أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

ردم البحيرات يبيد الثروة السمكية في العراق

حكومة السوداني تختار أسهل وأسوأ الحلول لمعالجة شحة المياه بردم بحيرات زراعة الأسماك فتزيد من أسعارها وتعرض قطاعًا كاملًا للبطالة.

بغداد ــ الرافدين
أثارت الإجراءات الحكومية الأخيرة بشأن ردم بحيرات الأسماك بذريعة نقص المياه مخاوف أصحاب مزارع تربية الأسماك في ظل ضخ المزيد من التعقيدات على عملية منح الإجازات وعدم تجديدها للتقليل من استهلاك المياه.
وتتخذ حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني ذريعة تجفيف بحيرات الأسماك كحل للتغطية على فشلها في حل أزمة شح المياه وعدم الوصول إلى اتفاق يعيد للعراق حصصه المائية المنهوبة والتي تستحوذ عليها دول الجوار في ظل غياب السيادة.
ويرى خبراء اقتصاديون أن ردم بحيرات زراعة الأسماك هو أسوأ وأسهل الحلول التي اتخذتها الحكومة، بدلًا من وضع حلولًا ناجعة تساعد قطاع كبير من العاملين في قطاع زراعة وتربية الأسماك.
وأجمعوا على أن القرار الحكومي بردم تلك البحيرات لن يؤثر كثيرًا في زيادة منسوب المياه، فضلًا عن كونه ينهي أعمال قطاع كبير بما فيه مطاعم تقديم الأسماك المشهورة تاريخيًا في المدن العراقية، ويعرض العاملين فيه للبطالة.
وقال مدير عام دائرة الموارد المائية في محافظة ذي قار عبد الرضا مصطاح سنيد، إن مديريته شكلت لجنة تعمل بالتعاون والتنسيق مع قيادة القوات المشتركة لمتابعة البحيرات والأحواض المائية المنتشرة وستقوم بردم البحيرات المتجاوزة ومعاقبة أصحابها.
وأعلنت وزارة الموارد المائية عن تجفيف 297 بحيرة أسماك، لمواجهة شح المياه بعد انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات.
ويعيش مربو الأسماك في العراق في حالة ترقب بعد قرار وزارة الموارد المائية بردم المزارع التي مصدرها من مياه المبازل، ما تسبب بحدوث خسائر كبيرة للمربين وتخوف الآخرين، وهو ما قد يؤدي في المستقبل إلى ارتفاع أسعار الأسماك بسبب قلة العرض.
وبلغ إنتاج العراق من الأسماك زهاء 800 ألف طن خلال العام الماضي، منها 100 ألف طن من المزارع المجازة، و700 ألف طن من المزارع غير المجازة، وفق إحصاءات رسمية.
ويعاني أصحاب مزارع تربية الأسماك جملة من المعوقات أبرزها التعقيد الحكومي أثناء منح الإجازات الخاصة بتربية الأسماك، حيث تضع وزارتي الزراعة والموارد المائية تعقيدات يشوبها الفساد والمحسوبية لمنح الإجازات، بالإضافة إلى نقص الأعلاف والعلاج، فضلًا عن عدم تعويضهم عن حجم الخسائر الكبيرة التي تلحق بإنتاجهم نتيجة انتشار الأمراض والملوثات المائية.

إياد الطالبي: إجراء ردم الأحواض قرار غير مدروس سيقضي على 70 بالمائة من إنتاج الثروة السمكية في العراق

وحذر رئيس الجمعية الوطنية لمنتجي الأسماك إياد الطالبي من القيود والتعقيدات التي تواجه مربي الأسماك.
وأضاف أن إجراء ردم عدد من الأحواض السمكية وإعطاء مهلة حتى شهر تموز المقبل له تأثير سلبي كبير على الإنتاج السمكي.
واعتبر أن هذه القرارات غير مدروسة إذ إن أحواض السمك تغطي 70 بالمائة من إنتاج الثروة السمكية بالعراق.
ولفت الطالبي إلى أن مزارع الأسماك تعيد تدوير استخدام المياه من خلال استعمال المبازل في تربية سمك “الكارب والسلفر” بالأقفاص، مؤكدًا أنها لا تؤثر في مياه الشرب والزراعة.
وأشار إلى وجود عشرات آلاف الأشخاص يعتمدون على تربية الأسماك، بالإضافة إلى ارتباط مهن أخرى بازدهارها ورواجها، مما يلقي بظلاله على الاقتصاد بحيث سيجد كثيرون أنفسهم عاطلين عن العمل.
وناشد صاحب بحيرات أسماك في محافظة كربلاء من خلال مقاطع انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي الجهات المعنية بالتريث في قرار إزالة البحيرات لتفادي تأثيراتها الاقتصادية على الأسواق.
وشكى أصحاب أحواض تربية الأسماك في محافظة ديالى من ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم حماية المنتج المحلي من قبل الجهات الحكومية.
وتحدث أحد مربي الأسماك بالمحافظة أنه على الرغم من اكتفاء العراق بالثروة السمكية إلا أن الحكومة تتعمد فتح باب الاستيراد للأسماك من إيران ومفاقمة معاناة بيع الأسماك في الأسواق المحلية.
يذكر أن مديرية الزراعة في ديالى قد أوقفت منح الإجازات لإنشاء بحيرات الأسماك بالإضافة إلى عدم تجديد الإجازات للعاملين بحجة قلة المياه.
وانتقد عدد من أصحاب البحيرات في قضاء المدائن الإجراءات الحكومية ووصفوها بالجائرة.
وقالوا إن المهلة الممنوحة غير كافية، باعتبار أن موسم التكاثر والصيد يبدأ من شهر نيسان وحتى كانون الأول.
وعبر العديد من مربي الأسماك عن استغرابهم من إقدام الحكومة على هذه الخطوة التي شملت كذلك البحيرات المجازة.
وتشهد محافظة بابل شروع قوات حكومية كبيرة وبأجواء مشحونة بحملة لإزالة بحيرات الأسماك، فيما تقول الموارد المائية أن الحملة مستمرة يتبعها جهد خدمي وآلي لردمها لمنع إعادتها في قادم الأيام.
وانتشرت مقاطع مصورة على منصات التواصل الاجتماعي تظهر احتجاج العشرات من أصحاب تلك البحيرات في محافظة بابل الذين يحملون حكومة الإطار التنسيقي مسؤولية ما وصفوه بالتخبط وعدم المبالاة بمصيرهم.
وعرض برنامج “صوتكم” الذي تبثه قناة “الرافدين” صورًا لحالة الانهيار التي أصابت أصحاب تلك البحيرات بسبب تلك الإجراءات، فيما اتهم عدد منهم الحكومة بعدم توجيه إنذار لهم وأنها شملت البحيرات المرخصة دون النظر لحجم الخسائر المترتبة عليهم.
وطالب المتخصص في الشأن الاقتصادي صفوان قصي، بضرورة تنظيم عملية تربية الأسماك بشكل لا يؤثر على المياه وفي الوقت نفسه يسهم في زيادة الثروة السمكية لما لها من تأثير في دعم الاقتصاد العراقي.
وأضاف صفوان أن الثروة السمكية مجال مهم لنمو القطاع الخاص، لكنه يحتاج إلى التنظيم من خلال إنشاء بحيرات نموذجية من أجل حماية الثروة المائية أيضًا.
ويشير مراقبون إلى أن الإجراءات الحكومية تعني أن السوق المحلية ستفقد 50 ألف طن شهريًا من الأسماك، لاعتماده على البحيرات الطينية، والأقفاص العائمة، وسط تحذيرات من قفزة كبيرة لأسعار الأسماك، بدأت ملامحها من الآن.
ويشهد العراق شح في المياه منذ أعوام والذي لم يلق بظلاله على الزراعة فحسب، وإنما أيضًا على تربية الأسماك التي وصلت إلى مراحل متقدمة في البلاد وباتت تلبي الاكتفاء الذاتي، وتتأثر الثروة السمكية في الأنهار والبحيرات نتيجة نقص وتلوث المياه والصيد الجائر.

الجفاف يتسبب بتراجع الثروة السمكية بالعراق

وتتأثر مساحات كبيرة من منطقة الأهوار بالجفاف مع تناقص بحيرات الأسماك من 5600 كلم مربع إلى 500 كلم مربع فقط، فضلًا عن تراجع الثروة الحيوانية بأكثر من النصف بحسب وزارة الزرعة الحالية.
وشكى صيادو الأسماك في بحيرة الحبانية بمحافظة الأنبار من فقدانهم لمصدر رزقهم الوحيد والذي قد يضطرهم للهجرة.
وسلط برنامج “مع الناس” الذي تبثه قناة “الرافدين” الضوء على هموم ومعاناة الصيادين في ظل أزمة الجفاف وغياب الدعم الحكومي لهم.
وحمل مربو الأسماك من خلال البرنامج الجهات الحكومية مسؤولية تضرر مشاريعهم بسبب التخبط في القرارات وعدم الاكتراث لمشاكلهم مما ينعكس على ارتفاع الأسعار.
وتبرز المخاوف من تراجع إنتاج العراق للأسماك في ظل استمرار انخفاض مناسيب المياه، مما يجعل وجبة سمك “الكارب” الرخيص صعبة المنال لذوي الدخل المحدود.
وأكد مراقبون أن أسعار الأسماك عاودت الارتفاع من جديد بعدما انخفضت بشكل كبير خلال الأعوام الماضية، بسبب أن إنتاج بقية الأسماك يتركز في البحيرات والأنهر والتي يعتمد عليها الصيادون، وهي قليلة ولا تسد سوى جزء من حاجة السوق المحلية.
وطالبوا بأهمية البحث عن مصدر آخر للثروة السمكية غير الأسماك النهرية مثل إنشاء شركة للصيد البحري تستطيع إدارة العمل بشكل نظامي مع وجود مخازن مبردة ليتم تسويقها للسوق المحلية، فضلًا عن تطوير القطاع بالاعتماد على مياه الآبار أو مجاري المبازل الفرعية مع الحد من التلوث من خلال استخدام التقنيات الحديثة في تنظيف البحيرات السمكية بالتالي يتم تصدير المنتجات إلى دول المنطقة.
يشار إلى أن العراق يمتلك ميزة نسبية في الثروة السمكية بالمنطقة، إذ يتفرد بامتلاكه سمكًا نهريًا ذا جودة عالية، وإذا استثمر بصورة جيدة سيكون مصدرا ماليا يدعم الاقتصاد العراقي الريعي الذي يعتمد على تصدير النفط.
وطالب اقتصاديون بدعم مشاريع بحيرات الأسماك والتي هي من أفضل الحلول للتخلص من البطالة في العراق وفقًا لتقرير وزارة التخطيط الذي يبين العدد الكلي لمزارع الأسماك المنتجة بلغ 3794 مزرعة، ويعمل فيها 14441 عاملًا.
وأشار الاقتصاديون إلى أن هذه الأقفاص العائمة والمزارع الخاصة في تربية الأسماك أسهمت بتوفير إنتاج كبير يسد حاجة السوق المحلية، فضلًا عن زيادة الثروة السمكية، مطالبين الجهات الحكومية بالتراجع عن قرار الإزالة وتذليل الصعوبات التي تواجه أصحاب هذه المهنة بدلًا من تعقيدها.

العراقيون يشكون غلاء الأسماك في بلد النهرين
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى