أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

عصابة الكرادة للمتاجرة بالبشر تكشف الجزء الضئيل من التجارة الشنيعة

خبر القاء القبض على شبكة تهريب النساء والأطفال، أمر جيد، لكن لماذا تم السكوت عن شبكات كبرى للمتاجرة بالبشر داخل وخارج العراق.

بغداد- الرافدين

قال مصدر أمني عراقي إن إعلان المديرية العامة للاستخبارات والأمن، عن إلقاء القبض على شبكة متخصصة بالاتجار بالنساء في منطقة الكرادة وتهريبهم إلى خارج العراق، لا يمثل إلا الجزء الضئيل من حقيقة ما يجري في تلك التجارة الشنيعة.
وشدد المصدر، رافضًا كشف هويته بسبب حساسية وظيفته، على أن تلك التجارة رائجة إلى درجة لديها من “يحميها” في الجهات الأمنية والقضائية، بالنظر لما تدر عليهم من أموال هائلة.
وأضاف أن خبر القاء القبض على تلك الشبكة في منطقة الكرادة وسط بغداد، هو أمر جيد، لكن لم يكشف لماذا أعلن عنه بدعاية رسمية، فيما تم السكوت على شبكات كبرى للمتاجرة بالنساء والأطفال داخل وخارج العراق.
وقال إن جهات أمنية متورطة في تلك التجارة وأن الكشف عن “شبكة الكرادة” بسبب الخلاف على الثمن، بينما هناك شبكات تعمل بحرية ودعم من جهات متنفذة.
وكانت المديرية العامة للاستخبارات والأمن قد أعلنت، الاثنين، عن الإطاحة بشبكة رئيسية متخصصة بالاتجار بالبشر متكونة من 11 متهماً من بينهم نساء في منطقة الكرادة ببغداد.
وذكرت “تقوم هذه الشبكة ببيع وتهريب النساء الى خارج البلاد”.
ولا يمثل الخبر مفاجأة للرأي العام في العراق، فالاتجار بالبشر صار بمثابة اقتصاد موازي لزعماء ميليشيات وشركات ومسؤولين متنفذين.
ولفت مسؤول في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني إلى أن “أشكال الاتجار بالبشر، وما تؤدي إليه، تتوزع على قطاعات عمل واضحة لدى وزارة الهجرة وبقية الوزارات والجهات ذات العلاقة، ومن بينها الدعارة، والعمل في الملاهي الليلية، وتهريب الممنوعات، وخصوصاً المخدرات، إضافة إلى ظاهرة التسوّل، وهناك عصابات مسؤولة عن إدخال معوقين من بلدان من بينها باكستان وبنغلادش وإيران، ونشرهم في الشوارع بهدف التسول، فضلاً عن استخدام الاتجار بالبشر كوسيلة للتجارة بالأعضاء البشرية”.
وسبق أن أقرت وزارة الهجرة والمهجرين بالارتفاع المستمر لمعدلات جرائم الاتجار بالبشر، نتيجة كثرة العصابات التي تمارس هذه الجريمة.
وحمل مراقبون حكومة السوداني؛ المسؤولية عن تفاقم ظاهرة الاتجار بالبشر في البلاد، وذلك لتهاونها في إدارة هذا الملف، مشددين على أن المشكلة ممنهجة وتتعلق بالسلطات التنفيذية، ونفوذ وقوة الجهات المتورطة بتلك الجرائم.
وقالت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، أن البلاد لا تزال دون المستوى المطلوب لإيقاف ظاهرة الاتجار بالبشر، بحسب التصنيف الدولي.
ولفتت المفوضية إلى أنه على الرغم من وجود قانون مكافحة الاتجار بالبشر في العراق، إلا أن السلطات الحكومية لم تنفذ القانون بعد مرور 10 سنوات على إقراره، في ظل عدم فعالية ما تسمى باللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر.
وسبق أن أفادت مصادر أمنية بأن سماسرة وتجار وشخصيات نافذة في الحكومة متورطة بإيقاع ضحايا في شباك الاتجار بالبشر مستغلة نفوذها في مؤسسات أمنية تسهل عليها التملص من المساءلة القانونية والإفلات من العقاب
وكشف فيلم وثائقي انتجه المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” عن انتشار تجارة البشر في العراق منذ عام 2003 بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي مكنتها شبكة المصالح بين أحزاب السلطة والميليشيات المسلحة.
وذكر المعهد في ندوة تمهيدية لعرض الفيلم “أن انتشار تجارة البشر جاء نتيجة لإرث الولايات المتحدة في العراق والمزيج السام للتحالف بين الأحزاب والميليشيات الذي رسخ الفقر والجهل والتهميش لكثير من طبقات المجتمع لاسيما فئة النساء التي أصبحت أكثر عرضة لتجارة البشر والاستغلال”.
وأجمع متحدثون في الندوة على أن جهود السلطات الحكومية المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر والأعضاء غير فعالة، وفي كثير من الأحيان يتعرض الناجون للتهميش وحتى القتل، مؤكدين على أن النظام السياسي الحالي والفساد ساهم بتكريس هذه الانتهاكات والتجارة.
وتزداد معدلات الاتجار بالبشر في المناطق الفقيرة والمناطق التي تقع تحت سيطرة الميليشيات المسلحة التي اتخذت هذه التجارة كدخل أساسي لتمويل عملياتها، بالإضافة إلى استغلال هذه التجارة في بيع أعضاء المختطفين إلى جانب اجبارهم على العمل في الدعارة وتجارة المخدرات.
وسبق أن حمّل تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بالإتجار بالبشر في العراق لعام 2022، الحكومة مسؤولية عدم الامتثال للحد الأدنى من المعايير الخاصة بالقضاء على الإتجار بالأشخاص. وافتقادها إلى خدمات الحماية الملائمة لضحايا كافة أشكال الاتجار بالبشر.
وذكر التقرير “أن الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان لم تستوفيا الحد الأدنى من المعايير المطلوبة في عدة مجالات رئيسية. أوجه القصور في إجراءات التعرف على الضحايا وإحالتهم، علاوة على افتقار السلطات لفهم الاتجار، ظلت تحول دون تلقي الكثير من الضحايا لخدمات الحماية الملائمة”.
وأضاف “لا تتعرف السلطات بشكل استباقي على ضحايا الاتجار وسط الفئات السكانية الضعيفة، الأمر الذي أدى إلى الاستمرار في معاقبة بعض الضحايا على أفعال غير قانونية أجبرهم عليها المتاجرون بهم، مثل مخالفات الهجرة والدعارة”.
ووثقت منظمة “المصير” العراقية ارتفاعًا صادما في أعداد جرائم الاتجار بالبشر التي يقع ضحيتها النساء والأطفال، معتبرة أن الأسباب المباشرة ترجع إلى زيادة نسب الفقر والبطالة، وتصاعد قوة عصابات الجريمة المنظمة، وزيادة عمليات بيع الأعضاء عالمياً، فضلاً عن تفشي الاستغلال الجنسي والتسول والإكراه على العمل.
وخلصت المنظمة إلى أن القضاء العراقي ما زال يتجنب في بعض أحكامه اللجوء إلى قانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر في 2012، ويصدر أحكامه وفقاً لقانون العقوبات الصادر في 1969، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا الاستغلال الجنسي، كما أنّ المؤسسات الحكومية تفتقر إلى وجود تعريف موحد لمفهوم الاتجار بالبشر، وهناك حاجة ملحة لمنح إجازات لفتح منظمات المجتمع المدني مراكز لإيواء ضحايا الاتجار بالبشر.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى