أخبار الرافدين
كرم نعمة

سعادة السوداني بغياب الدرس الصحفي عن عرّاف وقرداحي

جلس رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بثقة، وهو يتحاور مع صحفية أمريكية تملك تجربة في دلالة وتوقيت إطلاق السؤال مثل جين عرّاف مديرة مكتب صحيفة نيويورك تايمز في العراق، ليتحدث بصلافة سياسية قل نظيرها في منتدى السليمانية.
زاعمًا بأن ما يقال عن تدخل إيراني في الشأن العراقي “مبالغة وتضخيم غير مبرر، وغير حقيقي، ولم يشعر به كرئيس للحكومة”!
وارتفع منسوب الصلافة الإعلامية لديه أمام الحاضرين وعلى شاشات التلفزيون، عندما تصرف وكأن سلطة حكومته أكبر من حدود المنطقة الخضراء، محذرا بانه” لن يقبل أبداً بأن تمس سيادتنا انطلاقاً من دول الجوار أو من غيرها”.
حسنًا، هذا أمر يدعو إلى الفخر إن كان حقيقيًا، لكن عندما يعجز رئيس حكومة عن فض نزاع عشائري دموي، أو يسحب بندقية من ميليشياوي يفرض سلطته على الشارع، فأن من الحماقة بدرجة متقدمة من الصلافة أن يتحدث عن سيادة البلاد برمتها!
لم ينته الأمر عند مزاعم السوداني في ملتقى السليمانية، و”الكياسة الاجتماعية” التي منعت المراسلة جين عراف أن تبحث عن الإجابات الأكثر طلبًا في الأسئلة التي كان ينبغي إطلاقها، وليس كما فعل جورج قرداحي بعدها وهو يغدق الثناء على السوداني في جلسة حوار مماثلة، كاشفًا عن خدمات إعلانية مدفوعة الأجر! ومتناسيًا، على الرغم من تجربته الصحافية الطويلة، الدرس الأثمن عندما يميل الصحفيون إلى اعتبار أنفسهم مواهب فردية، مدفوعين بغرائزهم. بدلا من أن يفكروا في عملهم كعنصر واحد ضمن نظام شامل لصناعة الخطاب الذي يربط المجتمع بديمقراطية حرة من الأفكار والمعلومات.
عندما يدير الصحافي ظهره للأفكار المبتكرة، والخضوع لسيطرة الحكومات، فإنه سيجعل من الصحافة مقبرة لنفسه، كما فعل قرداحي في ثنائه الفارغ على الإنجازات المفترضة لحكومة السوداني.
ليس مهما بعدها، بالنسبة للعراقيين، المأزق المهني الذي أراده قرداحي لنفسه، لكن متوالية الغطرسة الإعلامية لم تتوقف عند السوداني، عندما يستثمر ما يمكن تسميته بـ “الهدوء الخادع” ويحوّل الفشل السياسي والاقتصادي المحسوس لدى المجتمع إلى إنجازات ووعود فارغة.
لم ينته الأمر عند ذلك، فقد رفع السوداني سيف التحدي بوجه تجار المخدرات في العراق، في “مؤتمر بغداد الدولي الأول لمكافحة المخدّرات”.
في حقيقة الأمر، ولأن السوداني يدرك في قرارة نفسه أن السيف الذي رفعه في المؤتمر أشبه بورقة مصابة بالنحول الأمني، فلا أحد يعول على مثل هذا الكلام، بما فيهم الحاضرون من تجار المخدرات من المتنفذين في حكومته.
دع عنك رؤساء وفود إيران وسوريا المشاركين في المؤتمر، فتلك كوميديا سياسية، لا تحدث إلا في العراق، عندما يلعب مهربو المخدرات دور رجال الشرطة المطاردين للمتاجرين فيها.
كل مزاعم السوداني عن إنجازات حكومته بعد مرور نصف العام الأول من عمرها، لا يعتد بها جاهل ولا مستفيد منها. لأن كل الذي يحصل جزء من العمى السياسي وضياع الهدف الوطني المستمر منذ عشرين عامًا.
فكل المعطيات التي يمسح للسوداني بتداولها في حكومته المسيرة من قبل الإطار التنسيقي، المُسير بدوره من قبل إيران تدعو إلى التشاؤم. ومزاعم رئيس الحكومة الافتراضية في المنطقة الخضراء لن تحرر العراق من صورته كدولة عاجزة عن النهوض بأحوال الشعب بخطة تنموية تضع ثروات البلاد في مكانها الصحيح من دون فساد.
حكومة السوداني هي ليست سوى نموذج لما شهده العراقيون من حكومات سابقة وما سيشهده في المستقبل، عندما يبقى الحال يكرر الصورة التي ربت فيها المرشد الإيراني على خامنئي على كتف السوداني بعد أسابيع قليلة من ترؤس الحكومة، عندما توجه إلى طهران لأبداء فروض الولاء والطاعة. عبّر خامنئي حينها عن سعادته في إخلاص السوداني لوحدة الطائفة ووضعها فوق أي اعتبار وطني عراقي!
بعدها، هل يجدر بنا أن “نرشد” الزميلة جين عرّاف إلى حاجة العراقيين للصحفي الذي يطلق السؤال الأهم للحصول على الإجابة الأكثر طلبًا وهي تستمع إلى صلافة مزاعم السوداني الفارغة بعدم شعوره بأي تدخل إيراني في شأن حكومته؟
قبل سنوات تعلمت، كصحافي، أحد أهم الدروس من آلن روسبيردغر رئيس تحرير صحيفة الغارديان السابق ومدير معهد رويترز الحالي بقوله “عندما يدير الصحافي ظهره للأفكار النيرة والمبتكرة والدافعة نحو رقي المجتمع، من أجل أنانية طائفية أو شخصية ضيّقة، والاكتفاء بفكرة ليس ثمة ما يمكن أن نتعلمه، فإنه سيجعل من هذا الفضاء الإعلامي الحر، مقبرة لنفسه لا يزوره فيها إلا الموتى على شاكلته”.
ذلك الدرس ما يمكن أن أقترحه على الزميلين جين عرّاف وجورج قرداحي، وإن أقتضى الأمر نسخة منه إلى السوداني.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى