أخبار الرافدين
طلعت رميح

ماذا تفعل فاغنر في بيلاروسيا؟

بات وجود ودور قوات شركة فاغنر الروسية في بيلاروسيا حقيقة، من حقائق إدارة الصراع بين روسيا وحلف الأطلسي، وفي ذلك، فالسؤال المطروح الآن، هو هل ذهبت فاغنر إلى بيلاروسيا لتوسيع مساحة الحرب وتمددها عبر أراضي بيلاروسيا إلى بولندا،
بما يهدد باندلاع صدام بين روسيا والناتو، أم أن وجود فاغنر في بيلاروسيا ودورها سيظل ضمن حدود وخطط روسيا في أوكرانيا. وهو ما يعنى أن ما تقوم به فاغنر باتجاه حدود بولندا، ليس إلا تحركات لتهيئة المسرح السياسي والعسكري والإعلامي، للدخول مجددا على خط الحرب في أوكرانيا من الشمال هذه المرة للوصول إلى غربها، على الحدود مع بولندا.
لقد رمى الإعلام قصة التمرد والصراع بين فاغنر ووزارة الدفاع الروسية خلف ظهره، ولم يعد مهتما حتى بفهم ما إذا كانت وساطة رئيس بيلاروسيا في أزمة تمرد فاغنر، وإعلانه عن حل مشكلة التمرد باستضافة شركة فاغنر على أراضي بلاده، مجرد لعبه خداع وإخراج لعملية نقل قوات فاغنر إلى أراضي بلاده، دون ردود فعل من حلف الأطلسي.
بات الجميع يتعامل مع وجود شركة فاغنر في بيلاروسيا كحقيقة من حقائق الصراع، وبات يبحث في طبيعة دورها، بعد أن تأكد انتشارها قرب حدود بولندا. ويجري التساؤل بشكل خاص حول ما إذا كانت تلك القوات ستتحرك باتجاه بولندا أم باتجاه أوكرانيا. وقليل من الآراء ترى أن وجودها في بيلاروسيا يستهدف منع بولندا من القيام بأية تحركات ضد الحكم في بيلاروسيا، عبر لعبة تسليح معارضين للرئيس البيلاروسي ووضعهم على الحدود.
لقد بدأت الحكومة والرئاسة والجيش البولندي في التعامل بجدية مع وجود فاغنر قرب الحدود كخطر محتمل.
جرى إرسال تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع بيلاروسيا، وتكرر إطلاق التحذيرات من أن تقوم قوات فاغنر بأعمال استفزازية على الحدود، كما بدا واضحا أن السلطات البولندية بدأت التحرك لإشعار حلف الأطلسي بالخطر، وبالأحرى لاختبار مواقف الدول المنتمية له، بشأن احتمال تطور استفزازات فاغنر إلى اشتباكات على الحدود مع بولندا.
لكن فاغنر لم تذهب إلى أراضي بيلاروسيا بهدف توسيع الحرب وتمددها من أوكرانيا وتحولها إلى اشتباك بين بيلاروسيا وأوكرانيا، أي بين روسيا وحلف الأطلسي، فذلك لا يمكن تصور وقوعه بمثل تلك البساطة.
بل يمكن القول بأن فاغنر ذهبت إلى بيلاروسيا لفعل العكس تجاه بولندا!
فاغنر ذهبت إلى هناك لوضع بولندا تحت الضغط والتهديد المباشر للتأثير على موقفها من الحرب في أوكرانيا، وبالدقة لإضعاف قدرتها على مواصلة إمداد القوات الأوكرانية بالأسلحة والذخائر، وعلى أن تظل أرضها مساحة حركة مفتوحة لإمدادات الأسلحة من الناتو لأوكرانيا.
وفاغنر تستهدف إشغال بولندا بالخطر عبر الاستثمار في السمعة التي اكتسبتها، سواء كقوة قتالية، أو باعتبارها قوة منفلتة، إذ وصلت حد “التمرد” على الدولة التي شكلتها وسلحتها ومولتها. وفي ذلك تخشى بولندا من قيام فاغنر بارتكاب اعتداءات على حدودها لا تتحمل روسيا نتائجها، ولا يراها حلف الناتو عملا يستحق حشد قواته لمواجهتها حتى لا تندلع حرب لا تبدو روسيا فيها المتعدي على بولندا.
وفاغنر نصبت خيام قواتها قرب حدود بولندا، لتثبيت قواتها على حدودها مع بيلاروسيا، إذا قررت روسيا بدء التحرك تجاه الأراضي الشمالية من أوكرانيا وصولا إلى المناطق الغربية التي تتواجد بها مدينة لفيف على الحدود الأوكرانية البولندية.
لقد سبق أن هدد نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف، بل حتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باحتلال شمال وغرب أوكرانيا لمنع وصول السلاح والذخائر من حلف الأطلسي لأوكرانيا. وورد في تلك التهديدات اسم مدينة لفيف الأوكرانية على الحدود مع بولندا باعتبارها أهم معبر لوصول السلاح والذخائر من حلف الأطلسي إلى أوكرانيا.
والآن يبدو أن روسيا بدأت تحضيراتها لتنفيذ هذا التهديد.
وكل المؤشرات تذهب باتجاه أن حركة الحرب الروسية على أوكرانيا تتوسع بشكل خطير من كلا الطرفين. قيام أوكرانيا بتوسيع الحرب عبر القصف بالمسيرات والصواريخ باتجاه القرم والموانئ الروسية وصولا إلى العاصمة موسكو. بالمقابل قيام روسيا بقصف ميناء أوديسا وبقية موانئ الجنوب، بل حتى الموانئ النهرية كما هو الحال في قصف ميناء إسماعيل قرب الحدود الرومانية لتحويل أوكرانيا إلى دولة حبيسة.
ولكي تكمل روسيا حصارها لأوكرانيا، ولمواجهة التصعيد الخطير في إمدادات الناتو، بعد أن وصل إلى درجة الإعلان عن إرسال طائرات (إف 16) القادرة على حمل صواريخ نووية لأوكرانيا، فلا بديل أمامها سوى التحرك في الشمال والغرب تحديدا.
ولأداء هذه المهمة فليس هناك أفضل للقيام بها من قوات شركة فاغنر، كما ليس هناك إلا أراضي بيلاروسيا للانطلاق منها لوجودها في شمال أوكرانيا الأقرب إلى غربها حيث مدينة لفيف.
ولذلك ذهبت فاغنر إلى أوكرانيا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى