أخبار الرافدين
بهاء خليل

من أرض السواد… إلى أرض الفساد

منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 سيطرت الأحزاب السياسية على كل مفاصل الدولة في العراق واتخذت سياسة التدمير الممنهج لجميع أركان الدولة، لم يسلم منهم شيء، لا صحة، لا تعليم، لا صناعة، لا زارعة، ولا تجارة.
ولو حاولت التدقيق في الإحصائيات السنوية لمؤشرات الفساد المعتمدة في دول العالم ستجد أن العراق يتبوأ بقوة المراكز الأولى وعلي جميع الأصعدة، وهذا الأمر يوضح حجم الفساد الهائل في العراق، لا سيما وان هذه المؤشرات تدل على خطورة ما هو قادم.
عشرون عاما مضت، لم تفكر الأحزاب الحاكمة في بناء سد واحد في العراق ولم تحاول التحرك لحل مشكلة المياه مع دول الجوار خصوصا إيران التي قطعت حتى الآن مياه 42 نهرا ورافدا مشتركا مع العراق، الأمر الذي بدأ ينذر بكارثة حقيقية في ظل تجاهل متعمد لهذا الملف الذي أصبح يهدد حياة الملايين.
فجفاف الأنهار والبحيرات ومساحات واسعة من الأهوار كان آخرها جفاف هور الحويزة المدرج على قائمة التراث العالمي والذي تحول إلى صحراء قاحلة بفعل الجفاف وانخفاض مناسيب المياه القادمة من دول الجوار أدى إلى نزوح السكان من تلك المناطق والذين تعمد حياتهم في الأساس على مياه الأهوار، ناهيك عن فقدان الكثير من أصناف الطيور المهددة بالانقراض والثروة السمكية والحيوانية والتي ستتأثر بسبب جفاف الأهوار.
وبالعودة إلى موضوع الفساد والتدمير الممنهج وارتباطه الوثيق بموضوع الجفاف سنرى أن الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 اتخذت سياسة التجاهل واللامبالاة مع الأخطار المحدقة بالعراق جراء الجفاف لدرجة دفعت البنك الدولي إلى إصدار تقرير يحذر فيه من الكارثة القادمة ما لم تجد الحكومة العراقية الحلول السريعة للأزمة.
ووفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي” لعام 2019 فإن العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن تصل مياه النهرين إلى المصب النهائي في الخليج العربي، وكل هذه التحذيرات لم تجد آذانا مصغية للخطر الأمني والبيئي والاقتصادي المحدق بهذا البلد.
وبالنظر إلى السياسة المائية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة سنجد أنها تخلو من أي مشاريع تساعد على تخزين المياه أو انتظام الحصص المائية للمحافظات، وانتشار مزارع الأسماك غير المرخصة والتي تستهلك كميات كبيرة جدا من المياه فاقمت من المشكلة وسط عجز حكومي تام عن محاسبة المقصرين بسبب عائديه مزارع الأسماك لجهات حزبية متنفذة. والمشكلة الكبرى أن أحواض الأسماك هذه أصبحت تشكل أكثر من 60 بالمائة من إجمالي الثروة السمكية في العراق بعد أن عملت الأحزاب على تسميم مياه الأنهار لدفع البلد نحو الاعتماد على هذه المزارع وعدم إزالتها رغم أنها أصبحت تمثل تهديدا للبيئة.
أما الزراعة فحدث ولا حرج، فمشاكلها مرتبطة ارتباطا كليا بمشكلة المياه ومع انعدام الحلول اختفت المساحات الخضراء ما أدى إلى زيادة في نسب التصحر، ناهيك عن عمليات تجريف البساتين بسبب العمليات العسكرية ليتحول العراق من بلد السواد كما قيل عنه منذ الأزل إلى بلد قاحل جاف يعاني من العواصف الترابية نتيجة غياب الغطاء النباتي وخلال عشرين عاما. كل ذلك نتيجة الفساد المستشري في البلاد وغياب الحلول والسياسة المائية الواضحة.
إن مشكلة العراق الحقيقية تكمن في الفساد، ذلك المارد الخطير الذي نخر مؤسسات الدولة والذي أصبح يهدد وجودها ووجود من فيها، والذي تسبب في مشكلات عديدة، حيث أصبح الجفاف والتصحر واحدة منها وينذر بفناء دولة تحولت من بلد السواد إلى بلد الفساد.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى