الطريق إلى الديمقراطية بعيد المنال بعد عشرين عامًا على احتلال العراق
باحثان: فشلت الطبقة السياسية التي تولت السلطة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي في التخلص من الاستبداد والقمع، ولم يظهر عليها أي تمسك بالقيم الديمقراطية.
بغداد- الرافدين
قال باحثان متخصصان في شؤون العراق، إن الطبقة السياسية الحاكمة منذ عام 2003 والمدعومة من قبل الميليشيات تستخدم التكتيكات القمعية القاتلة في التعامل مع كل مع يحتج على فسادها وفشلها.
وكتب حيدر الشاكري الباحث المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الملكي البريطاني “تشاتام هاوس” والفاضل أحمد الباحث السياسي في الشأن العراقي المختص بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية في جنوب ووسط العراق، “لقد فشلت الطبقة السياسية التي تولت السلطة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي في التخلص من الاستبداد والقمع، ولم يظهر عليها أي تمسك بالقيم الديمقراطية”.
وعلى الرغم من مرور عشرين عامًا على احتلال العراق، إلا أن الطريق إلى الديمقراطية لا يزال بعيد المنال. ومع ذلك، فإن الأمر يستحق القتال من أجله. على الرغم من أن العراقيين عانوا من انتكاسات وواجهوا طبقة سياسية فاسدة تتمسك بالسلطة بأي وسيلة.
وطالب الباحثان بمواصلة العراقيين ثورتهم كما أظهرت ذلك احتجاجات ثورة تشرين عام 2019 لأسقاط الطبقة السياسية الفاسدة المتمسكة بالسلطة عبر القمع والقتل والمصادرة.
وأكدا الباحثان في دراسة مشركة كتبت باللغة الإنجليزية، على أن الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال استخدمت نفس التكتيكات القمعية القاتلة والسائدة في النظم القمعية لحماية نظام تقاسم السلطة الطائفي، لحماية حصصها السياسية والاقتصادية الضيقة.
وجاء التحدي الأكبر للعملية السياسية في عام 2019 عندما نزل العراقيون إلى الشوارع بأعداد كبيرة في ثورة تشرين للمطالبة بتغيير سياسي واقتصادي وفق وعود الرفاهية والديمقراطية التي روج لها بعد احتلال العراق.
وكان رد فعل الطبقة السياسية بلا رحمة، عندما أطلقت الحكومة والميليشيات التابعة لها العنان لموجة قاتلة من العنف، واستخدمت جميع الوسائل غير المشروعة لتعزيز قبضتها القمعية على السلطة وسحق جموع الشباب المحتجين في ساحات المدن العراقية.
وخرج العراقيون في ثورة تشرين من أجل صوتهم الحر للإطاحة بعملية سياسية فاسدة، بعد أن زعمت القوات الأمريكية المحتلة بانها احتلت العراق من أجل “ازدهار الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحقوق المدنية” غير أن كل هذه المزاعم ذهبت مع حشد الأكاذيب التي رافقت احتلال العراق بما فيها الدستور الذي كتب على عجالة عام 2005 في زمن شاذ من تاريخ العراق وأحتوى على صياغات غامضة تسمح بسهولة في انتهاك الحقوق المدنية.
وقال الباحثان “تذكر فقرة في الدستور أن حرية التعبير مضمونة، ولكن فقط إذا كانت لا تنتهك الأخلاق أو النظام العام. وهذا ما سمح بالاستخدام التعسفي والعشوائي لهذا البند لتكميم أفواه الإعلام العراقي ومنتقدي الحكومة”.
وأكدا على أن إسكات الأصوات الناقدة إلى جانب انتشار العنف السياسي سمح للطبقة السياسية بالحكم كما يحلو لها وإثراء نفسها على ظهور الشعب العراقي.
لكن الاضطهاد كان آخر شيء يمكن أن يقبله الشعب العراقي، عندما نزل المحتجون في ثورة تشرين إلى الشوارع ضد فشل الحكومة في توفير الخدمات الأساسية ومستوى معيشي معقول.
واندلعت سنوات من الغضب المتراكم في تشرين الأول 2019، وتحولت إلى احتجاجات حاشدة في وسط وجنوب العراق.
وتظاهر مئات الآلاف من الأشخاص لأشهر متتالية، مطالبين ليس فقط بحياة كريمة، ولكن بأسقاط النظام السياسي الفاشل في البلاد. كما سلطت الاحتجاجات الضوء على قضايا حرية التعبير وحقوق الإنسان، ورفعت الوعي بأهميتها الحاسمة.
وعلى الرغم من أعمال العنف الدامية التي اندلعت ضد الاحتجاجات من قبل الجهات الحكومية والميليشيات التابعة، استمرت المظاهرات. ووجه التضامن الشعبي للمتظاهرين ضربة قاصمة للطبقة السياسية، التي تعيش على زرع الانقسام داخل المجتمع وإشاعة ثقافة الخوف عبر الاغتيال والاختطاف والاعتقال. الأمر الذي أدى إلى هزيمة الأحزاب الطائفية الحاكمة في انتخابات عام 2021 التي حرضت على العنف ضد المحتجين. مع أن نسبة المشاركة في التصويت لم تتجاوز 20 بالمائة من عدد المصوتين.
وعادت القوى السياسية التي عاقبها الناخبون العراقيون في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لفسادها ومشاركتها في قمع احتجاجات 2019 بالانتقام من العراقيين عندما استولوا على تشكيل الحكومة عام 2022.
وشكلت الأحزاب والميليشيات الولائية المرتبطة بإيران ما يسمى بالإطار التنسيقي وبعد انسحاب كتلة التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر من البرلمان، التي فازت بأكبر عدد من الأصوات، وتمكنوا في النهاية من استغلال بعض الأحكام للوصول إلى السلط والدفع بحكومة محمد شياع السوداني.
وقال الباحثان “منذ تشكيل حكومة الإطار التنسيقي أطلق ما يمكن وصفه بـ (الثورة المضادة) ضد أي مكاسب حققها ثوار تشرين”.
وقامت حكومة الإطار التنسيقي التي تنضوي تحتها الميليشيات والأحزاب الولائية بتقييد حرية التعبير والنقد. وتم استخدام المواد 225-227 من قانون العقوبات لاستهداف نشطاء الحقوق المدنية لمجرد التعبير عن آرائهم في وسائل التواصل الاجتماعي أو في وسائل الإعلام التقليدية.
وتحتوي هذه المواد على لغة فضفاضة ومبهمة تسمح للسلطات بمحاكمة أي شخص “يهين الحكومة” أو “القوات العسكرية” أو “الأجهزة شبه الرسمية” والحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات.
وضرب الباحثان أحد الأمثلة البارزة على كيفية إساءة استخدام هذه المواد في قمع الرأي الناقد للحكومة، حالة الناشط حيدر الزيدي. الذي حُكم عليه في كانون الأول 2022 بالسجن ثلاث سنوات بتهمة تغريدة تنتقد أبو مهدي المهندس أحد زعماء ميليشيا الحشد الذي قتل مع قاسم سليماني في غارة أمريكية قرب مطار بغداد.
وقُبض على المحلل السياسي محمد نعناع لانتقاده رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، فيما حُكم على الصحفية قدس السامرائي بالسجن لمدة عام بتهمة القذف بعد أن رفع ضابط في الجيش دعوى قضائية ضدها.
وقال الباحثان “هذه مجرد أمثلة قليلة على عدد متزايد من الشخصيات العامة التي تم إسكاتها والتي تجرأت على انتقاد الطبقة السياسية والوضع السياسي المتردي”.
وأنشأت وزارة الداخلية لجنة لمعاقبة أي شخص ينشر “محتوى غير لائق” وهي ذريعة مكشوفة لمنع كشف بواطن الفساد والسرقات المستمرة في الوزارات الحكومية.
واستندت وزارة الداخلية في حكومة السوداني على المادة 403 من قانون العقوبات، والتي تتعلق بمصطلح غامض، ونتيجة لهذه المادة، قد يُحكم على الأفراد بالسجن لمدة تصل إلى عامين لخرقهم معيارًا تحدده فقط نظرة الوزارة للأخلاق.
ودعم مجلس القضاء الأعلى، الذي يفترض أن يكون هيئة قانونية مستقلة، وزارة الداخلية لمحاكمة الأفراد بتهمة “إهانة مؤسسات الدولة”.
وعدلت الأحزاب والميليشيات الحاكمة قانون الانتخابات بما يتناسب مع مصالحها في محاولة لتجنب الهزيمة التي لحقت بها في الانتخابات الأخيرة، وإعادة طريقة احتساب الأصوات الانتخابية لصالح أحزاب الطبقة السياسية القائمة. وكان هناك الكثير من المعارضة لهذا التعديل لدرجة أن البرلمان اضطر للتصويت عليه ليلاً وقامت قوات الأمن بإزاحة النواب الذين كانوا يحتجون ضده.
ويعزز القانون الانتخابي المعدل النظام السياسي الفاشل الحالي ويقوض أي مسار ديمقراطي. كما أنه يتعارض مع الهوية الوطنية المشتركة التي احتشدت وراءها احتجاجات ثورة تشرين في عام 2019.