أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

طبيب يغلق عيادته في ميسان تحت وطأة التهديد العشائري وغياب سلطة القانون

رياض لفتة أستاذ علم الأوبئة في الجامعة المستنصرية: العشائر طورت طريقة جديدة لابتزاز الأطباء وعائلاتهم بسبب أخطاء حقيقية أو ملفقة مطالبين بعقوبة عشائرية.

ميسان- الرافدين
تحولت لافتة وضعها طبيب عراقي على عيادته بعد إغلاقها في محافظة ميسان جنوب العاصمة بغداد، إلى وثيقة إدانة لسلطة القانون، كما تكشف انهيار مفهوم الدولة في العراق.
وكتب الطبيب في اللافتة بأنه أغلق عيادته بسبب التهديدات العشائرية وخذلان المسؤولين، في إشارة إلى أن سلطة السلاح المنفلت أعلى من سلطة القانون.
ونقلت مصادر إعلامية محلية عن مصدر أمني في محافظة ميسان قوله إن أحد الأطباء في المحافظة قام بدفع دية ما يُعرف محلياً بـ “الفصل” إلى إحدى العشائر على خلفية وفاة مريض لهم كان يراجعه.
وتوفي المريض بعد قيام الطبيب بإجراء مسحة قلبية له بعد توقيع ذويه على هذا العمل داخل العيادة.
وتعرض الدكتور لتهديدات عشائرية تحت وقع السلاح من قبل ذوي المريض المتوفي، انتهى بإرغامه على دفع 80 مليون دينار عراقي.
ويشعر الطبيب بالصدمة حيال انهيار القانون في البلاد وخذلانه من قبل السلطات الأمنية وعدم حمايته وهو يؤدي واجبه الطبي تحت قسم أبقراط.
ووصل الانهيار المؤسساتي والمجتمعي بعد احتلال العراق عام 2003، إلى انهيار منظومة الحماية للأطباء في المستشفيات من انتقام أهال وأقرباء وعشائر المرضى.
ويتعرض الأطباء العراقيون لمصاعب تفوق النقص في الأدوية والمعدات وأحيانا حتى الأسرة النظيفة في المستشفيات.
وهرب أكثر من 20 ألف طبيب إلى الخارج بسبب انعدام الأمن والتهديد وعمليات الاغتيال الممنهجة فتقلص عدد الأطباء داخل البلاد إلى نحو 30 ألفا أي بمعدل طبيب واحد لكل 1200 شخص، بينما يعاني 31 ألف طبيب من الخريجين الجدد من صعوبة العثور على وظائف وباتوا معرضين لفقدان شهادات مزاولة المهنة.
وقال 87 بالمائة من الأطباء في بغداد إنهم تعرضوا للعنف في العمل، في حوادث بعضها ينطوي على أسلحة، ومعظمهم على أيدي أقارب المرضى.
وتعيش ميسان أسوة بأغلب محافظات جنوب العراق تحت وطأة السلاح المنفلت بيد العشائر والميليشيات التي تتخذهم واجهة لنشاطها.
وتأتي حادثة إغلاق الطبيب إلى عيادته بعد أسابيع من وعد وزير الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي عبد الأمير الشمري بإنهاء النزاعات العشائرية في محافظة ميسان والسيطرة على السلاح المنفلت الذي بحوزة العشائر في المحافظة.
وانتقد وجهاء المحافظة تعمد الشمري بالقفز على سلاح الميليشيات التي تسيطر على محافظة ميسان وتتصارع فيما بينها في التهريب من وإلى إيران المحاذية للمحافظة.
وقال خبراء إن اختصار المشكلة بسلاح العشائر وحدها من دون سلاح الميليشيات، ليس حلًا لمعضلة السلاح المنفلت في ميسان وبقية محافظات العراق.
ووصفوا تصريحات وزير الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي عن وضع “خطة استراتيجية لحصر السلاح بيد الدولة، بـ “كوميديا الوعود الزائفة” التي امتهنتها حكومة محمد شياع السوداني.
وأكدوا على أن الشمري يدرك، بأن السلاح المنفلت الذي بحوزة الميليشيات والعشائر والأفراد أكبر من قدرة الحكومة على جمعه، لأن الأمر مرتبط بقرار سياسي وليس بوعود إعلامية زائفة امتهنتها الحكومة الحالية.
وجاءت زيارة وزير الداخلية بعد أيام من الانفلات الأمني الذي شهدته محافظة ميسان بعد اشتباكات مسلحة بين العشائر خلفت قتلى وجرحى وسط مناشدات من السكان لتخليصهم من سلاح الميليشيات.
فيما اتهم ناشطون القوات الأمنية بالتواطؤ مع الميليشيات وانخراط كثير من العشائر في تجارة المخدرات وتهريبها ما جعلهم أداة بيد الميليشيات.


87 بالمائة من الأطباء في بغداد تعرضوا للعنف في العمل، في حوادث بعضها ينطوي على أسلحة، ومعظمهم على أيدي أقارب المرضى
وأكد شيوخ ووجهاء من ميسان أن الحكومات المتعاقبة لم تف بتعهداتها بمحاربة السلاح المنفلت وهذا سبب انهيار سلطة القانون وتصاعد العنف في المحافظة.
وقال الشيخ علي الساعدي، أحد شيوخ محافظة ميسان، إن “الوضع الأمني المرتبك في ميسان مثل أغلب محافظات البلاد، وانفلات السلاح هو سبب رئيس بتصاعد العنف بشكل عام والمعارك العشائرية بشكل خاص”.
وشدد على أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحكومة في الحد من انفلات السلاح.
وأشار إلى أن الحكومات السابقة لم تف بوعود حصر السلاح من العشائر والميليشيات، وهذا سبب رئيس لتصاعد العنف.
وقال قائممقام قضاء الميمونة شرقي محافظة ميسان صبري هاشم كاظم إن صلاحياته غير كافية لردع النزاعات العشائرية ونزع السلاح المنفلت.
وأضاف أن الإجراءات والصلاحيات لديه محدودة تجاه هذا الملف الأمني والذي يقتصر على مجردِ التوجيه وتحريك القطعات.
ويعيش الأطباء في العراق محنة انعدام سلطة القانون وعدم حمايتهم من قبل أهالي المرضى.
وسبق أن أشارت صحيفة الغارديان البريطانية، إلى دراسة استقصائية حديثة وجدت أن 87 بالمئة من أطباء بغداد تعرضوا للعنف في الأشهر الستة السابقة.
وقالت الأغلبية منهم إن العنف ازداد، وإن ثلاثة أرباع الهجمات ارتكبها مرضى وعائلاتهم.
ومن المعتاد أن يتلقى المريض الدعم من الأصدقاء والعائلة، وأحيانا يكون هناك ما يصل إلى 15 شخصا، مع مرضى يحتضرون، وعندما لا يستطيع الطبيب علاج أحدهم، يمكن أن يعتقد المرافقون أن الطبيب قد ارتكب خطأ، حتى لو لم يكن، وحينها يحدث العنف،
ونقلت الصحيفة عن رياض لفتة، أستاذ علم الأوبئة في الجامعة المستنصرية في بغداد، قوله “عندما يذهب المرضى إلى المستشفى ويكونون متوترين وقلقين بالفعل، يواجه الأطباء صعوبة في التعامل معهم. يصبح المرضى غاضبين، ويهاجمون”.
ويعني التراخي الأمني أن هذه الهجمات يمكن أن تشمل أسلحة، حيث يمتلك حوالي 20 بالمئة من المدنيين في العراق سلاحا ناريا.
وقال لفتة “الناس قلقون، وهم مسلحون، وهناك مشاكل في نظام الرعاية الصحية. كل هذه العوامل تساهم في تصعيد العنف”.
ويتذكر لفتة شخصيا كيف قتل 10 أطباء في محافظة كربلاء جنوب بغداد.
وأضاف أن العشائر التي تعمل في ظل النظام العشائري العراقي “طورت طريقة جديدة للابتزاز. وهم يهددون الأطباء وعائلاتهم بسبب أخطاء، حقيقية أو ملفقة، مطالبين بعقوبة عشائرية، والتي وصلت أحيانا إلى ما يقرب من 100 ألف دولار أميركي، وأحيانا 200 ألف دولار”.
وتنقل الصحيفة عن جراح القلب، عثمان قتيبة، قوله إن مثل هذه المشاكل دفعت الأطباء إلى الانغماس في “الأعمال الاستعراضية” – مثل أداء أعمال طبية عديمة الفائدة على المرضى لمجرد استرضاء أفراد الأسرة.
وأضاف “عندما ترى جثة ميتة وهناك 10 أشخاص يقفون بجانبك، فإنهم سيقتلونك إذا قلت “إنه ميت”، “لذلك، أنت تعطيه صدمة من جهاز مزيل رجفان القلب الكهربائي، ربما مرتين أو ثلاث أو أربع مرات، ربما 10 مرات”، مؤكدا ”أنت تعرف أن هذا خطأ، ولكن ماذا يجب أن تفعل؟”.
وأوضح أن زملاءه يفعلون ذلك يوميا، كما أنهم يتخذون تدابير احترازية، ويستدعون حراس الأمن عندما يتوقعون وفاة المريض.
ودفع العنف الأطباء إلى مغادرة البلاد بأعداد كبيرة. ووجدت دراسة أجريت عام 2017 أن 77 بالمئة من الأطباء المبتدئين كانوا يفكرون في الهجرة.
وفي عام 2019، قال متحدث باسم وزارة الصحة العراقية إن 20 ألف شخص فعلوا ذلك بالفعل، وكان العنف سببا رئيسيا.
كما تدفع العقوبات والتهديدات القبلية الأطباء إلى تجنب العمليات الجراحية المعقدة، ويتجنب خريجو الطب الجدد المسارات الوظيفية عالية الخطورة مثل جراحة الأعصاب وطب الطوارئ.
ويقول قتيبة “تخصصي، جراحة القلب، لديه معدل وفيات مرتفع”، مضيفا “لن يقبل عليه أحد، وإذا فعلوا ذلك ومات المريض، فسيواجهون مشاكل”.
ويقول إن الخريجين الراغبين في متابعة التخصصات عالية المخاطر يمكنهم الآن تسريع المسار الدراسي حيث تسعى الحكومة إلى معالجة النقص.
وبعد إجراء جراحة في القلب، بدأ قتيبة في دفع مبالغ شهرية أعلى لعشيرته لدعمه إذا هاجمه شخص ما أو حاول ابتزازه بالمال.
وحاولت الحكومة العراقية مكافحة المشكلة من خلال إدخال قانون حماية الأطباء في عام 2010، والذي سمح للأطباء بحمل المسدسات إلى العمل.
لكن هذا الحل “سخيف” كما يقول أحد الأطباء اللذين تحدثت معهم الصحيفة، وقد يؤدي بالمواقف “للتصاعد بسرعة”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى