أخبار الرافدين
طلعت رميح

كيف نعرف من قصف الكرملين؟

تظهر لقطة الفيديو المنتشرة لعملية قصف مبنى الكرملين، أن الطائرة المسيرة انفجرت في الجو ولم تصطدم بأي جسم لا ثابت ولا متحرك. وأن قوة التفجير كانت ضعيفة للغاية، حتى إن العلم الروسي ظل يرفرف كما هو، بعد وقوع التفجير قربه، كما لم تخلف العملية لا إصابات بشرية ولا دمارًا ولا حتى مجرد حريق.
ومع ذلك فالحدث كبير إذ جرى الوصول إلى مقر الحكم الروسي مستهدفًا هيبته، كما وصل للرئيس الروسي تهديد عملي بالاغتيال، لذلك صدرت تصريحات روسية فورية اعتبرت ما جرى محاولة لاغتيال الرئيس وتحدثت عن ضرورة قتل الرئيس الأوكراني بالمقابل ووصل الأمر حد استدعاء فزاعة السلاح النووي.
وقد انشغل الكثير بالبحث عمن يقف وراء القصف، فيما مثل تلك الأحداث لا يجرى فك ألغازها ومعرفة الفاعل فيها، إلا بعد زمن طويل. وليس هناك من طريق لمعرفة الفاعل إلا من خلال متابعة وتحليل ما سيجري بعدها
على كل فهناك عدة احتمالات.
الأول، أن يكون قصف الكرملين مقصودًا منه صناعة 11 سبتمبر روسية، يجري بعدها إجراء تغيير في الخطط الاستراتيجية. وهو احتمال قد يراه البعض تأويلًا تآمريًا، إذ كيف لروسيا أن تضعف هيبتها بقصف مقر الحكم التأريخي وإظهار الرئيس معرضًا للاغتيال، لكنه احتمال قائم بالقياس على أحداث سبتمبر أمريكا، إذ جرى قصف رمز الهيمنة العسكرية الأمريكية على العالم ممثلًا بالبنتاغون، ومبنى التجارة العالمية رمز الهيمنة الاقتصادية الأمريكية.
وقد استندت الولايات لتلك الهجمات بإحداث تغيير في خططها الإستراتيجية، تمثل في إطلاق حملة شملت هدم دولتين لا غزوهما فقط، وتغيير التوازنات في إقليم كامل، وإطلاق حملة لإخضاع العالم لسطوتها عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا ودبلوماسيًا تحت مسمى الحرب على الإرهاب.
وما يطرح هذا الاحتمال، حديث المسؤولين الروس الفوري، عن عمل إرهابي وعن محاولة اغتيال رمز الدولة وضرورة الرد باغتيال الرئيس الأوكراني، وإتهام الولايات المتحدة وبريطانيا والناتو بالوقوف خلف الهجوم
ويعزز هذا الاحتمال، أن روسيا تخوض الحرب في أوكرانيا تحت عنوان تغيير النظام الدولي، ويمكن لها الآن أن تستثمر في الحدث باتجاه إعادة توصيف الحرب والأزمة الأوكرانية، بإظهار روسيا بمظهر المعتدى عليها من الغرب إلى درجة محاولة اغتيال الرئيس الروسي، وهو الذي لم يذهب إلى محاولة قتل الرئيس الأوكراني أو قصف مقر الحكم، بل حتى لم يذهب إلى قصف مقار الوزارات، بما فيها وزارة الدفاع.
ولقد أصبح الحكم في روسيا الآن في أقوى حالات التلاحم مع الشعب. لقد قدم قصف الكرملين تبريرًا عمليًا لقرار الهجوم على أوكرانيا، ولتصعيد الحرب باتجاهات أخرى
لكن هذا الاحتمال يقابله آخر ربما على درجة أعلى من الأهمية .
قد يكون القصف، رسالة من الغرب بأنه قادر على اختراق كل الدفاعات الروسية والوصول للرئيس نفسه دون إعلان حرب شاملة.
يقولون نحن وصلنا إلى رأس الدولة ورمز هيبتها، فماذا ستفعلون؟ هل تستمرون في الحديث عن النووي وأمنكم الاستراتيجي مكشوف، وهل تواصلون محاولة تغيير التوازنات الدولية وأنتم غير قادرين على صد هجوم بسيط على مقر الحكم؟ وهل لازلتم ترون أن بإمكانكم مواجهة الناتو؟
ويرفع من درجة هذا الاحتمال، ما ورد في وثائق البنتاغون السرية التي جرى تسريبها مؤخرًا.
لقد ورد فيها سيناريو وضعته المخابرات الأمريكية عن مصير الحرب بعد مقتل كل من بوتين وزيلينسكي، وفق ما أوردت صحيفة نيويورك تايمز. كما ورد أيضًا أن الرئيس الأوكراني درس مع قادة جيشه إمكانية استخدام الطائرات المسيرة في قصف الكرملين للتغلب على عدم منح أمريكا صواريخ بعيدة المدى لبلاده.
كما يزيد من هذا الاحتمال أن كان الرئيس الأمريكي نفسه، قد تحدث من قبل عن إزاحة الرئيس الروسي.
وهنا قد يكون ما ردده بعض الخبراء واردًا أيضًا، إذ قيل إن حل الأزمة وعدم تصعيدها لحرب عالمية، قد يجري عبر تحييد الرئيسين.
وهناك احتمالات أخرى تتعلق بتحقيق أهداف تكتيكية.
فهناك احتمال أن يكون القصف مرتبطًا بالهجوم الأوكراني الذي جرى الحديث عنه مطولًا. يمكن أن يكون القصف محاولة لتعويض التأخير في شن الهجوم بإطلاق حدث كبير، أو أن يكون القصف ضمن خطة هذا الهجوم، خاصة قد سبقه بيومين هجوم آخر تمكنت من خلاله القوات الأوكرانية من تدمير مخزونات النفط المخصصة للأسطول الروسي في قاعدته الرئيسية في القرم.
وهناك احتمال ان يكون القصف مرتبطًا بالمبادرة الصينية، إذ سبق القصف أول اتصال صيني أوكراني قد يكون تحضيرًا للذهاب إلى طاولة التفاوض من موضع قوة، وقد يكون مقصودًا منه تعطيل لهذا المسار.
كل تلك الاحتمالات واردة، ولن يجري ترجيح أي منهما على الآخر، إلا بمتابعة التطورات واتجاهات الحركة وما سيحدث من تغيير في خطط الحرب ما سيكشف حقيقة ما جرى ليس تحقيقًا يجري ولا تصريح من هذا المسؤول أو ذاك فقط، يمكن اكتشاف حقيقة ما جرى من خلال متابعة التطورات العملية على الأرض، تمامًا كما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 .

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى