أخبار الرافدين
طلعت رميح

هل ترتكب إيران حماقة الحرب مع طالبان؟

تظهر وقائع الفترة الأخيرة، تصاعد لغة التهديد والوعيد بين إيران وأفغانستان وارتفع سقف التهديدات من تبادل الاتهامات في الإعلام إلى تصريحات المسؤولين.
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هدد بأن على طالبان أن تأخذ كلماته على محمل الجد. والقائد الطالباني عبد الحميد خراساني رد قائلًا بأن جنود الإمارة سيقاتلون إيران بشوق أكبر من قتالهم القوات الأمريكية.
هذا التصعيد جاء متزامنًا مع وقوع اشتباكات عسكرية وتحشيد عسكري على الحدود بين البلدين وترافق معه إثارة القضية الشائكة المتعلقة بحصص البلدين من تصريفات مياه نهر هلمند الذي ينبع من أفغانستان ويسير داخل حدود إيران.
وهي قضية “تأريخية” متصاعدة بدأت منذ عام 1882 ولا تزال دون حل رغم الوساطات وأعمال التحكيم. وتتعقد أكثر الآن، بفعل قيام كلا الطرفين ببناء سدود دون اتفاق مع الطرف الآخر.
لفهم ما يجري يجب التفرقة بين ما تشهده الحدود الأفغانية الإيرانية من اشتباكات دورية بشأن قضايا تهريب المخدرات “أفغانستان أكبر دولة في إنتاج الأفيون” وقضايا تهريب السلاح وحركة اللاجئين غير الدولتين، من جهة، وجوهر ما يجري الآن أو بالدقة جوهر ما تخطط له إيران منذ وصول طالبان للسلطة بعد الانسحاب المذل للقوات الأمريكية والأطلسية.
منذ وصول طالبان للسلطة وإيران تضع الأسس لصراع إستراتيجي شامل مع طالبان. والآن يمكن القول إن البلدين باتا على مرمى حجر من أزمة كبرى.
لقد طرحت إيران قضية المياه وصارت تطلب الحصول على ما تريده من حصص، سواء زرعت أو شربت أفغانستان أم لم تشرب. كما طرحت قضية تشكيل الحكومة الأفغانية من كل الأطياف بما في ذلك الذين قاتلوا في صف الاحتلال. ولم تعترف رسميًا بحكومة طالبان. كما تشير معظم المؤشرات إلى دور إيراني وراء محاولات منع تحقيق الاستقرار داخل أفغانستان.
في النهاية تريد إيران الحصول على أقصى المكاسب وتحقيق أهدافها داخل أفغانستان في ظل الظرف الذي تعيشه البلاد ما بعد جلاء الاحتلال الأمريكي.
أفغانستان تعاني مشكلات خطيرة في قضية إعادة بناء البلاد بسبب تجميد الولايات المتحدة أموالها وحرمان حركة طالبان من التصرف فيها. كما تعاني من حصار دبلوماسي خانق بحكم عدم اعتراف الدول الكبرى بحكم حركة طالبان. وتواجه حالة اضطراب داخلية بسبب الأعمال الإرهابية التي تتكاثر وتؤدي لقتل قيادات الحكم وتثير المشكلات بين المكونات المجتمعية الأفغانية.
أما إيران فتريد الاستثمار في تلك الأوضاع لتحقيق مصالحها الإستراتيجية والحصول على مراكز تأثير داخل النظام الأفغاني عبر جماعات الهزارة والجماعات التي قاتلت ضمن الخطط الإستراتيجية الإيرانية خلال مرحلة الاحتلال.
وقد أعلنت إيران بوضوح عن ضرورة منح التابعين لها مواقع في مراكز الحكم الراهن في أفغانستان كما تريد سلب أفغانستان تنميتها الزراعية عبر حصص مياه نهر هلمند.
تخشى إيران من استقرار أفغانستان تحت حكم حركة طالبان، لما لهذا من آثار على الداخل الإيراني وعلى الخطط الإيرانية في الإقليم.
وبالنظر للخبرة المريرة لدول الإقليم مع عقلية المسؤولين الإيرانيين وأهداف وسلوكيات النظام الإيراني، وبحكم الإرث المتطاول من الصراع بين إيران وطالبان ولانفضاح علاقة إيران ومساندتها لقوات الاحتلال الأمريكية والأطلسية. ولفهم وكشف أفغانستان لحركة إيران داخل مجتمعها، فكابول تدرك جيدًا طبيعة خطط وأهداف النظام الإيراني في هذه المرحلة ولهذا ردت بشكل حاسم على التهديدات الإيرانية.
لقد وصلت العلاقات بين طالبان وإيران في تسعينات القرن الماضي وخلال الحكم الأول لطالبان حد حشد القوات على الحدود والاستعداد لنزاع مسلح. كما دخلت إيران لعبة تشكيل تحالف الشمال الذي قاتل حركة طالبان قبل وفي بداية الاحتلال. وخلال العمليات العسكرية الأمريكية لاحتلال أفغانستان، كانت إيران داعمًا ومساندًا لعمليات الغزو عبر تقديم خرائط القصف ومتابعة نتائجها على الأرض، وحين بدأت الولايات المتحدة أعمال التفاوض للانسحاب من أفغانستان رفضت إيران مبدأ التفاوض ورفضت من بعد نتيجة التفاوض.
وبعد انسحاب قوات الاحتلال عادت إيران لبناء تحالف عسكري جديد –وإن كان غير معلن-لقتال حركة طالبان ومنعها من تحقيق الاستقرار الداخلي
وبسبب ذلك، ردت طالبان على تهديدات إيران بتصعيد أعلى من التهديدات.
فهل ترتكب إيران حماقة القتال ضد حركة طالبان التي هزمت القوات الأمريكية والأطلسية؟ هل تجلب لنفسها عداء خصم شرس أذاق الدولة الأولى في العالم مرارة الهزيمة؟
أم إن ما تقوم به إيران هو حالة تفاوض تحت التهديد وحسب؟
الأيام القادمة ستكشف لنا بعض الاجابات على هذه الأسئلة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى