أخبار الرافدين
طلعت رميح

هل يشهد لبنان حربا أهلية؟

أعادت حادثة انقلاب سيارة سلاح ميليشيا نصر الله في بلدة الكحالة، وما حدث من تبادل لإطلاق الرصاص على خلفيات طائفية، أحاديث وهواجس تفجر الحرب الأهلية في لبنان.
لقد شهد الحادث اقتتالا بين عناصر الميليشيا برمزيتها الشيعية، وأهالي البلدة برمزيتها المسيحية، سقط خلاله قتيلان، بما استدعى تدخل الجيش اللبناني.
وجاء حادث إصابة سيارة قائد الجيش اللبناني بطلق ناري في اليوم التالي –قيل إنه طائش- ليربك الأوضاع أكثر، ليس فقط لاستهداف سيارة قائد الجيش، بل أيضا، لأن الرجل أحد المرشحين لشغل كرسي الرئاسة الشاغر، بسبب الانقسام والصراع الطائفي.
وقد كانت الأوضاع قبلها، في غاية الارتباك والتوتر، بسبب وقوع الاقتتال -أو ما وصف بمحاولة التفجير- في مخيم عين الحلوة، ولوقوع عملية اغتيال لأحد رموز حزب القوات اللبنانية، حسب وصف رئيسها سمير جعجع، إذ صرح بأن وفاة إلياس الحصروني، لم تكن نتيجة حادث سير كما ادعت الأجهزة الأمنية وأن الأمر كان جريمة اغتيال مدبرة.
وواقع الحال، أن لبنان مسكون بهواجس الحرب الأهلية منذ نهاية الأخيرة، التي تواصلت بين عامي 1975 و1990، وحصدت ما يناهز ال100 ألف لبناني بخلاف المخطوفين والمغيبين.
فكلما وقع حادث اقتتال مسلح أو صراع في الشارع على خلفية طائفية، أطلت فكرة الحرب الأهلية وصارت عنوانا في الشارع، تظاهرا أو في الظهور المسلح وإغلاق الطرق، وفي حركة الأحزاب والقوى السياسية، وعلى الصعيد الإعلامي بطبيعة الحال.
ومن سجل ذكرياتي الشخصية، أنني كنت شاهدا على توغل تلك الحالة في نفوس المثقفين اللبنانيين. كنت في زيارة لحضور أحد المؤتمرات في بيروت، وبصفتي “غريبا عن البلد”، فقد جمعني لقاء ضم مجموعة من المثقفين من مختلف الطوائف. وخلال النقاش الهادئ حول أحوال الدنيا من شرقها إلى غربها، ظهر خبر على تلفاز لبناني عن “إشكال” في إحدى المناطق. وخلال دقائق كان الحاضرون قد انسحبوا واحدا تلو الآخر، بعد الهمس في أذني باعتذار لأن الأمور قد تنقلب لاقتتال، ومن الضروري إجراء بعض الاستعدادات.
لكن شروط الحرب الأهلية التي يجري التخوف منها، لم تتحقق بعد. كما أن ليس شرطا أن تجري الحرب الأهلية، بنفس الطريقة التي جرت بها من قبل.
والقصد هنا ليس طبيعة الأحداث واختلاف أسباب التفجير أو طبيعة القوى المتقاتلة، بل طريقة ممارسة الحرب الأهلية ذاتها وأهدافها. وكذا لأن أهداف إطلاق تلك الحرب، لن تكون، إعادة إنتاج حاله توازن لبنانية داخلية جديدة بل إعادة تشكيل الجغرافيا في الإقليم، وباتجاه سوريا تحديدا.
لم يحن الوقت بعد، كما ليس ضروريا استنساخ نمط الحرب القديم أو القياس عليه. وبالدقة، فالحرب الأهلية جارية بالفعل ومنذ سنوات، لكن وفق نمط آخر.
لقد شهد لبنان أحداثا خطيرة –أخطر مما جرى في الكحالة –ولم يحدث التفجير الذي يجري التحذير منه أو القياس عليه.
شهد لبنان أحداث الطيونه التي بلغ فيها قتلى ميليشيا نصر الله وحدها، 6 عناصر وسقط خلالها 32 جريحا من الطرفين. وقد قيل وقتها إن رمزية الميدان الذي شهد الاقتتال، قد يكون دافع لاشتعال الحرب الأهلية، إذ يتوسط بين عين الرمانة في بيروت الشرقية ومنطقة الشياح في بيروت الغربية، وكان خط القتال والتقسيم خلال الحرب الأهلية. لكن لم تندلع الحرب.
وشهد لبنان حاله أخطر، في أيار 2008، حين اجتاح مقاتلو ميلشيات نصر الله بيروت الغربية وسيطروا على مناطق السنة بالقوة المسلحة، أو على المناطق الموالية لتيار الحريري، وأخذوا رهائن، لكن الأمر لم يذهب إلى حرب أهلية.
وشهد لبنان انفجار مرفأ بيروت التدميري وما نتج عنه من قتلى ودمار، وهو حادث جلل لكنه لا يزال دون تحقيق، إذ يمنع الثنائي الشيعي مجرد إجراء تحقيق في الكارثة. وقبلها لم يؤد اغتيال رفيق الحريري وغيره إلى حرب أهلية.
كل تلك الأحداث وهي جسام لم تؤد إلى حرب أهلية. وبالدقة لم تؤد إلى نمط الحرب الأهلية التي يقاس عليها الآن ويجري توقعها.
والأدق هو أن كل تلك الأحداث وغيرها، هي وقائع حرب أهلية، لكنها تجري وفق نمط متفاعل ومتناسب مع طبيعة توازن القوى القائم في لبنان وفي المنطقة، وهي تجري أيضا وفق نمط متوافق مع طبيعة الأهداف التي ستكون عنوانا للتغيير المستهدف من الحرب.
فإذ يجمع المراقبون على حدة الاحتقان الطائفي والحزبي والسياسي، وأن الأوضاع السياسية والاقتصادية والعلاقات بين القوى الميليشياوية بكافة ألوانها الطائفية في ذروة الاحتدام. فإن إطلاق الحرب الأهلية وفق النمط القديم غير ممكن، بسبب ميل توازن القوى بشدة لمصلحة ميلشيا نصر الله البالغ تعدادها نحو 100 ألف مقاتل مدججين بأسلحة متقدمة لا يملكها حتى الجيش اللبناني، وهو ما يجعل الطوائف الأخرى في وضع العاجز عن الدخول في مثل تلك الحرب الداخلية. كما أن الحرب الأهلية القادمة لن تجري –كما السابق- لتغيير التوازنات بين الطوائف في داخل لبنان، بل لتغيير خريطة لبنان وسوريا، ضمن الترتيبات الجارية في الإقليم.
ولذلك لا حرب أهلية وفق النمط القديم في لبنان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى