أخبار الرافدين
طلعت رميح

هل تجرؤ إيران على حرب أذربيجان؟

عادت أجواء الحرب لتخيم مجددا على أرمينيا وأذربيجان. لقطات الفيديو التي جرى بثها، تظهر تحريك القوات على جانبي الحدود. وتصريحات المسؤولين في البلدين، تتحدث عن الحرب. تهدد بها أو تحذر من اندلاعها. وكل طرف يتهم الآخر بحشد القوات تمهيدا للهجوم. بل حدث هجوم أذربيجاني بالفعل “جرى رد على هجوم وصف بالإرهابي” تمكنت خلاله القوات الأذربيجانية من السيطرة على بعض المواقع المهمة حول إقليم ناغورني قره باغ.
أرمينيا تتحدث عن أنها جاهزة لكل شيء. وأذربيجان تتهم أرمينيا بالتلاعب السياسي العسكري، وتطالبها بوقف استفزازاتها.
فإن اشتعلت الحرب، ستكون الثالثة بين البلدين، لكنها قد تتحول إلى حرب إقليمية طرفاها إيران وتركيا وربما دولية مصغرة على غرار حرب أوكرانيا.
كانت الحرب الأولى، قد اندلعت في عام 1988 إثر إعلان إقليم ناغورني قره باغ انفصاله عن أذربيجان، وإعلان أرمينيا ضم الإقليم لأراضيها. وفي تلك الحرب التي تواصلت ست سنوات، تمكنت أرمينيا من ضم أراض جديدة تحيط بالإقليم “المنفصل” وتربطه بأراضيها. وبلغت الأراضي التي احتلتها أرمينيا حوالي 20 بالمائة من مساحة أذربيجان.
واندلعت الحرب الثانية في عام 2020، واستمرت 44 يوما فقط، تمكنت خلالها أذربيجان من استعادة أراضيها المحتلة. فعادت القضية إلى نقطة الصفر، أو عاد البلدان لأصل المشكلات بينهما.
وإذا كان إقليم قره باغ، هو الطاغي على المشكلة إعلاميا، فهناك قضايا متعددة. هناك ممر التو صل بين أرمينيا والإقليم “لاتشين” الواقع داخل الحدود الأذربيجانية. وهناك ممر زنغروز الواقع داخل الحدود الأرمينية بمحاذاة الحدود الأرمينية الإيرانية ويمكن أن يفصل بينهما، وهو ممر يربط بين أذربيجان وإقليم ناختشفيان المتماس مع حدود تركيا والخاضع للحكم الذاتي. وهناك منطقة سيونيك ذات الأغلبية الأذربيجانية في داخل حدود أرمينيا التي يمكن أن تكون قضية موازية لقضية إقليم قره باغ.
وإذ تثار كل تلك القضايا الآن بما يهدد باندلاع الحرب مجددا، فالأمور في هذه المرة مرشحة لإشعال حرب إقليمية وربما حرب دولية مصغرة على غرار أوكرانيا. فإذ تقف تركيا مع أذربيجان فيما تقف إيران مع أرمينيا فقد تتحول الحرب إلى حرب تركية إيرانية. وإذ تقوم أرمينيا بإحلال النفوذ والدور الأمريكي -الفرنسي، محل الدور والنفوذ الروسي، فقد تندلع حرب دولية مصغرة. وقد أعلنها رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان بوضوح، بأن بلاده ارتكبت خطأ إستراتيجي بالتحالف مع روسيا لا الغرب، وهو تصريح صدر متزامنا مع الإعلان عن قيام القوات الأمريكية بإجراء مناورات مشتركة مع القوات الأرمينية، أي في بلد تتواجد على أرضه قاعده روسية. ويزيد من الخطر أن القوات الروسية تتواجد فى أذربيجان أيضا، إذ تتولى الإشراف على تنفيذ الاتفاقات بين أذربيجان وأرمينيا.
وفى الحرب الدولية المصغرة المحتملة، فقد تذهب الولايات المتحدة لتأزيم الأمور بين أرمينيا وأذربيجان، وأن تسعى لتحويلها إلى حرب لطرد القوات الروسية، وأن تعمل لتوسع تلك الحرب لتصبح حربا بين روسيا وجورجيا كذلك، وقد سبق أن اندلعت حرب بين البلدين انتهت إلى انفصال إقليمين من جورجيا. وهو ما يعنى اشتعال حريق في كامل منطقة القوقاز على غرار حرب روسيا أوكرانيا.
وقد تذهب الولايات المتحدة إلى إقامة جسر مباشر بين حربي أوكرانيا والقوقاز.
وفى كل ذلك سيكون الموقف الإيراني في وضع حرج، بل خطير.
سيكون الحكم الإيراني قد انكشف تماما أمام الشيعة، إذ اغلبية سكان أذربيجان من الشيعة، ويصعب عليه أن يلعب لعبة حشد الشيعة وراءه في تلك المعركة. وسيواجه النظام وضعا داخليا عصيبا قياسا على ما جرى من قبل، خلال حرب عام 2020 حين حركت السلطات الإيرانية قوافل إمداد لأرمينيا، فهاجمها المتظاهرون الشيعة من أصول أذربيجانية ومنعوا مرور القوافل لأرمينيا، وهم يتركزون في شمال إيران، وتنمو في داخلهم تيارات تطالب بالانضمام إلى أذربيجان التي كانوا جزءا من أراضيها من قبل.
وستجد إيران نفسها في مواجهة دولة قوية مثل تركيا، وهي في أول المطاف وآخره إحدى دول حلف الناتو. وهو ما سيقلب الطاولة على الحكم في إيران، ويدفع به للخروج عن القاعدة الإستراتيجية الكبرى التي عمل عليها دوما، بأن لا يقاتل بجيشه أو بحرسه الثوري بصفة رسمية في الخارج، إذ تحارب إيران دوما بميليشيات أو بشركات أمنية تابعه لها.
ولا شك في أن إيران تدرك أن دخولها الحرب سيمنح “إسرائيل” الفرصة لمهاجمتها انطلاقا من أذربيجان.
أي أن إيران ستكون كمن وقع في مصيده.
والأغلب أن إيران لن تجرؤ على دخول حرب إقليمية أو دولية مصغرة في القوقاز، وستكتفي بدعم أرمينيا “من تحت لتحت”، مع تعطيل فرص الوصول للسلام.
ستعرقل إيران فرص السلام، إذ تخشى من الاتفاق على ممر زنغروز الذي يقطع التواصل الأرضي بينها وبين أرمينيا، ويقطع الطريق على مخططها الإستراتيجي لتصدير غازها إلى أوروبا. كما أن السلام سيقوى أذربيجان ويجعلها نموذج جاذب للأذربيجانيين في إيران.
وسيكون خيار إيران الحربي مقتصرا على تشكيل ميليشيات أو شركات أمنية لضرب أذربيجان من الداخل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى