أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

ديوان الرقابة المالية يعزو أزمة الكهرباء إلى الهدر المالي ويتغاضى عن عقود الفساد المليارية

تقرير لديوان الرقابة المالية يذكر أن مجموع ما صُرف على الطاقة الكهربائية غير المستلمة فعليًا ما يقارب 937 مليون دولار بين عامي 2017 – 2022.

بغداد – الرافدين
أجمع مراقبون سياسيون واقتصاديون على أن تقرير ديوان الرقابة المالية بشأن الهدر المالي في وزارة الكهرباء الذي اقتصر على مبالغ لا تمثل ربع الحقيقة من الأموال التي بددت في مشاريع وهمية وفاسدة في ملف الطاقة الكهربائية القائم منذ عام 2003 إلى اليوم.
وذكروا بأن ديوان الرقابة المالية تعمد عدم وضع يده على جرح الفساد الكامن في وزارة الكهرباء عندما تم تبديد مائة مليار دولار في عقود مع شركات أجنبية منذ حكومة نوري المالكي إلى اليوم، ومن دون أن يشعر المواطن العراقي بأي تغيير يطرأ على توفير الطاقة الكهربائية.
وذكر تقرير ديوان الرقابة المالية، أن مجموع ما صُرف على الطاقة غير المستلمة فعليًا ما يقارب 937 مليون دولار بين عامي 2017 – 2022، في حين يمكن الاستفادة من هذه المبالغ في إنشاء محطات توليد بخارية جديدة بسعة تصل إلى 1000 ميكا واط.
ويعدّ ملف الغاز والكهرباء حساسًا بالنسبة للعراق، الذي يشهد ارتفاعًا مفرطًا في درجات الحرارة التي سجلت مستويات قياسية بلغت 50 درجة مئوية في محافظات البصرة والناصرية وذي قار.
ويزداد الأمر سوءًا نتيجة الانقطاع المتكرر اليومي للكهرباء، ما يزيد من غضب الشارع ويثير أحيانًا تظاهرات في بلد بنيته التحتية متهالكة بفعل عقود من النزاعات والفساد المستشري.
ويثير ملف الطاقة في العراق الكثير من الجدل بعد فشل الحكومات المتعاقبة في حل أزمة الكهرباء بعد 2003، ولجوء حكومة محمد شياع السوداني إلى مقايضة النفط بالغاز الإيراني لإنهاء أزمة الكهرباء التي تعصف بالبلد كل صيف، تزامنًا مع ارتفاع كبير لدرجات الحرارة.
وكانت لجنة الكهرباء والطاقة النيابية قد عزت في وقت سابق، أسباب أزمة الكهرباء إلى غياب الإرادة السياسية، معتبرة أن ملف الغاز الإيراني ورقة ضغط سياسية.
وحذرت، اللجنة من خروج تظاهرات عارمة إذا استمر انقطاع التيار الكهربائي، مضيفة، أن الحكومات السابقة لم تستثمر الأموال الكبيرة التي خصصت للكهرباء وأن العراق سيظل يعاني من أزمة الكهرباء طالما أنه مستمر بحرق غازه والاستيراد من إيران.
وذكرت أن حل أزمة الكهرباء وتأمين التجهيز على مدار الساعة بحاجة إلى 5 سنوات بشرط دخول محطات جديدة العمل لزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية.

سرقات مليارية يتم التغاضي عنها دون رقيب
وكشف تقرير ديوان الرقابة المالية في العراق، عن الفساد الكبير في وزارة الكهرباء من خلال هدرها لمبالغ كبيرة في شراء طاقة غير مستلمة، وعدم المهنية، فضلًا عن سوء الإدارة في ملف الكهرباء، الذي أدخل العراقيين في دوامة أزمات منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003.
وأقر ديوان الرقابة المالية في تقرير التدقيق التخصصي على أنشطة دائرة الاستثمارات والعقود في وزارة الكهرباء الذي أصدره في حزيران 2023، أن وزارة الكهرباء تتكبد مبالغ مالية كبيرة جراء الشراء بأسلوب الأخذ أو الشراء “Take or pay” الذي يلزم الوزارة بدفع مبالغ عن طاقة غير مستلمة بغض النظر عن أي ظرف طارئ سواء نقص الوقود ام عدم تحمل خطوط النقل.
وأوضح، أن معظم عقود الشراء تخلو من نص يقضي بعودة ملكية المحطات الاستثمارية إلى الوزارة بعد انتهاء مدة العقد واسترداد مبالغ إنشائها، ما يشير إلى افتقار الوزارة إلى الكوادر المهنية والعلمية، فضلًا عن القانونية التي تضمن حقوق الدولة.
وذكر، أن وزارة الكهرباء منحت كفالات سيادية لعقود استثمارية بمبالغ مالية طائلة تفوق كلف إنشاء المحطات الاستثمارية حيث بلغت قيمة الكفالات السيادية للشركات الاستثمارية ما يعادل 33 و 508 مليون دولار.
ويكشف تقرير التدقيق، التأثيرات السلبية الطارئة على معدات المشاريع كالتقادم أو تغيير التقنية بسبب إيقاف المشاريع الكبيرة كمحطات الإنتاج والنقل، الأمر الذي يؤدي إلى تغيير المعدات أو المخططات وبالتالي تحميلها تكاليف ووقت إضافيين، فضلًا عن زيادة المديونية بتحمل الوزارة مبالغ إضافية عن فوائد تلك الديون، وعدم تسديد مستحقات الشركات مما يضطرها إلى إنهاء العقود وتكبد الوزارة تكاليف هذا الإنهاء.
وأشار إلى عدم المهنية وسوء التخطيط، من خلال التداخل في عمل الوزارات وعدم التنسيق بينها وبين وزارة الكهرباء، فضلًا عن عدم التزام وزارة النفط بخطة تجهيز الوقود إلى وزارة الكهرباء.
ويرى مراقبون وخبراء، أن الهدر المالي في مجال الطاقة الكهربائية أعلى بكثير من الرقم المُعلن، حيث دأبت حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني والحكومات السابقة، على التقليل من حجم الخسائر الفادحة في وسائل الإعلام وجيوشها الإلكترونية بتمرير إنجازات زائفة بمسرحيات إعلامية لإشغال الرأي العام عن النسب الحقيقة التي فاقمت أزمات البلاد.
ويقول المحلل الاقتصادي، أحمد التميمي، إن “المبالغ التي صرفت على الكهرباء قد تصل إلى أكثر من هذه الأرقام، وتكفي لتوليد كهرباء أكثر من ضعفي الكهرباء التي يولدها العراق حاليًا وتصل إلى ضعف حاجته من الطاقة”.
وأوضح التميمي “المبالغ المصروفة على الكهرباء هي ليست وحدها الخسارة الكبيرة التي يتحملها العراق بسبب نقص إنتاج الطاقة”.
وأشار الصحفي المتخصص بالشؤون الاقتصادية، محمد السلطاني، إلى أن تلك الخسائر تشمل الأموال الكبيرة التي يصرفها العراقيون على شراء الطاقة، والخسائر في قطاعات الصناعة والزراعة والمشاكل الصحية التي يسببها الانقطاع المستمر للطاقة.
ويصنّف العراق ضمن الدول الأكثر فسادًا في العالم، في مؤشر مدركات الفساد لعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، إذ جاء بالمرتبة السابعة عربيًا والـ 157 عالميًا من بين 180 دولة مدرجة على قائمة المنظمة.
وحافظ العراق على تلك المرتبة لعدة سنوات متتالية.
وتشير أرقام متفرقة، أن إجمالي الأموال المنهوبة تتجاوز 300 مليار دولار، فيما أوردت وكالة الأنباء العراقية، العام الماضي، أن إجمالي الرقم يبلغ 360 مليار دولار، بينما يقدرها برلمانيون بـ 450 مليار دولار.
وتؤكد مصادر صحفية، أن أحزاب السلطة التي تفرض سيطرتها، على دوائر الدولة أساس الفساد المستشري عبر عناصرها الموزعين في الدوائر الحكومية كافة.
وتشير إلى، أن الفساد في الوزارة يحدث بطرق مختلفة كصفقات الاستيراد والتصدير، أو عن طريق توفير الأغطية المالية للمشاريع الوهمية، فضلًا عن استخدام الفواتير والصكوك المزورة.
ومنذ احتلال العراق عام 2003، وفي ظل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة صيفًا، يتكبّد قطاع الكهرباء في العراق أضرارًا جسيمة، لتستمر الفجوة بين العرض والطلب في الاتساع مع استمرار الخسائر الفنية والتجارية، والتي تفاقمت بسبب التحديات المالية والفساد على مستوى عالٍ في وزارات الدولة.
ومع أن الحلول واضحة، إلا أنه لا يمكن تنفيذها دون إرادة سياسية وطنية، ولن تتمكن الشبكة من استيعاب الإمدادات الجديدة، وستستمر الخسائر والسرقة، فضلًا عن التدخل السياسي المستمر في مشاريع الطاقة والذي يؤدي إلى مزيد من التأخير في حل هذه الأزمة.
وسبق أن كافأ القضاء في العراق إبان حكومة مصطفى الكاظمي وزير الكهرباء الأسبق لؤي الخطيب المحسوب على التيار الصدري، بوقف حكم السجن في قضية فساد بقيمة 808 مليون دولار، الأمر الذي أثار استهجان الشارع العراقي.
ويمثل قطاع الكهرباء واحدًا من أبرز الملفات التي أنفق العراق لأجل توفيرها مبالغ طائلة، في حين لا يزال العراقيون يعانون من غيابها خصوصًا في فصل الصيف، الي تصل فيه ساعات انقطاع الكهرباء في معظم مناطق العراق، إلى 18 ساعة في اليوم الواحد، وهو ما فجّر احتجاجات شعبية لأكثر من مرة.
وعلى الرغم من تعهد الحكومات المتعاقبة بحل أزمة الكهرباء، إلا أنها لم تُعالج إلى الآن، فيما تُتهم إيران بمنع تقدم العراق بهذا الملف في سبيل بقائه معتمدًا عليها لتوفير الغاز الإيراني المخصص لتشغيل المحطات العراقية.
أزمة بلا حلول
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى