أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

أحزاب وميليشيات متنفذة تدير لصوص المياه في العراق

الميليشيات التابعة لإيران مثل كتائب حزب الله وكتائب الإمام علي ظلت بمنأى من المحاسبة الحكومية بشأن بحيرات المياه غير الشرعية التي تسيطر عليها في محافظتي كربلاء والنجف.

كتابة: ناتاشا هول وحسام صبحي
ترجمة: د. سعاد ناجي العزاوي

كانت بحيرة الحبانية في العراق ذات يوم منتجعاً ساحراً. كانت المنطقة محاطة بفندق وأكواخ وحدائق، وقد اجتذبت المشاهير المحليين والعالميين لسنوات بعد تطويرها في عام 1981.
وكانت المنطقة غنية بالمياه لدرجة أنه تم بناء بحيرة الرزازة في السبعينيات لاستيعاب فيضان بحيرة الحبانية. الآن، تتقلص كلتا البحيرتين بشكل مفاجئ. ومع ذلك، فحتى مع تناثر الأسماك الميتة على شواطئها المتوسعة، تظهر شبكة من المزارع السمكية غير المرخصة والأراضي الزراعية المروية حديثًا في مكان قريب.
إن تحدي القوى التي تقوم بتحويل مياه البحيرات ليس بالأمر الصعب فحسب، بل إنه محفوف بالمخاطر، حتى بالنسبة للحكومة العراقية.
وتقوم الميليشيات المدعومة من إيران والقوى السياسية النافذة بتوجيه مياه البحيرات إلى مشاريعها الخاصة. أفعالهم غير قانونية وغير مستدامة.
وتظهر صور الأقمار الصناعية تقلص بحيرة الحبانية في السنوات الأخيرة وتوسع المناطق الزراعية القريبة منها. وتُظهر أيضا انخفاضًا كبيرًا في حجم المياه بسبب انخفاض تدفق المياه من نهر الفرات والتبخر وتوسيع المساحات الزراعية باستخدام مؤشر المياه المختلفة الطبيعية (NDWI.
ويستخدم (NDWI) قياسات الطول الموجي للأشعة تحت الحمراء القريبة والأشعة تحت الحمراء لتحديد ومراقبة التغيرات في محتوى المياه السطحية.
وتُظهر الصور الحديثة زيادة كبيرة في المساحة الزراعية في القسم الشمالي الغربي السابق من بحيرة الحبانية، باستخدام مؤشر الاختلاف الطبيعي للغطاء النباتي (NDVI)الذي يستخدم الضوء المرئي والقريب من الأشعة تحت الحمراء المنعكس عن النباتات.
وفي حين أن السدود على منبع نهر الفرات قد قطعت تدفق المياه إلى العراق، فإن العقبات الأقرب التي تحول دون إدارة المياه بشكل أفضل هي التي تستنزف قدرة العراق على الانتقال إلى مسار أكثر استدامة.
وفي عام 2018، أفاد ديوان الرقابة المالية الاتحادي “في العراق” أنه تم إنشاء ما يقرب من 2000 بحيرة غير مرخصة في العراق بين عامي 2014 و2017 لأغراض الري وتربية الأسماك.
وأشار وزير الموارد المائية الحالي عون ذياب إلى أن عدد البحيرات غير الشرعية تضاعف ليصل إلى 5000 منذ ذلك الحين. وفي حين تحدد الحكومة حداً أقصى قدره 330 مليون متر مكعب من المياه لاستخدامها سنوياً في مزارع الأسماك، فإنه يقدر أن مزارعي الأسماك العراقيين يستخدمون 2 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، وهذه الكمية تعادل ضعف إجمالي ميزانية المياه السنوية في الأردن المجاور.
ولمعالجة هذه المشكلة، أطلقت الحكومة هذا العام حملة لإغلاق المزارع السمكية غير القانونية في محافظات بغداد والبصرة ونينوى. وكانت الحملة ناجحة جزئيا فقط. وعلى الرغم من أن هذه الجهود استنزفت أكثر من 2900 بحيرة غير مسجلة، إلا أن الميليشيات التابعة لإيران مثل كتائب حزب الله وكتائب الإمام علي ضمنت أن المناطق التي تسيطر عليها في محافظتي كربلاء والنجف ظلت بمنأى عن الاجراءات.
وفي الوقت نفسه، أدى التوسع الدراماتيكي للعتبة العباسية في كربلاء إلى استنزاف إمدادات المياه القريبة من بحيرة الرزازة.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية لبحيرة الرزازة خلال السنوات الخمس الماضية زيادة كبيرة في المناطق الزراعية غرب وجنوب البحيرة.

الحبانية كانت في يوم ما رئة العراق
وقد تطورت العديد من مؤسسات العتبة العباسية إلى تكتلات قوية، مدعومة بالتبرعات والإعانات من ديوان الوقف الشيعي، والإعفاء من الضرائب.
وتدير إحدى المؤسسات في كربلاء التي يرأسها المرجع علي السيستاني مزارع سمكية واسعة النطاق بالإضافة إلى مستشفياتها ومدارسها المعروفة.
وتستفيد مؤسسات الأضرحة من المياه الجوفية الموجودة في صحاري النجف. وتقوم الهيئة المشرفة على العتبة الحسينية بزراعة 400 هكتار من القمح في الصحراء. وقد ساعد نشاطها في انخفاض منسوب المياه الجوفية المحلي بمقدار 12 إلى 15 مترًا في موسم واحد.
وتعد المساءلة عن موارد المياه العذبة المتضائلة في العراق قضية ملحة، لكن التطورات الأخيرة في البلاد قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة.
وفي أواخر العام الماضي، أمرت الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني، بإنشاء شركة عامة مملوكة للميليشيات الموالية لإيران.
إن عمليات “شركة المهندس العامة للإنشاءات والهندسة والمقاولات الميكانيكية والزراعية والصناعية” غير شفافة، ويمكنها الحصول على عقود حكومية لمشاريع زراعية دون عملية مناقصة تنافسية.
في 21 آذار، أطلقت الشركة مشروعها الأول زراعة مليون شجرة في مساحة تبلغ حوالي 2000 ميل مربع في محافظة المثنى.
وتكافح المنطقة بالفعل لتوفير المياه لسكانها الحاليين، ويشعر الناشطون البيئيون بالقلق من أن مثل هذه المشاريع يمكن أن تزيد من تدهور الأمن المائي في البلاد. هذه المخاوف لها ما يبررها. وسيتم إعفاء الشركة من دفع تكاليف المياه والكهرباء والوقود والضرائب، وتنقل جميع المخاطر إلى الحكومة العراقية.
ولا يستطيع السياسيون إعطاء الأولوية لمستقبل العراق دون أن تتمحور المساءلة حول مصالح مواطنيه.
إن الفساد المستشري الذي تمثله شركة المهندس العامة لا يؤثر فقط على الميزانيات المالية، بل يؤدي أيضًا إلى تقليص ميزانية المياه في البلاد وتدهور أراضيها.
إن القوة الاقتصادية والسياسية المتصاعدة للميليشيات العراقية، والتي يتم تنظيم العديد منها تحت اسم “قوات الحشد الشعبي” المعترف بها من قبل الحكومة والتي لها علاقات مع مجموعات طائفية لا تعد ولا تحصى لها أجندات منفصلة، تزيد من تعقيد معالجة المشكلة الشاملة.
إن كسر دائرة العنف السياسي والفساد لن يكون بالمهمة السهلة. فالميليشيات المندمجة في الأعمال التجارية كثيفة الاستهلاك للمياه أو التي تستمد الأموال من حماية هذه الشركات، استهدفت بلا رحمة السياسيين والناشطين المدنيين لمجرد لفت الانتباه إلى قضايا المياه في العراق.
إن تحفيز مستخدمي المياه الثقيلة على تبني ممارسات تربية الأسماك المستدامة والزراعة المتجددة في مشاريعهم هو أحد الاحتمالات، ولكن الأمر صعب عندما يعطي السياسيون وأصحاب المصلحة الآخرون الأولوية للمكاسب قصيرة المدى على مستقبل البلاد على المدى الطويل. بعض جوانب إدارة المياه، مثل معالجة مياه الصرف الصحي، لا ينبغي أن تشكل تهديدًا لمستخدمي المياه، بل قد تقدم خيارات للتعاون. يحتاج صناع السياسات والجهات المانحة إلى فرز ما هو أكثر جدوى من الناحية السياسية من خلال تحديد أصحاب المصلحة لكل سياسة وبرنامج. مع وجود أحد أسرع معدلات النمو السكاني في المنطقة، وعلى العكس من ذلك، انخفاض المياه المتجددة لكل شخص، سيحتاج العراق إلى الدفاع عن أمنه المائي.
يجب على الحكومة العراقية توفير احتياجات عدد السكان الذي سيتضاعف تقريبًا بحلول عام 2050، مما يزيد الضغط على البنية التحتية للمياه والصرف الصحي تمامًا كما تندرج البلاد في فئة ندرة المياه حيث يقل نصيب الفرد من المياه المتجددة عن 1000 متر مكعب سنويا.
إن الطريق إلى الأمام صعب التصور وغير مضمون، ولكن لا توجد بدائل لبلد ينفد منه الوقت والمياه. والأمر الواضح هو أن تجاهل هذه المصالح الخاصة لصالح الوضع الراهن يشكل وصفة لكارثة.
———————————————————–
ناتاشا هول هي زميلة أولى في برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن
حسام صبحي عالم أحياء وناشط بيئي متخصص في العراق. وهو عضو مؤسس للمرصد الأخضر العراقي

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى