أخبار الرافدين
كرم نعمة

أخبار ليست سارة عن غسيل السمعة السياسي لإيران

إذا كان الماضي يغدق علينا بدروسه المفيدة، فإن الثقة بالمستقبل ليس درسا سياسيا، بل أقرب إلى الأمنيات الشخصية عندما يتعلق الأمر بسياسة إيران تحديدا، حيال دول المنطقة.
هناك إفراط ثقة سياسي بمستقبل العلاقة الإقليمية لدول المنطقة مع إيران، من دون أن يمتلك أولئك الذين يمارسون غسيل السمعة السياسي لإيران أي مؤشرات واقعية تجعلهم يدافعون عن ذلك.
السياسيون لا يعبرون عن أمنياتهم، بينما هم يتحدثون عن المستقبل الآمن بعمومية مطلقة بذريعة التغيرات الإقليمية، ويستندون على مشاريع اقتصادية ستعكس الرخاء على دول المنطقة وبما فيها إيران، وهذا يتطلب تهدئة سياسية وتوافقا مشتركا، لكن على ماذا يتم التوافق؟
قبل اتفاق بكين بين السعودية وإيران ببضعة أشهر حدثني زميل إعلامي سعودي ممن يديرون صناعة الخطاب في بلاده ومقرب إلى حد ما من مركز اتخاذ القرار، عن أن استراتيجية “قم أم القرى” الإيرانية ملف مفتوح بشكل دائم على طاولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كلما تعلق الأمر بالشأن الإيراني. هذا الملف لا يغيب عن أعين السعوديين لأدراك كبار المسؤولين الأمنيين هناك بأن إيران لا يمكن أن تتراجع عن تلك الاستراتيجية الساعية لنقل مركز العالم الإسلامي من مكة المكرمة إلى مدينة قم الإيرانية.
لكنني اليوم أشك بأن صديقي الإعلامي السعودي يمتلك ما يدافع به بشكل مقنع عن غسيل السمعة السياسي لإيران في وسائل الإعلام الرسمية، وعما إذا كان هذا الملف مازال مفتوحا على طاولة المسؤولين في بلده.
وحتى حوار الأمير محمد بن سلمان مع بريت باير، كبير المذيعين السياسيين بقناة “فوكس نيوز” الأمريكية، لم يقدم الإجابات الكافية، على أهمية ما قاله، بشأن مستقبل العلاقة من إيران. فهناك أكثر من السلاح النووي يمثل تهديدا وجوديا للسعودية من قبل إيران.
ومقابل تأكيد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن الاتفاق مع إيران قائم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الغير، هناك حزمة من الأسئلة تنتظر الإجابات، علينا كجامعي مؤشرات سياسية البحث عنها، وعدم الاكتفاء بالتعبير عن أمنياتنا، ومع أنه لا يوجد عاقل لا يرحب بالعلاقات السليمة بين البلدان، فأننا في الوقت نفسه نبحث عن “عاقل” يعبّر لنا عن ثقته بأن إيران تخلت عن مشروعها في الهيمنة على المنطقة، قبل تقديمها كدولة محبة للسلام والرفاهية لجيرانها.
يمكن لأي متابع أن يقول الكثير في هذا الشأن، فالعراق دولة مختطفة من قبل إيران، وأن غالبية قيادات الإطار التنسيقي الذي شكل حكومة محمد شياع السوداني، لا تخفي ولاءها المطلق للمرشد الإيراني علي خامنئي، بل أن زعماء ميليشيات يمتلكون حصة فعّالة في حكومة السوداني، يجهرون علنا بوعود تحقيق استراتيجيات “قم أم القرى” و “بناء قبور البقيع” في المستقبل القريب أو البعيد نسبيا!
هل يستطيع أيا من المدافعين عن قبول إيران بكونها دولة سلمية في الإقليم أن يحدثنا عن لبنان غير خاضع للهيمنة الإيرانية عبر حزب الله؟ سنكون في غاية السعادة، عندما يحدثنا عن تراجع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن كونه موظفا إيرانيا مخلصا لخامنئي قبل لبنان، وأن حزب الله ليس فصيلا فعالا في فيلق القدس الإيراني؟
من يستطيع أن يزعم أن لا أحد في لبنان قادر على الدفع برئيس جمهورية من دون استحصال موافقة إيران؟
ولدينا أكثر من ذلك عندما يتعلق الأمر بالحوثيين، فالأخبار ليست سارة لرافعي لواء غسيل السمعة السياسي لإيران، فكل المؤشرات بعد زيارة وفد الحوثيين إلى الرياض تؤكد أن السعودية توصلت إلى أنها لا تستطيع القضاء على تلك الميليشيا الإيرانية بلباس يمني بعد سنوات من “عاصفة الحزم”، وقبلت بهم كخاطفين “شرعيين”! للعاصمة صنعاء، وتعاملت معهم كمصدر أساسي في تحديد مستقبل اليمن!
ربما حصلت الرياض على ضمانة عدم قصف المنشآت السعودية بطائرات إيرانية مسيرة من قبل الحوثيين، لكنها في النتيجة تقول للحكومة “الشرعية” برئاسة رشاد العليمي! عليكم أن تتعاملوا مع الحوثيين كأمر واقع. وهذا يعني بالضرورة أن الرياض قبلت بالحوثيين كخنجر بيد الإيرانيين في خاصرتها.
لم تنفد بعد قائمة المؤشرات للذي يود جمعها، عن سياسية الهيمنة الإيرانية المستمرة بنجاح على دول المنطقة بما فيها الاذع النائمة في المنطقة الشرقية والبحرين والكويت، وستكون الأخبار كئيبة جدا للعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين، عندما تكمل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن خطتها بالقبول بإيران كقوة سياسية مهيمنة على المنطقة، وليس مجرد إنهاء العقوبات الاقتصادية عليها أو السماح بمجرى الأموال المجمدة بالتدفق تجاه طهران، بينما تستمر حكومات عربية مهددة بالأساس من قبل إيران بغسيل السمعة السياسي لخامنئي وإبراهيم رئيسي، بوصفهما “قديسي سلام”!!

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى