أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

أهوار العراق عطشى وسط لا مبالاة حكومية

منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو): منسوب المياه في نهر الفرات 56 سم فقط وفي أهوار الجبايش تراوح ما بين صفر إلى 30 سم.

بغداد – الرافدين
حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) من عواقب خطيرة بسبب تراجع منسوب مياه الأهوار جنوبي العراق.
وقالت المنظمة إن منطقة الأهوار تشهد أشد موجة حرارة منذ 40 عامًا مصحوبة بنقص مفاجئ للمياه في نهر الفرات.
وبلغ منسوب المياه في نهر الفرات 56 سم فقط وفي أهوار الجبايش تراوح ما بين  صفر إلى 30 سم.
وبينت المنظمة أن مستويات الملوحة العالية والتي تجاوزت 6000 جزء في المليون أدت إلى إثارة مخاوف المزارعين، وخاصة مربو الجواميس وصيادو الأسماك، مشيرة إلى أن ما يقارب 70 بالمائة من الأهوار باتت خالية من المياه.
وتصنف الأمم المتحدة العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي، وهو يشهد للعام الرابع على التوالي موجة جفاف حادة، في حين يندد العراق بالسدود التي تبنيها دول الجوار إضافة لقطع وتحويل مسارات الروافد المعذية لأنهر العراق من قبل إيران والتي تسبب بنقص ملحوظ بمنسوب الأنهار الوافدة إلى أراضيه.

د. الشاذلي كيولي: الجواميس تعاني من سوء التغذية ويموت بعضها نتيجة تلوث المياه في الأهوار المنخفضة ما يستدعي اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة

وفاقمت أزمة الجفاف المخاوف لدى سكان الأهوار في المحافظات الجنوبية، وتحديدًا في الجبايش بمحافظة ذي قار، وذلك بفعل انخفاض مناسيب المياه بشكل وصف بالمخيف مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، وازدياد اللسان الملحي.
وتسببت الأزمة بنزوح سكان الأهوار نتيجة هلاك الأسماك والجاموس، بسبب قلة تدفق المياه من دول الجوار، والتي بلغت 35 بالمائة فقط نسبة الإيرادات التي يتسلمها من دول المنبع بحسب المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال الذي قال إن العراق بات يستنزف أهم خزين للماء لديه ألا وهو سد الموصل.
وكشفت وزارة الموارد المائية عن عدم وجود اتفاقيات ملزمة بين العراق والدول الأخرى لتقاسم المياه، سوى الاتفاق مع تركيا على تزويد العراق بـ 500 متر مكعب في الثانية من المياه المتدفقة في نهري دجلة والفرات.
وقال مستشار الوزارة أحمد محمد عجيل، إن الحكومات السابقة أهملت ملف المياه مع دول الجوار وإن كل التفاهمات السابقة كانت غير ملزمة لأنها جرت دون توقيع، موضحًا أن العراق لا يمتلك سوى المياه الجوفية التي لا يمكن الاستفادة منها بشكل كبير بسبب المخاطر الصحية، وزيادة نسب الملوحة فيها.
وحذرت مصادر اقتصادية وبيئة من إزالة أهوار العراق، من لائحة التراث العالمي (لليونسكو)، نتيجة الفشل الحكومي في وضع حلول معقولة للمحافظة على الأهوار.
وكانت الاهوار على مدى قرون عبارة عن منطقة غنية بتنوعها البيولوجي البيئي وتوفر مصدرًا فريدًا للعيش بالنسبة لسكانها وملاذًا لأصناف لا تحصى من الطيور والاسماك والحيوانات إلا أن التناقص في كمية المياه القادمة من نهري دجلة والفرات يعد العامل الرئيسي المساهم لجفافها، وهو ما تسبب بزيادة معدلات الملوحة بالمياه المتبقية في الأهوار، والتي ستكون غير صالحة بالنسبة للمواشي وبقية المستهلكين من الحياة البرية.
وسبق أن ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية إن أزمة المناخ تستنزف كل شيء في العالم، أن الصدمات المناخية سوف تغذي حروب المستقبل مع شح المياه والموارد.
ووفقًا لمجلس اللاجئين النرويجي، فإن الكوارث تؤدي بالفعل إلى نزوح من ثلاثة إلى عشرة أضعاف عدد الأشخاص الذين تشردهم النزاعات أو الحروب في جميع أنحاء العالم.
وتقدر دراسة أخرى أجراها معهد الأمم المتحدة للبيئة والأمن البشري أنه يمكن أن يكون هناك ما يصل إلى مليار مهاجر بسبب المناخ بحلول عام 2050، وأن 80 بالمائة من النازحين على مستوى العالم بسبب الطوارئ المناخية هم من النساء.
ويحذر الخبراء البيئيون من الخطر الذي يعصف بالأهوار حاليًا، فهو لا يقتصر فقط على تدمير واحدة من أبرز المعالم الطبيعية في العراق، بل يؤدي إلى الإخلال بالتوازن البيئي لمناطق شاسعة مسببًا هجرات جماعية لسكان مناطق الأهوار نحو مدن أخرى، ما يقود لإندثار مجتمع الأهوار.
وبين الخبراء أن “الهجرات الجماعية ستتسبب بضغوطات كبيرة ديمغرافيًا واقتصاديًا وخدميًا”.
ويرى رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي أن “التغييرات البيئية أثرت على موارد المياه وأدت إلى جفاف العديد من مناطق الأهوار وهلاك آلاف الدوانم المزروعة بأنواع المحاصيل إضافة إلى هلاك الثروة الحيوانية والسمكية”.
وأضاف الغراوي أن “التغييرات المناخية وأزمة الجفاف في العراق أدت إلى تفاقم مشكلة السكن والصحة والتعليم والتنمية في هذا المناطق، بل بات حق الحياة مهدد وخصوصًا بالنسبة للأطفال”.
وحذر الغراوي من أن “تفاقم مشكلة المياه وارتفاع معدلات الجفاف والتصحر وارتفاع معدلات درجات الحرارة ومؤشرات الاحتباس الحراري في العراق قد تسبب صراعات على هذه الموارد”.
وتتمتع أهوار العراق بفرادة بيئية تطورت فيها ثقافة ونمط عيش سكانها، الذين يأملون وجود حلول حقيقية لتنمية مناطقهم وإنعاش الأوضاع المعيشية والاقتصادية فيها، ولكن الفشل الحكومي في معالجة الأزمة المائية المتفاقمة التي يعشيها العراق بشكل عام والأهوار بشكل خاص أضعف تلك الآمال مع ازدياد المخاوف بفقدان العراق للتنوع البيولوجي الذي تمتاز به تلك المناطق وهجرة أهلها.
وقال خبير الثروة الحيوانية لدى منظمة الفاو في العراق الدكتور الشاذلي كيولي إن “إمدادات المياه المتاحة في الوقت الحالي هي لأغراض الشرب فقط ما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي يواجهها مربو الجاموس والنظام البيئي للأهوار”.
وأشار إلى أن “جواميس الأهوار تعاني حاليًا من سوء التغذية ويموت بعضها نتيجة تلوث المياه في الأهوار المنخفضة ما يستدعي اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة”.

د. سعاد ناجي العزاوي: التدهور المائي خطير وينبأ بحدوث كارثة تهدد مستقبل العراق

ويؤكد ممثل الفاو في العراق الدكتور صالح الحاج حسن على أن النقص الحاد في المياه وموجات الحرارة والجفاف في الأهوار قد عّرض النظام البيئي بأكمله لخطر كبير. داعياً إلى اتخاذ إجراءات مستعجلة وصارمة على المدى القصير والمتوسط والبعيد للحد من الأضرار للحفاظ على مكانة الأهوار عالميًا”.
ويرى الخبير البيئي والاقتصادي ضرغام محمد علي أن “إنعاش الأهوار يحافظ على هذا الكيان الجغرافي الفريد عالميًّا من خطري التناقص والاندثار بسبب نقص الإمدادات المائية وتردي نوعيتها، مما يؤثر على توازنها المائي”.
وأضاف “السنوات الماضية شهدت انقراض عشرات الأنواع من الأحياء المائية النباتية والحيوانية، وبعضها على وشك الانقراض بسبب التدهور في واقع الأهوار“.
وعرض برنامج صوتكم الذي تبثه قناة “الرافدين” صورًا ملتقطة وثقها أحد الناشطين لنفوق عدد من السلاحف النادرة والأسماك في الأهوار بسبب الجفاف ونقص الأكسجين وارتفاع معدلات التراكيز الملحية، في ضوء تفاقم الأزمة التي تحاصر العراق.
وأظهرت مقاطع أخرى بثت خلال البرنامج استغاثات لعدد من الصيادين والفلاحين في قضاء المجر الكبير بمحافظة ميسان من الجفاف وشح المياه والذي أدى إلى نفوق ملايين الأسماك في مناطق العدل والوادية والخير والقرى التابعة لهم وتسبب بخسارة كبيرة بالثروة السمكية وهجرة سكانها.
وعزا المتخصص البيئي إبراهيم السوداني ظاهرة نفوق الأسماك إلى انخفاض مستويات الماء مع ارتفاع درجات الحرارة، مما يقلل نسبة الأوكسجين الذائب في الماء، وبالتالي تختنق الأسماك داخل الماء بسبب السياسات المائية الخاطئة.
وشدد على أن الأهوار هي المنطقة الهشة رقم واحد بسبب مستويات الماء، فمياهها ضحلة وتتراوح بين متر ومترين، ومع درجات الحرارة المرتفعة يزيد التبخر، مما يركز الملوثات في المياه المتبقية، ومن هنا فتركيز الملوثات وانخفاض مستوى الماء وقلة الأوكسجين وارتفاع درجات حرارة الماء أدت جميعها إلى الكارثة البيئية الحالية.
وقالت الأستاذة الجامعية سعاد ناجي العزاوي في مقال لها على موقع قناة “الرافدين” الفضائية إن الوضع المائي في العراق خطير ويتطلب أن تقوم كافة الأطراف وأولها الدولة بالبدء بمجموعة حلول وإجراءات جدية لإيقاف هذا التدهور الذي ينبأ بحدوث كارثة لمستقبل العراق.
وأشارت إلى أن الحلول الممكنة هي توقيع بروتوكولات تقاسم الحصص المائية بين الدول المتشاطئة وإنهاء مشاكل الإهدار والتسرب من الشبكات وصيانة الثروة المائية السطحية والجوفية في العراق وضمان تنفيذه بعقوبات وغرامات تتناسب مع طبيعة الخروقات والتجاوزات.

التغييرات البيئية أدت إلى جفاف العديد من مناطق الأهوار وهلاك آلاف الدوانم المزروعة إضافة إلى نفوق الأسماك والمواشي
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى