أخبار الرافدين
طلعت رميح

ماذا يعني تعدد الأقطاب؟

لم يحدث توافق أو اقتراب بين الرؤى، حول ملامح محددة للمقصود بمقولة تعدد الأقطاب في العالم، أو بالدقة حول ما يعنيه، قيام نظام دولي متعدد القطبية تصدر من خلاله قرارات متفق عليها بين الأقطاب الكبرى، ويجري فرضها على بقية دول العالم.
فرغم سطوة المصطلح وكثرة ترديده على ألسنة قادة الدول -بمن فيهم قاده غربيون- والخبراء الإستراتيجيين والكتّاب، ووسائل الإعلام بالتبعية، إلا أن مفهوم ومضمون المصطلح والنظام الدولي البديل للنظام القائم حاليا، لا يزال يلفه الغموض بل يزداد غموضا واضطرابا مع مرور الوقت. ذلك أنها حالة صراع لم تدخل بعد مرحلة الحوار والاتفاق والاختلاف بين الداعين لها أو من يحاولون فرضها، وبين الرافضين لها أو المقاتلين لمنع انتقالها من فكرة وحالة صراع إلى نظام دولي.
هناك من يبشر بتعدد الأقطاب، كنظام ينهي السطوة الأمريكية على العالم، بمعنى أنها حالة تستهدف إنهاء حالة القطب الواحد التي فرضتها الولايات المتحدة على الآخرين بالقوة، والعودة إلى الالتزام بقوانين ومواثيق الأمم المتحدة.
وهناك من يكتب أو يتحدث عن نظام جديد ولا يطرح أي من ملامحه، بديلا للنظام الذي شكله الغرب الاستعماري لاستنزاف ثروات العالم والتحكم بمصائر الدول والشعوب.
وهناك من يتعمق فيقدم تصورا يقول بنشوء حالة ثنائية قطبية طرفيها الرئيسيين هما الصين والولايات المتحدة، وأنه سيكون حاله نوعية مختلفة عن النظام ثنائي القطبية الذي ساد خلال الحرب الباردة، ذلك أن الصين والولايات المتحدة –كلاهما- مضطر لبناء كتلة مع أقطاب أخرى أقل وزنا منه، بما يمنع إعمال مفهوم التبعية، كأن تكون روسيا قطبا حقيقيا لكن ضمن كتله تقودها الصين كمعبر عن مصالح الطرفين، وأن تكون أوروبا قطبا حقيقيا ضمن كتلة تقودها الولايات المتحدة كمعبر عن مصالح الطرفين.
وهو ما يعني أن النظام المتعدد الأقطاب، سيجري من داخل نظام ثنائي القطبية. وإن ثنائية القطبية –الأمريكية الصينية- ستكون حاله مؤقتة، ستفتح الباب أمام تحولات مستقبلية لنظام واسع التمثيل ولن تكون تكرارا لنمط الحرب الباردة القديم. وإن الوصول إلى نظام متعدد الأقطاب كامل الملامح، يحتاج إلى مدى زمني أكبر، وسيولد نتيجة صراعات معقدة بفعل تداخل وتضاد مصالح أطراف لها وزن كبير في إدارة السياسات الدولية.
وهناك من يرى أن تعدد الأقطاب سيحمل عنوانا للتعدد الحضاري، وسيبنى على أساس قيام ونهوض وقوة واختلاف الحضارات، لتكون الصين محورا والهند واليابان والغرب والمسلمين والأفارقة، كل منها يمثل محورا، وفي ذلك عنوان لارتباط تعدد الأقطاب بالتعدد القاري أيضا.
وهناك من ينظر لتعدد الأقطاب، كحاله يمكن أن تتنامى عبر اتفاقات متعددة الأطراف تحقق مصالح الأقطاب الدولية الحالية، وتضمن تقسيم المصالح فيما بينها على حساب الدول الصغرى، وأن كل هذا الصراع الذي يجري وكل تلك الشعارات التي تتطاير، ستنتهي إلى نمط من ديكتاتورية عدد أوسع من الدول، تحل محل ديكتاتورية الدولة الواحدة. ولذلك يحذر أصحاب تلك الرؤية دول العالم الأخرى من خداع الفكرة ويطالبونها بتشكيل تكتلات للضغط على الأقطاب الصاعدة والمتراجعة معا، حتى لا يجري بناء النظام الجديد على قاعدة إعادة تقسيمها وإضعافها والسيطرة عليها مجددا.
وإذ يسود التقدير عموما، بأن تعدد الأقطاب، هو حالة جوهرها، إنهاء هيمنة القطب الواحد الأمريكي على العالم وإحداث تغيير للنظام الذي يحقق هيمنة الغرب، فهناك من يحث الولايات المتحدة بالمقابل، على عدم إنهاك قوتها في الوقوف ضد الأقطاب الأخرى، وأن تتحرك وفق إستراتيجية ذكية، تقوم على إدارة الصراع والخلاف بين الأقطاب الصاعدة، وأن على الولايات المتحدة الجلوس في مقعد إدارة الصراعات لا في مقعد مواجهة القوى الأخرى، بدعم الهند واليابان وغيرها للصراع مع الصين، ودفع ودعم أوروبا للصراع مع روسيا، لتخرج الولايات المتحدة في نهاية الصراع، أقوى من كل الأقطاب الدولية التي أنهكتها صراعاتها البينية.
وهكذا فلا مفهوم واضح ومشترك لفكرة تعدد الأقطاب ولا تصور محدد للنظام الدولي الجديد. وإن ما هو مؤكد أن تعدد الأقطاب لا يعني حاليا، سوى أن العالم يعيش حالة صراع نتيجة تطور قدرات أطراف دولية غير غربية وامتلاكها لمعالم القوة الاقتصادية والعسكرية…، وأن تلك الأطراف قد دخلت في صراعات حقيقية مع الغرب.
لقد وصلت قوة الأطراف الصاعدة إلى حد إضعاف القبضة الغربية على القرار الدولي وشلت قدرتها على فعل ما تشاء بالدول والأقاليم الأخرى. وما يجري في مجلس الأمن الدولي مثال على ما وصلت إليه الأوضاع، إذ شلت روسيا قدرة الولايات المتحدة والغرب على فرض قراراتها في مجلس الأمن الدولي، وحولت المجلس إلى وضعية الشلل التام.
ولعل أهم النماذج العملية الجارية لتنامي هذا الصراع، ما هو جار الآن في إفريقيا.
وإذا كانت حالة دول الساحل الأفريقي هي النموذج الصارخ لتقدم وتطور قدرات روسيا والصين، فهناك أيضا ما جرى في غينيا بالمقابل، إذ تمت الإطاحة بالرئيس ألفا كوتدي عام 2021 بعد توقيعه عقد تصدير طويل الأمد لخام الألومنيوم، مع الصين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى