أخبار الرافدين
طلعت رميح

ما بعد الهجوم الأوكراني المضاد

أخيرا بدأ الهجوم الأوكراني المضاد الذي طال انتظاره.
لقد تحول الجيش الأوكراني إلى الهجوم بعد فترة طويلة من تبنى خططا دفاعية، نجح خلالها الجيش الروسي في احتلال مناطق جديدة في شرق أوكرانيا.
وإذ لم تنشر توقعات من الأوكران أو الأوروبيين أو الأمريكان باحتمال تمكن الجيش الأوكراني من تحرير ما احتله الروس، كما لم يرد أي حديث عن اعتبار الهجوم حركه إستراتيجية تستهدف تغيير التوازنات على الأرض ودفع روسيا للتفاوض، فإن الحرب تأخذ منحا خطيرا، كما سيتوقف على نجاح الهجوم أو فشله اعتماد الدول الكبرى لقرارات مختلفة بشأن قضايا معلقة في انتظار نتائج الهجوم.
لن تتوقف تأثيرات نتائج الهجوم على الصعيدين الروسي والأوكراني، إذ ستكون هناك نتائج هامة على صعيد أوروبا والناتو والولايات المتحدة وعلى صعيد الصين بل حتى اليابان أيضا.
لقد دخلت الحرب بهذا الهجوم مرحلة الاختبارات الكبرى والخيارات الأوسع في الصراعات الدولية.
الكل يترقب ويتابع ويبحث في معايير نجاح أو فشل الهجوم ويستعد لإعادة ترتيب أولويات قراراته واتجاهات حركته.
وقد بدأ الجيش الأوكراني هجومه المضاد بتحركات من لواء واحد من ألوية عديدة جرى تدريبها على أراضي دول الناتو، وتسليحها بأسلحته. واستهدف هذا الهجوم الافتتاحي –كما كل حالات مثل هذا الهجوم- استكشاف نقاط ضعف الدفاعات الروسية وتشتيت القوات الروسية تمهيدا لتحديد وإطلاق محور الهجوم الرئيسي.
وتشير التوقعات إلى أن الهجوم سيتواصل لفترة طويلة، قد تمتد لعدة أشهر لتوفير ضرورة وصول طائرات إف 16 للمشاركة في الحرب ضد القوات الروسية.
وقد ظهر الجيش الأوكراني خلال الهجوم كجيش مختلف عن ذاك الجيش الذي شنت روسيا الحرب عليه قبل أكثر من عام. صار فعليا وعمليا جيشا من جيوش الناتو، بعد أن جرى تزويده بدبابات ليوبارد 2 الألمانية وتشانجو 2 البريطانية وببطاريات باتريوت وأنظمة هيمارس الأمريكية وغيرها.
ويظهر رد الفعل الروسي، أن موسكو تنظر للهجوم المضاد باعتباره انعطافة خطيرة في الحرب. وإذ ركزت الدعاية الروسية على تدمير الدبابات الألمانية ليوبارد2 التي باتت عنوانا أساسيا، فقد صدرت تصريحات روسية تنبئ بتوسيع رقعة الحرب.
لقد تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استخدام قذائف اليورانيوم المنضب، عندما جرى استخدام القوات الأوكرانية لها، كما تحدث عن احتمالات الذهاب لبناء منطقة عازلة أو منزوعة السلاح على حدود مناطق شرق أوكرانيا التي سيطر عليها الجيش الروسي، بما يشير لاحتمالات توسيع مساحة الاحتلال الروسي. وتحدث نائب رئيس مجلس الأمن القومي دميتري ميدفيديف عن قصف مصانع دبابات ليوبارد 2 في ألمانيا، وعن أن المنطقة العازلة المستقبلية المحتملة في أوكرانيا، يجب أن تمر على طول حدود مدينة لفيف المحاذية لبولندا لتوفير حماية حقيقية لروسيا، وهو ما يعنى الاستعداد للاحتكاك مع قوت الناتو.
وبلغ اتجاه احتمالات التصعيد أوجه بتهديد ميدفيدف بتدمير كابلات الاتصالات البحرية لأعداء روسيا، مشيرا إلى برائه أخلاقية لروسيا بسبب ما اعتبره تواطؤا غربيا في تفجيرات خط أنابيب نورد ستريم2.
ويمكن القول بأن أخطر ما تحقق فور بدء الهجوم، بدت ألمانيا وكأنها من يخوض الحرب في مواجهة روسيا، حيث بدأت الحرب تأخذ ملامح الحرب الروسية الأوروبية، بما يشير لنجاح خطة الولايات المتحدة وبريطانيا وبداية تحقيق هدف التفرغ لمواجهة الصين.
الهجوم الأوكراني يشير إلى تحسن قدرات الجيش الأوكراني وإلى فشل روسيا في تدمير قدراته. لقد جرى حديث روسي متطاول حول هدف تدمير قدرات الجيش الأوكراني منذ بدء اجتياح أوكرانيا. وها هو الجيش الأوكراني يعيد تشكيل نفسه إلى درجة القدرة على شن هجوم مضاد بعد أكثر من عام على بدء القتال.
كما يشير الهجوم الأوكراني المضاد إلى فشل روسيا في منع وصول الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، فهذه الأسلحة ما يستخدمه الجيش الأوكراني الآن في هذا الهجوم.
لكن ماذا لو نجح أو فشل الهجوم الأوكراني.
إن نجح الهجوم ستصبح روسيا في ورطه، ولا يجوز لها الادعاء من بعد بأنها الدولة الثانية في القدرة العسكرية دوليا، وقد تحدث توترات داخلية في روسيا. وسيذهب الناتو في طريق ضم أوكرانيا للحلف، وإن بشكل تدرجي، وسيكون لأوروبا أن تطمئن وأن تهدأ مخاوفها من قدرات الجيش الروسي، وسيتحرك حلف الناتو بخطوات صريحة نحو الصين وفي الغالب سيكون الهدف المقبل هو تسريع خطوات ربط اليابان بالناتو.
ولا شك في أن الصين ستفكر مليا وتتريث في قرار اجتياح تايوان.
لكن إن فشل الهجوم وبدأت روسيا مطارده أوسع للجيش الأوكراني ووصلت حد تشكيل منطقة منزوعة السلاح قرب حدود الناتو، فكل تلك التوجهات ستتغير.
سيتريث الناتو في حركته باتجاه آسيا، وستزداد مخاوف أوروبا من روسيا وستشرع باتخاذ قرارات أشد وضوحا بالسلام أو الحرب، وستبطئ الولايات المتحدة تحركها باتجاه الصين، فيما ستتشجع الصين وتسرع خطواتها باتجاه غزو تايوان…
الهجوم الأوكراني محطة فاصلة في الصراع الدولي. ومجددا ستظهر الحرب في أوكرانيا بعدها الدولي على نحو قاطع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى