية مدفوعة الأجر لأحزاب وسياسيي العملية السياسية.
ومنعت السلطات الحكومية القنوات التلفزيونية التي تعري الفساد وتكشف فشل العملية السياسية من فتح مكاتب في مدن العراق، الأمر الذي دفعها إلى البث من خارج العراق.
وتقوم السلطات الحكومية في العراق بحجب المواقع الإلكترونية على الإنترنت وإيقاف بث القنوات المعارضة للخطاب الحكومي. الأمر الذي دفع عراقيين إلى كسر الحجب للاطلاع على الحقائق غير المتاحة في القنوات الحكومية والحزبية.
ويجمع صحافيون على أن تسمية “حرية الإعلام في العراق” بالكذبة السمجة، بمجرد تعداد مئات الصحافيين والنشطاء الذين تم اغتيالهم أو اختطافهم وتغييبهم على مدار السنوات الماضية.ويؤكدون على عدم وجود وسيلة إعلامية في داخل العراق قادرة على ممارسة حرية التعبير في أدنى معاييرها، من دون أن تتعرض إلى هجوم الميليشيات المهيمنة.

كرم نعمة: يصعب أن نجد مفهوم دولة في العراق كي نتحدث بعدها عن صحافة وفق المثال الديمقراطي الذي يفضل دولة بلا حكومة على دولة بلا صحافة
وسبق وأن قام عناصر من الميليشيات الطائفية بحرق مكاتب قنوات فضائية لمجرد بث تحقيقات تلفزيونية تكشف مكامن الفساد واستغلال الأطفال وعمليات زواج القاصرات بمباركة مراجع دينية في محافظة النجف تحت تسمية “زواج المتعة”.
وتشير إحصائيات إلى أن أكثر من 500 صحفي فقدوا حياتهم في ظروف مختلفة منذ عام 2003، وسط استمرار الانتهاكات التي ترتكب بحق العاملين في مجال الإعلام.
وأكدت منظمة العفو الدولية أن مناخ الإفلات من العقاب قوَّض الحق في حرية التعبير بالعراق لصالح الميليشيات التي كثفت استهدافها لكل من يعارضها ومنهم الصحفيون والمكاتب والمؤسسات الإعلامية التي شهدت العام الماضي أكثر من اعتداء، في وقت أعلنت السلطات فتح تحقيقات دون جدوى ولم تُعلَن أي تدابير أخرى لحماية العاملين في مجال الإعلام أو محاسبة المرتكبين.
ويرى مراقبون أن الأمر أخذ خلال الآونة الأخيرة، منحنىً خطيرًا، تمثل في إصدار مذكرات اعتقال بحق صحافيين وإعلاميين ونشطاء، بسبب انتقادهم شخصيات سياسية وطائفية فاسدة.
ويرى الكاتب الصحفي كرم نعمة، أن ثمة كذبة كبيرة بهيئة مزحة اسمها “حرية الإعلام” بصفتها بندًا مضمونًا في تقاليد الدولة وجزءًا من ديمقراطيتها. مؤكدًا على أنه، “إذا كانت الصحافة بالعالم تعيش زمنًا ليس عادلًا بحقها فإنها في العراق تتحول إلى مجرد اسم بمضمون هش”.
وشدد بقوله “يصعب أن نجد مفهوم دولة في العراق كي نتحدث بعدها عن صحافة وفق المثال الديمقراطي الذي يفضل دولة بلا حكومة على دولة بلا صحافة، فحتى الذين يدافعون عن فكرة الدولة بشكل رسمي أمام وسائل الإعلام والضيوف الزائرين للعراق، يعجزون عن إيجاد مسوغ واحد أمام أنفسهم يجعلهم يصدقون وجود دولة منذ احتلال العراق عام 2003، يبدو أن هذا العجز سيبقى متصاعدًا ومستمرًا”.
وأضاف كرم نعمة الذي صدر له مؤخرًا كتاب بعنوان “السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي”، “الصحافيون العراقيون جزء من واقع مرير، هذا أمر صحيح، لكن لا يقبل منهم أن يصابوا بالعجز عن ربط المجتمع بديمقراطية حرة من الأفكار والمعلومات، وليس كما يحدث اليوم بقبولهم دور الهامش للطبقة السياسية المريضة وسطوة زعماء الميليشيات الفاسدين”.
وسبق أن أكد مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد، على إن غالبية القنوات الفضائية الموجودة بالعراق خاضعة للأحزاب والميليشيات والشخصيات الاقتصادية الموالية لها ما يعني غياب أي مساحة للنقد وتشخيص الخلل.
وأظهرت أوراق بحثية مصحوبة بمعلومات وبيانات وتفاصيل مدللة بالوثائق والأرقام تقدم بها القاضي محمد الطراونة عضو اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني في الأردن، والدكتور أيمن العاني مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق، جانبًا مما وصل إليه واقع الحريات العامة والصحفية في البلاد.
وبين الباحثان في ندوة عقدها قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق، بعنوان “صحفيو العراق بين القتل والخطف والتهديد والابتزاز”، طبيعة الجهات التي تقف وراء الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق
الصحفيين، ومدى الإفلات المطلق من العقاب الذي يتمتع به الجناة والمرتكبون، بما ينعكس بالضرورة على حق المواطن العراقي في الحصول على المعلومة الصحيحة والدقيقة.
وأجمعوا، على أن مشكلة الانتهاكات التي تطال كل الصحفيين الباحثين عن الحقيقة في العراق، تأتي في ظل عدم الكشف عن الجناة، وتمادي السلطات وميليشياتها في استهداف الإعلاميين الناشطين في مناهضة السلطات بدوافع سياسية.
وكانت ثورة تشرين 2019، والتي تعد أوسع احتجاجات شعبية في تاريخ العراق الحديث، قد أدت إلى هجرة جديدة للصحفيين بعد تصاعد عمليات الاختطاف والقتل ضدهم لمجرد تغطية نشاطات الاحتجاجات التي عمت المدن العراقية.
ويؤكد صحفيون عدم وجود أرقام حقيقية لعدد الصحفيين الذين هاجروا العراق منذ 2003 إلى اليوم.
وترى سارة صنبر المعنية بشؤون العراق في منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن الثامن من نيسان عام 2003 سيبقى ذكرى سيئة بالنسبة لوسائل الإعلام في العراق. في إشارة إلى تاريخ احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية.
وكتبت صنبر في مقال بمناسبة مرور عشرين عامًا على احتلال العراق “أثناء الاحتلال الأمريكي، ظلت الصحافة الحرة تحت التهديد. اعتقلت القوات الأمريكية مرارًا صحفيين، بعضهم بذريعة مشاركتهم في التمرد أو دعمهم له في تغطيتهم الإعلامية”.
وأضافت بأن الوضع ليس بأفضل اليوم. حيث تنظر السلطات العراقية إلى وسائل الإعلام على أنها خصم يجب احتوائه والسيطرة عليه، بدل اعتبارها جزءا أساسيًا من المجتمع العراقي.
وأوضحت “تُسيء السلطات العراقية وحكومة إقليم كردستان استخدام القوانين المصاغة بشكل غامض، لتوجيه اتهامات جنائية للمنتقدين. وتستخدم السلطات أحيانًا الملاحقات القضائية وفق هذه القوانين لترهيب وإسكات الصحفيين والنشطاء وغيرهم من الأصوات المعارضة”
وطالبت في نهاية مقالها السلطات الحكومية بإنهاء الترهيب والمضايقة والاعتقال والاعتداء على الصحفيين وغيرهم بسبب ممارسة حقهم في حرية التعبير. كما يتعين عليها التحقيق في المزاعم الموثوقة حول التهديدات أو الهجمات التي يشنها موظفو الحكومة ضد المنتقدين.

من قتلني؟
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى