أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

خطر الزلازل يداهم البلاد ويكشف التهاون بأرواح العراقيين

مختصون يحذرون من هشاشة المباني التي شيدت بعد عام 2003 بسبب غياب الفحص الفني ورداءة مواد البناء المستوردة من إيران.

بغداد ــ الرافدين
أطلق مختصون في مجال رصد الزلازل وتداعياتها جملة من التحذيرات بشأن الخطر المحدق الذي يهدد البلاد بفعل الهزات الأرضية، وسط تقاعس حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في التعاطي مع هذه التحذيرات وتأثيراتها على أرواح المواطنين.
وشددوا على ضرورة مراعاة شروط البناء المقاوم للزلزال في المشاريع السكنية ومحاسبة المخالفين، إضافة إلى التدريب على التعامل مع الكوارث والاستعداد لها.
يأتي ذلك في وقت أعلنت هيئة الرصد الزلزالي في العراق، عن تسجيل 3 هزات أرضية في مدينتي دهوك وكركوك.
وقال المركز الأورومتوسطي لرصد الزلازل إن هزة أرضية بقوة 4.7 على بعد 20 كيلومترًا ضربت شمالي طوزخورماتو متبوعة بـ 3 هزات ارتدادية بلغت قوتها 4.8 في دهوك وكركوك.
وأشار إلى أن ارتدادات الهزة الأرضية وصلت إلى الشريط الحدودي بين تركيا والعراق وشعر بها سكان أربيل وصلاح الدين والسليمانية من شدة قوتها فضلًا عن سكان الحسكة في سوريا.
وسلط أكاديميون ومختصون الضوء على المشاكل المتعلقة بمدى التزام المباني المشيدة حديثًا بما يعرف بـ “الكود الزلزالي” أو معامل البناء الزلزالي الذي يلزم الشركات المنفذة بمراعاة شروطه عند البناء ومدى دقته في ضوء المعطيات الجديدة التي تشهدها المنطقة والتي كان آخرها الزلزال المدمر الذي ضرب عددًا من مدن المملكة المغربية.
وعلى الرغم من تزايد وقوع الهزات الأرضية في دول المنطقة وما تخلفه من تداعيات كارثية، إلا أن العراق لا يزال يعيش تخلفًا واضحًا في التعامل مع هذا النوع من الكوارث أو الاستعداد لها.
ولا تمتلك هيئة الأنواء الجوية سوى نفي مزاعم حدوث هزات أرضية في العراق، بسبب بعده عن خطر النشاط الزلزالي باستثناء الهزات التي تحدث في الشريط الحدودي مع تركيا وإيران، لتناقض نفسها من خلال تقريرها الشهري الذي قالت فيه أن العراق سجل 19 هزة أرضية خلال شهر آب الماضي، 12 منها داخل الأراضي العراقية.
وأشار التقرير إلى أن أقوى هزة سجلت بدرجة 4 على مقياس ريختر، وأن النشاط الزلزالي تركز في مناطق خانقين وبلدروز في ديالى، ثم هور الحويزة بين محافظتي ميسان والبصرة، وقضاء علي الغربي في ميسان، وجمجمال ودربنديخان في السليمانية.
وفي خضم هذه المعطيات تبرز مشكلة أخرى ذات علاقة وطيدة بتنامي خطر الزلازل في العراق، تتمثل في المباني الآيلة للسقوط بسبب تقادم البناء والفساد الذي شاب مراحل تشييدها، وسط مخاوف من تحولها إلى مقابر جماعية لقاطنيها عند حدوث أي كارثة.

حيدر الحمداني: غياب الرقابة الحكومية على مراحل البناء في العراق أفرز ظاهرة انهيار المباني رغم حداثة نشأتها

وسبق أن حذرت الجهات المختصة من هشاشة معظم المباني في العراق التي شيدت بعد عام 2003 بسبب عدم خضوعها للفحص الفني، فيما استخدمت في إنشائها مواد بناء رديئة  مستوردة من شركات غير مطابقة لمعايير السلامة خصوصا من إيران، وهو ما قد يتسبب بكوارث حال وقوع زلزال في العراق.
وأشار خبراء الجيولوجيا بأن الزلازل ليست قاتلة وإنما المباني، مطالبين بإجراء تمرينًا يحاكي الكارثة في محاولة لتقليل أضرارها إلى الحد الأدنى.
وقال المتخصص في العمارة المهندس حيدر الحمداني، إن غياب الرقابة الحكومية على مراحل البناء في العراق أفرز ظاهرة انهيار المباني رغم حداثة نشأتها.
وشكك الحمداني في تصريح لقناة “الرافدين” في جودة مواد البناء التي يتم استيرادها من إيران.
وأكد على أن الحكومة تفقد السيطرة على سلسلة البناء في العراق، بسبب حالة الانفلات الواضحة في منح التراخيص.
وتؤكد مصادر مطلعة وجود مئات المباني الحكومية والأهلية المخالفة لشروط السلامة والمهددة بالسقوط في أية لحظة، في ظل عدم استخدام مواد البناء المطابقة للمقاييس، بعد تشييدها من قبل مقاولين لا يعتمدون على مهندسين متخصصين، ولا يعيرون الاهتمام لشروط السلامة.
وأشار مهندسون عراقيون إلى عدم مراعاة شروط البناء المقاومة للزلزال في المشاريع السكنية، لا سيما في مناطق الوسط والجنوب.
وأكدوا على أن معايير البناء التي تتم مراعاتها في العراق تتعلق فقط بالأبعاد وقياسات الأعمدة داخل المباني، إضافة إلى كمية التسليح وقوة الخراسانات وكميات الأسمنت ومواد البناء المستخدَمة دون الأخذ بالتغييرات الجيولوجية والطبيعية التي يشهدها العالم وخاصة ما تتعرض له دول مجاورة من كوارث، وهو ما يتطلب إعادة النظر في معايير البناء في العراق، لا سيما مع اتجاهه إلى البناء العمودي خلال السنوات الأخيرة.
وأضافوا بأن غالبية الأبنية الحكومية في العراق قديمة جدًا وتحتاج إلى عمليات تأهيل وتحديث.
ويرى المهندس المدني محمد العامري أن مشكلة المباني الآيلة للسقوط بدأت بالظهور في ظل مرور البلاد بتغيرات سياسية وأمنية واجتماعية والتي أدت إلى تفشي الفساد في مفاصل الدولة المعنية بمتابعة المشاريع العمرانية.
وقال العامري إن هناك مبان تتعهد بها شركات حكومية أو قطاع خاص أو قطاع أهلي لا يتم الالتزام خلالها بحدود المواصفات الهندسية التي لها محددات.
وتمثل المباني المخالفة لشروط السلامة والمتقادمة منها تهديدًا حقيقيًا لحياة العراقيين وسبق أن حذر خبراء ومختصون في أوقات سابقة، من انهيارات قد تحدث في المباني، مطالبين الجهات المعنية بمتابعة الملف ومحاسبة المخالفين للشروط الخاصة بإنشاء المباني.
ويؤكد اقتصاديون على أن الفساد الحكومي هو السبب الرئيسي في تشييد تلك المباني، مشيرين إلى أن غالبية المباني التي شيدت خلال السنوات الأخيرة ويجري تشييدها حاليًا هي غير مطابقة للمواصفات النوعية، وسط غياب عمليات الكشف عليها من قبل الجهات الحكومية المسؤولة.
وقالت نائبة نقيب الجيولوجيين في العراق مديحة محمد النعيمي، إن جميع المنشآت والمباني العراقية ليست مصممة على أسس الصيانة المحمية من المخاطر.

مديحة محمد النعيمي: جميع المنشآت والمباني العراقية ليست مصممة على أسس الصيانة المحمية من المخاطر

وطالبت النعيمي، بضرورة استشارة الخبير الجيولوجي عند اختيار مواقع بناء المباني والأبراج العمودية لدراسة طبيعة ومواصفات الطبقات الصخرية التي سيقام عليها البناء من جهة وتفاصيل التصاميم الهندسية من جهة أخرى.
ولفتت إلى أن أبرز الشروط الواجب توفرها عند بناء المجمعات السكنية العمودية تتعلق بدراسة الأرض التي تقام عليها الأبنية بكل أنواعها من حيث الصلادة ونوعية الصخور وارتفاع منسوب المياه الجوفية.
وكانت مديرية الدفاع المدني قد أقرت بأن جملة التحديات تواجه فرقها في عموم مدن البلاد، نتيجة الحوادث اليومية المختلفة منها انهيار المباني، مؤكدة على وجود نقص كبير في كوادرها وآلياتها، وضعفًا عامًا في عملها.
وأعلنت مديرية الدفاع المدني بأن لجنة حكومية عالجت أكثر من 2500 مبنى آيل للانهيار في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى.
فيما أوضحت وزارة الإسكان الحالية، أن المعالجات التي قامت بها اللجان الحكومية لأكثر من 2500 مبنى آيل للانهيار في بغداد والمحافظات لم تشمل إلا ما نسبته 10 بالمائة من المباني الخطرة في البلاد.
وأكد مهندس استشاري في وزارة الإسكان، بأن مديرية الدفاع المدني قيدت الكثير من تلك المباني ضمن المباني الخطرة الآيلة إلى الانهيار، إلا أن أي إجراءات ومعالجات لم تتخذ تجاه الكثير منها بسبب كثرة أعدادها خاصة في المناطق العشوائية.
وحذر المهندس الذي رفض ذكر الكشف عن اسمه، من خطورة تلك المباني التي تهدد حياة آلاف العراقيين في بغداد وباقي المحافظات.
وأشار إلى أن الكثير من تلك المباني هي مبان حكومية وأخرى دوائر ومؤسسات أهلية، وأشرفت على بنائها بعض الشركات المعروفة، مشددًا على أن الفساد هو السبب الأبرز في تشييد تلك المباني.
وظهر خطر المباني الآيلة للسقوط جليًا على الأرواح خصوصًا بعد حوادث انهيار عدد من المبان وأبرزها المختبر الوطني للتحليلات المرضية التابع لوزارة الصحة الحالية في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد، والذي تسبب في مقتل وإصابة عشرات المواطنين.
وفضحت حوادث انهيار الأبنية والحرائق بالعاصمة بغداد والمحافظات فساد شركات البناء التي هدفها تحقيق مكاسب مالية على حساب حياة المواطنين مستغلة الضعف الحكومي في المتابعة وتطبيق القوانين.
ويساهم التواطؤ والفساد في قبول مواصفات بناء غير متينة وبلا معايير هندسية تضمن سلامة المواطن العراقي.
وأعرب عراقيون عن مخاوفهم من المباني التي جرى تشييدها مؤخرًا بعد أن شهد بعضها انهيارًا مفاجئًا، ما تسبب بخسارة أحبتهم وسط تساؤلات عن مصيرها في حال تعرض العراق إلى هزات أرضية، فيما تكتفي حكومة الإطار التنسيقي بتبادل الاتهامات ورمي المسؤولية بين الهيئات واللجان.
وطالب عراقيون بضرورة محاسبة لوردات الفساد المتورطة باستيراد مواد بناء غير مطابقة لشروط السلامة والمعايير الهندسية الدولية دون مبالاة بأرواح العراقيين.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى