أخبار الرافدين
كرم نعمة

لا دروس نتعلمها على طاولة الديمقراطية

“السياسيون الأمريكيون حمقى، عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية على الضفة الأخرى من العالم” قالها صديقي لووي المتعاطف مع محنة العراق، وهو ضابط بريطاني متقاعد قضى سنوات من عمره في مالطا، ويقضى وقته حاليا في النقد المسرحي.
وأضاف عندما بدأ الحديث معي في مقهى مسرح ضاحيتنا اللندنية عن “الديمقراطية في العراق” الحماقة الديمقراطية تجسدت عند إعلان جورج بوش الأب بأنه سيجعل من الصومال دولة ديمقراطية ثم تكررت المزاعم مع أفغانستان، وأنت يمكن أن تحدثنا بعدها عن الديمقراطية البلهاء في بلدك العراق.
ذلك يعني أن الولايات المتحدة لا يمكن لها أن تصنع دولا على شاكلتها، بينما الديمقراطية الأمريكية مريضة بالأساس، وهو ما يعترف به الأمريكيون أنفسهم، فعن أي ديمقراطية تنشدها واشنطن في دول العالم الأخرى.
قبل أيام أقر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بأن الأوروبيين فشلوا في تعزيز الديموقراطية في منطقة الساحل الإفريقية التي شهدت عددا من الانقلابات، على الرغم من إنفاق مئات الملايين من اليورو.
وقال بوريل أمام البرلمان الأوروبي الذي يتخذ من مدينة ستراسبورغ الفرنسية مقرا، إن “الاتحاد أنفق خلال السنوات العشر الماضية 600 مليون يورو على البعثات المدنية والعسكرية في منطقة الساحل، وقام بتدريب حوالي 30 ألف عنصر من قوات الأمن في مالي والنيجر، و18 ألف عسكري. إن ذلك لم يساعد على تعزيز القوات المسلحة التي تدعم الحكومة الديموقراطية.”
خذ ما يفعله بنيامين نتنياهو الذي يدهس “الديمقراطية” بشكل مذل وبدعم من اليمين اليهودي المتطرف، من دون أن يتأثر، بينما الغرب الذي يصف “إسرائيل” بواحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، يضحك في سره. ويتناسى المزاعم التي لم يتردد بإعلانها بأنه لو كان هناك حل على الطاولة يحمي الديمقراطية، فسيكون حاضرا.
هناك اعترافات مثيرة عن الوضع المذل الذي تعيشه الديمقراطية في العالم الديمقراطي قبل العالم الثالث، فكيف والحال بالدول التي أرادت أن تصنعها الولايات المتحدة على شاكلتها؟
فلم يحدث أن مرت الديمقراطية بأزمة كما تعيشها اليوم، والمعضلة تكمن أن الأسباب مشخصة وبدأت من غطرسة الرئيس جورج بوش الابن، وتحويل الوعود الديمقراطية إلى مجرد حثالة وأكاذيب صلفه، حتى وصلنا إلى عصر دونالد ترامب الذي شكك بالديمقراطية الأمريكية، واليوم يتحدث عن عمليات اغتيال سياسي متعمد له وللديمقراطية نفسها.
بالتوازي مما يعيشه ترامب من أزمة ديمقراطية رضخ زعيم الجمهوريين في مجلس النواب كيفن ماكارثي لضغوط الجناح اليميني في الحزب بإعلانه موافقته على بدء إجراءات ترمي إلى عزل الرئيس جو بايدن، وطلب من لجنة في مجلس النواب بدء تحقيقات رسمية في وجود أسباب موجبة لعزل بايدن، مشيرا إلى أن الرئيس الديموقراطي “كذب” على الشعب الأمريكي بشأن أعمال ابنه المثيرة للجدل في الخارج.
كل ذلك وضع التصريحات الأمريكية المتعالية عن الديمقراطية في دول العالم الأخرى، في طريق سلال النفايات السياسية، ووجدت من يرد عليها بسهولة بتساؤل ماذا عن “ديمقراطيتكم أيها الأمريكان، ألا تعاني من الحمى”؟
بل أن السويدي ستافان ليندبرغ رئيس معهد الديمقراطية وصف مقولة “أمريكا أقدم ديمقراطية في العالم” بالسخيفة.
بينما قال وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو إن بودابست لن تتسامح بعد اليوم مع انتقادات واشنطن فيما يتعلق بحالة الديمقراطية في البلاد، في ضوء الأحداث السياسية الأمريكية الأخيرة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال إن ما يحدث لترامب أمر جيد من وجهة نظر روسيا. فهذا يظهر كل فساد النظام السياسي الأمريكي، الذي لا يمكنه التظاهر بتعليم الآخرين الديمقراطية.
تتساءل الكاتبة شيريل جاكوبس عن مدى إمكانية اعتماد الغرب على الولايات المتحدة لقيادة العالم الحر عندما يستنزفها الشك الذاتي؟
وتجيب شيريل بأن الرئيس جو بايدن، المريض، يبدو أنه تجسيد للارتباك والانحدار الأمريكي. بينما أصبح اليمين الأمريكي منهكا بسبب نوع جديد من السخرية التآمرية.
وترى أن “الأمر الأكثر رعبا على الإطلاق هو المعركة الفكرية المحتدمة في أمريكا حول المعنى الحقيقي للحرية نفسها. إن تسمية هذا بالحرب الثقافية لا يعبر عن عمق الخلاف الفلسفي في البلاد”.
بينما رد بايدن، بالقول إنه يتفهم التركيز على سنّه لكنه سيخوض السباق إلى البيت الأبيض لأن دونالد ترامب يريد “تدمير” الديموقراطية الأمريكية.
ألا ترون بعد ذلك أن العالم برمته لا يرى أي دروس ديمقراطية أمريكية على الطاولة تستحق أن يتعلمها بعد الذي حصل في أفغانستان والعراق؟

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى