أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

الأسرة العراقية ترزح تحت وطأة الإهمال والتجهيل الممنهج

باحثون اجتماعيون يحمّلون في اليوم الدولي للأسرة، حكومات الاحتلال المتعاقبة مسؤولية انهيار منظومة القيم الاجتماعية في البلاد.

بغداد ــ الرافدين
حذر مراقبون وناشطون حقوقيون من النهج المتبع لدى حكومات الاحتلال المتعاقبة في تدمير نواة المجتمع العراقي من خلال زجه بسلسلة من الأزمات والضغوطات تنفيذًا للمخططات والأجندات الخارجية والتي تهدف إلى إشاعة حالة التفكيك الأسري داخل البلاد.
وسلط حقوقيون في اليوم العالمي للأسرة الضوء على الأسباب التي أدت إلى اتساع الهوة داخل الأسرة العراقية الواحدة، أبرزها غياب الرعاية الاجتماعية وحالة الفقر المدقع التي ضربت أكثر من ثلث العراقيين وحملات الاعتقال والنزوح القسري، وجرائم الميليشيات وما خلفته من جيوش للأرامل والمطلقات والأيتام إضافة إلى ضلوعها في تفشي المخدرات داخل البلاد.
وشكلت قضايا الأسرة موضع اهتمام متزايد في الأمم المتحدة، وبعد مداولات دولية متعددة استمرت أكثر من عقد من الزمن بين الأمم المتحدة والدول الأعضاء والتكتلات الإقليمية، بشأن دراسة إعلان سنة دولية للأسرة ومناقشة السبل والوسائل الأخرى المتوافرة لتحسين وضع الأسرة ورفاهها، وتم الاتفاق عام 1993 على إعلان الخامس عشر من أيار من كل عام يومًا دوليًا للأسرة.
وتتفاقم الظواهر السلبية بعد الاحتلال الأمريكي، والتي تهدف إلى تفكيك المجتمع العراقي وتجهيله، في ظل الإهمال المتعمد من قبل النظام السياسي الحالي لمشاكل المرأة والطفل في البلاد.
وطرحت هيئة علماء المسلمين في العراق في وقت مبكر رؤيتها للواقع الاجتماعي في العراق وسبل حل المشاكل الاجتماعية الناشئة فيه بعد الاحتلال، وأظهرت بعض توجهاتها ومقترحاتها في هذا الصدد عن طريق وسائل التواصل المباشر مع المكونات المجتمعية العراقية، أو عن طريق وسائل الإعلام.
وأكدت الهيئة على مجموعة من القضايا التي تخص المجتمع العراقي، وأبانت عن وجهة نظرها فيما يتعلق ببعض المفاهيم العامة السائدة في العراق فيما يتعلق بالإصلاح الاجتماعي ووسائله وصلته بالتغيير السياسي.
ونبهت الهيئة بصراحة ووضوح على أن التغيير السياسي عملية جماعية لا تقوم بجهد الفرد وحده، وأن الإصلاح الاجتماعي يمكن أن ينتج تغييرًا سياسيًا.
وركزت على تفاصيل النظام الاجتماعي أو السياسة المثلى لبناء إنسان الأمة والعناية بالمرأة.
ويتذيل العراق قائمة الدول في قضايا حقوق الإنسان بشكل عام وسط استمرار تغاضي منظومة القضاء عن هذه الانتهاكات، الأمر الذي يجعل البلد متصدرًا للقائمة السوداء لمؤشر الإفلات من العقاب العالمي.
ويصنف العراق من أسوأ الدول بالنسبة لواقع المرأة والطفل مع استمرار تعرض هاتين الفئتين للقتل والخطف والاستغلال والاتجار بالبشر والزج في السجون والحرمان من أبسط الحقوق.
وحذر قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين خلال تقريره السنوي مطلع العام 2023 من تزايد معاناة الأسر العراقية إلى الحد الذي نتج عنه انحراف كبير في مسار المجتمع بأكمله.
وسبق أن طالبت اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي بتسليط الضوء على الواقع المؤلم الذي تعيشه الأسرة العراقية والمرأة بصورة خاصة.
وأكدت اللجنة أن القوانين التي شرعتها الأحزاب السياسية الحالية جائرة وظالمة بحق المرأة العراقية والتي أدت إلى زيادة نسبة الأمية بين النساء وارتفاع حالات الطلاق في ظل غياب الحلول من قبل الحكومة وأحزابها التي تعمدت إهمال المرأة العراقية وسلب حقوقها ما ساهم في تعرضهن إلى الانتهاكات الصارخة والاغتيال والخطف.
كما أشار تقرير آخر لقسم حقوق الانسان في هيئة علماء المسلمين إلى أن نسبة الأمية المتصاعدة في العراق والتي تشير بوضوح إلى نتائج حتمية الجهل التي فرضها الاحتلال واتبعتها حكوماته المتعاقبة التي تهدف إلى محاربة العلم وفرض التخلف واستشراء الفساد وتغييب الوعي وإحداث حالة الاستنزاف الفكري والانحلال الأخلاقي.
وأضاف التقرير بأن حكومات الاحتلال عملت على نسف مقومات المجتمع المدني كافة في سبيل تسهيل بث التفرقة بين مكونات الشعب الواحد وصناعة العنف وافتعال الأزمات والصراعات وتفكيك آليات التغيير الجماهيري والتفرد بالسلطة.
وقال مسؤول قسم حقوق الإنسان في الهيئة الدكتور أيمن العاني، إن الأمية ليست مجرد مشكلة تعليمية واجتماعية واقتصادية، وإنما هي قضية سياسية لها تداعيات خطيرة بعيدة المدى، مبينًا أن القضاء على الجهل لم يكن أولوية لدى أي من الحكومات المتعاقبة التي عملت على تفشيه لضمان خفض الوعي الشعبي وقتل روح التضحية والتفاني بين أبناء الوطن الواحد ونسف مقتضيات العمل الجماعي لبناء وطن غني بثرواته ينعم أبناؤه بالعيش الرغيد.
وتنتهج حكومات الاحتلال المتعاقبة سياسة تجهيل وإفقار الشعب العراقي الذي بات نصفه أميين وثلثه تحت خط الفقر، وسط زيادة نسب البطالة وانعدام الأمن الغذائي.
وجاء العراق بالمرتبة 115 بدخل مقداره 12927 دولار سنويًا للفرد الواحد، وإذا ما قورن هذا الدخل مع ثروة العراق الإجمالية فأنه يعد من الدول الفقيرة وفق إحصائيات صندوق النقد الدولي لشهر نيسان 2023.
ويضطر الكثير من الأطفال في العراق إلى ترك مقاعدهم الدراسية من أجل مساعدة ذويهم في كسب قوت العيش وسط حالة التدهور الاقتصادي التي تعصف بالبلاد.
وقدرت إحصاءات حجم عمالة الأطفال في العراق بنحو مليون طفل، حيث يكمن خطر عمالة الأطفال في علاقتها المباشرة مع جرائم الاتجار بالبشر، وقد تم بتسجيل فقدان 450 طفلًا خلال العام 2022 في عمليات الاتجار بالبشر.
كما وكشفت الإحصائيات الرسمية عن وجود خمسة ملايين يتيم مع وجود أربعة ملايين ونصف مليون طفل ترزح عائلاتهم تحت خط الفقر.
وأكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف أن نحو 90 بالمائة من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر.
وأضافت المنظمة بأن نحو ثلاثة ملايين وستمائة ألف طفل في العراق معرضون بشكل جدي لمخاطر الموت والإصابة والعنف الجنسي والاختطاف والتجنيد في الميليشيات المسلحة الأمر الذي يتسبب بارتفاع حالات العنف وعدم الاستقرار.
ويسجل خلال السنوات ما بعد 2003 العديد من حالات التعنيف الأسري التي شملت الأبناء والزوجات ووصل بعضها إلى الموت، في حين لا يزال قانون العنف الأسري حبيس أدراج البرلمان وسط معارضة بعض الأحزاب السياسية لإقراره.
وتوثق منظمات حقوقية ارتفاع حالات العنف المنزلي بالعراق، حيث تشهد البلاد بين فترة وأخرى حالات قتل وتعنيف تستدعي تدخل الشرطة والخضوع للعلاج، وعادة ما تكون بحق النساء والأطفال داخل الأسرة الواحدة.
ورصدت منظمة “ساندها” لحقوق المرأة في العراق حالة أحد الأطفال الذي دخل مستشفى ابن البلدي للأطفال والنسائية في مدينة الصدر شرقي بغداد فاقدًا للوعي، جراء تعرضه للضرب الوحشي والكي من قبل والده.
ونشرت المنظمة مقطعًا مصورًا يظهر حالة الطفل كرار فور وصوله إلى المستشفى برفقة شخص قال إنه والده، لكنه هرب عندما تجمع الناس حول الطفل.

هناء رياض: المجتمع يعاني من ضغوطات وأزمات نفسية تركت ظلالها السوداء على الأسرة في العراق

وطالبت الناشطة الحقوقية دينا الطائي بتحقيق العدالة في قضايا تعذيب الأطفال، مشيرة إلى أنها ليست الحالة الأولى ولن تكون الأخيرة، وسيستمر تكرار هكذا حالات بسبب التهاون في تشريع قانون رادع يحد من العنف الأسري ويحمي الطفل خصوصًا من أي مظهر من مظاهر العنف داخل الأسر العراقية.
وترى الناشطة هناء رياض، أن تزايد ظاهرة العنف الأسري يدل على أن المجتمع يعاني أزمات نفسية كبيرة، وأن الضغوط التي فرضتها أوضاع البلد في السنوات الماضية من فقدان للأمن وما رافقه من موجات هجرة ونزوح إلى جانب البطالة المرتفعة والضغوط الاقتصادية وغيرها، كلها أسباب تركت ظلالها السوداء على الأسرة في العراق.
وتساهم تفشي البطالة وانتشار الآفات الاجتماعية السلبية، كالتسول وانتشار المخدرات في زيادة حالات التفكك الأسري بالبلاد.
وأكدت مفوضية حقوق الإنسان أن الأسرة العراقية باتت هي الخاسر الأكبر من انتشار المخدرات بين المجتمع، إضافة إلى تزايد معدلات العنف الأسري والطلاق والانتحار والجريمة داخل الأسرة.
وقالت عضو المفوضية فاتن الحلفي إن هناك ضعف كبير في الإجراءات الأمنية الوقائية تجاه آفة انتشار تعاطي المخدرات بين الفئات الصغيرة والمتوسطة عمريًا ولكلا الجنسين، مشددة على ضرورة تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود مع دول الجوار.
وقالت رئيسة منظمة النقاهة ومكافحة المخدرات إيناس كريم، إن تأثير المخدرات على المجتمع يبدأ تصاعديًا، بداية بالضغوط النفسية التي يتعرض لها العاطل عن العمل وشعوره بالنقص لعدم قدرته على تسخير قدراته وانخراطه في عملية بناء مجتمع قوي متماسك ومزدهر، مرورًا بالمشاكل النفسية التي تؤدي مجتمعة إلى الجنوح نحو تعاطي المخدرات وإدخال المجتمع في حالة لانتشار الآفات السلبية التي ستؤدي لانهياره.
ويسوء وضع الأسرة والمرأة في العراق في بلد يتصدر المركز الثاني في قائمة أسوأ البلدان العربية التي يمكن أن تعيش فيها المرأة.
ولا تحصل إلا نسبة قليله من النساء اللاتي ليس لهن معيل سوى على معونات مالية بسيطة من الحكومة، فيما يعيش أغلبهن في ظل دوامة من الفقر وغلاء الأسعار والسكن.
وقالت الناشطة في منظمة حرية المرأة في العراق دلال الربيعي، إن التفكك الأسري ازداد واتسع بعد عام 2003، لفقدان الأمان والمعيل وحالات الفوضى التي حصلت في المجتمع العراقي ولا يخلو يوم من دون وقوع مشاكل أسرية مؤسفة.
ويلخص مراقبون وناشطون حقوقيون العوامل الأكثر تأثيرًا على مستقبل الأسرة في العراق هي سوء السياسات الاقتصادية التي لم تول الاهتمام بالتنمية والانتعاش الاقتصادي لأفراد المجتمع، وعدم تحقيق العدالة في توزيع موارد الثروة وفرص العمل بين أفراد المجتمع، فضلًا عن غياب التربية الاجتماعية عبر مؤسسات المجتمع ابتداءً من العائلة ومرورًا بمؤسسات التعليم والإعلام والمؤسسات الحكومية، الأمر الذي أدى إلى انتشار الجريمة وتعاطي المخدرات وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع.
وتساءلوا عن دور حكومة الإطار التنسيقي في حماية النسيج المجتمعي وحماية الأطفال من التشرد والاغتصاب.
وطالبوا بحل جذري للنهوض الحقيقي بالواقع الذي تعاني منه الأسرة والخلاص من هذه المشاكل الكبيرة التي تولد جيلاً لديه إعاقة فكرية ومفككًا وقابلًا للوقوع في الفتن والفساد.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى