أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الأسواق العراقية مقبلة على “فوضى الدولار”

محللون اقتصاديون يصفون قرارات البنك المركزي العراقي بالترقيعية ويؤكدون أنها لن تحل أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار.

بغداد – الرافدين

أجمع خبراء مصرفيون واقتصاديون على أن قرار البنك المركزي العراقي بحصر التعامل التجاري الداخلي بالدينار ومنع تداول الدولار داخل البلاد، ينم عن مخاطرة كبيرة ويرفع من سطوة السوق السوداء، ومن سعر تصريف العملة.
وتوقعوا أن تدخل السوق العراقية في ما يمكن أن يسمى “فوضى الدولار” وتفقد السلطات سيطرتها، خصوصا في وضع اقتصادي وسياسي وأمني هش تشهده البلاد تحت وطأة طبقة اوليغارشية تحرك مفاصل الاقتصاد والصفقات وعملية غسيل الأموال القذرة.
وقالوا إن القرار اتخذ تحت وطأة تحذيرات أمريكية ضد البنك المركزي العراقي بفعل استمرار المخالفات في عمليات تحويل وتهريب الدولار.
وأدت عمليات تهريب الدولار من داخل البلاد إلى الدول المجاورة وخاصة إيران، إلى انخفاض قيمة الدينار العراقي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة، وخلق مصاعب للعديد من العراقيين الذين يعيشون في ظروف فقيرة.
وكان محافظ البنك المركزي العراقي علي محسن العلاق قد أعلن أن “العام المقبل سيشهد حصر التعاملات التجارية الداخلية بالدينار بدلًا من الدولار، باستثناء تلك التي تسلم للمسافرين”.
وقال إن “البنك ماضٍ في الاستغناء عن التحويلات الخارجية، إذ تعتمد المصارف التجارية على بنوك مراسلة في التحويلات الخارجية”.
وأكد على أن البنك يسعى لفتح قنوات تواصل مباشرة للبنوك العراقية، مع نظيرتها الأجنبية في المراسلات والتبادل التجاري”.
وأضاف أن “العمل جارٍ للتحويل بعملات مختلفة من بينها: اليورو، والدرهم الإماراتي، والليرة التركية، والروبية الهندية”.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية في تموز الماضي عقوبات على 14 مصرفًا أهليًا في العراق، بعد اتهامها بتسهيل عمليات إرسال الدولار إلى إيران، وهو ما تحاول الولايات المتحدة منعه كجزء من العقوبات المفروضة على إيران.
وقلل متخصصون ونواب، من تأثير قرارات البنك المركزي الجديدة على منع التعامل التجاري بالدولار وحصر المصارف المجازة بعمليات التحويل المالي، مؤكدين أن كل القرارات التي أصدرها البنك والحكومة لن تسيطر على سعر الصرف، أو تعيد استقراره في السوق المحلية، ما لم تتم السيطرة على عمليات تهريب الأموال خاصة إلى إيران.
وقال الخبير في الشأن الاقتصادي نبيل المرسومي، إن “قرار البنك المركزي العراقي بالاستغناء عن التحويلات الخارجية واعتماد المصارف المجازة في العراق على بنوك مراسلة في عمليات التحويل الخارجي، هو إجراء لتنظيم عملية تحويل الأموال، وليس له أي علاقة بقضية خفض سعر الدولار إطلاقا”.

نبيل المرسومي: حصر التعاملات التجارية بالدينار العراقي، لن يكون له أي تأثير بقضية خفض سعر الدولار في السوق الموازي

وأوضح أن “قرار البنك المركزي بشأن حصر التعاملات التجارية الداخلية وغيرها بالدينار العراقي بدلاً من الدولار، لن يكون له أي تأثير بقضية خفض سعر الدولار في السوق الموازي، لكن البنك المركزي يريد من هذه الخطوة القضاء على ظاهرة الدولرة، وهي منع التعامل بالدولار في السوق المحلي من خلال شراء البضائع أو السيارات أو العقارات”. وعبر عن اعتقاده أن هذا الأمر يصعب تنفيذه، وبالتالي فإن البنك المركزي أراد من هذه الخطوة خلق استعراض إعلامي لا أكثر.
وأكد على أن البنك المركزي العراقي، أصدر توجيها بإجراء حوالات من العراق بعملات اليورو، أو الدرهم الإماراتي، أو الليرة التركية، أو الروبية الهندية، وهذا الامر معمول به في الكثير من دول المنطقة والعالم، لكن تبقى مشكلة العراق هو أن صادراته النفطية تسلم بالدولار وبالتالي فإن إيراداته تكون بالدولار، وتحويل هذه الأموال إلى عملات أخرى يفقدها الأهمية، كما أن مخزون العراق من تلك العملات هو محدود جدًا بسبب عدم وجود أية إيرادات من الصادرات غير النفطية بالتعامل بهكذا عملات”.
وأشار إلى أن “ارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازي، هو بسبب عملية نقل أموال من أجل تسديد المستحقات التجارية ما بين العراق وايران، خصوصًا وأن إيران تصدر للعراق سنويا أكثر من 10 مليارات دولار، فضلا عن المسافرين العراقيين إلى إيران، فهم يأخذون الدولار من السوق الموازي حصرًا، لأنهم ممنوعون من تسلم الدولار عبر المصارف لأغراض السفر، بسبب العقوبات على إيران”.
يذكر أن سعر صرف الدولار، قفز قبل نحو 10 أيام، في السوق المحلية إلى 156 ألف دينار لكل 100 دولار، بعد أن كان بحدود 153 ألف دينار لكل 100 دولار، وقبل يومين عاد ليبلغ 153 ألف دينار لكل 100 دولار.
وقال المختص في الشأن المالي ناصر الكناني، إن “كل القرارات التي اتخذها البنك المركزي العراقي، منذ بداية أزمة الدولار وحتى اليوم هي إجراءات ترقيعية وليس فيها أي حلول للأزمة الحقيقية، ولهذا نرى الدولار يرتفع بشكل شبه يومي، ونتوقع ارتفاعه بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة”.

ناصر الكناني: إجراءات البنك المركزي العراقي ترقيعية وليس فيها أي حلول للازمة الحقيقية

وأكد على أن أزمة الدولار سببها الرئيس هو الحوالات السود، خصوصًا مع الجانب الإيراني، ولهذا صغار التجار يعملون على جمع الدولار من السوق الموازي من أجل دفع أموال تلك البضائع، وهذه القضية المهمة لم تجد لها الحكومة أو البنك المركزي أي حلول، رغم هي سبب الأزمة الرئيس.
ولفت إلى أن الدولار لم يشهد أي انخفاض، مع استمرار الحوالات السود، بل على العكس ربما يشهد ارتفاعا، وهذا التذبذب في سعر الصرف في السوق المحلي، سيكون له تداعيات في رفع أسعار البضائع المختلفة، خصوصاً وأن هناك تجار يستغلون هكذا ظروف من أجل زيادة أرباحهم من خلال التلاعب بالأسعار.
إلا أن المسؤول السابق في البنك المركزي محمود داغر، قال إنه “يخطئ من يعتقد أن السياسة النقدية في العراق يمكن ان تعمل لوحدها، بل يجب ان تعمل على اتساق مع السياسة المالية والتجارية، ليكون نموذج السياسة الاقتصادية للعراق صالحًا”.
وأضاف “أسعار الصرف هي لُب السياسة النقدية في العراق، لأننا نستورد كل شيء ولا نصنع ولا نزرع، وبالتالي تكون السياسة التجارية هي على تماس مباشر بالسياسة النقدية وتعينها للوصول لنتائج جيدة”، مبيناً أن “السياسة التجارية هي المسؤولة عن دخول البضائع من دول لا يمتلك العراق معها تعاملات مصرفية، والتي تدفع لها أثمان بالدولار الأسود، إضافة الى وجود منافذ غير رسمية ودخول بضائع من غير ضرائب جمركية”.

محمود داغر: عملية منع التعامل بالدولار ستخلق طلبًا على الدولار مما سيؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف

وأوضح محمود داغر مدير عام إدارة الدين الأسبق في البنك المركزي، أن “هذه العملية تخلق طلبًا إضافيا على الدولار خارج المنصة المعتمدة من قبل البنك المركزي وخارج السياسة النقدية للعراق مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الصرف”، مشددًا على أن “الحل الوحيد، هو ربط جميع تعاملات الدول بالنظام المصرفي وضبط المنافذ ودخول البضائع”.
ومع ارتفاع سعر صرف الدولار داخل العراق يلجأ غالبية المسافرين إلى خارج العراق إلى السوق الموازي لتأمين الدولار.
وقال رئيس غرفة تجارة ديالى، محمد التميمي إن “ارتفاع الدولار لن يتوقف لأسباب عدة منها لجوء 90 بالمائة من المسافرين خارج البلاد إلى السوق الموازي لتأمين الدولار بسبب التعقيدات وضبابية الإجراءات”.
ولفت إلى أنه بشكل شخصي لم يحصل على الدولار من خلال المنافذ المعتمدة بالسعر الرسمي لغرض السفر رغم محاولاته المتكررة فما بالك بالبسطاء من المواطنين.
وكان البنك المركزي العراقي، قد اتخذ مؤخرًا إجراءات جديدة ضمن آلية صرف الدولار إلى المسافرين بغرض منع التحايل، وفق ما أفادت به اللجنة المالية في البرلمان.
وأوضح التميمي أن “ارتفاع الدولار تعني زيادة الأسعار وبالتالي استنزاف جيوب البسطاء ممن يتأثروا بشكل مباشر، فضلا عن وجود أغلبهم تحت خطر الفقر في كل المحافظات”.
وقال عضو اللجنة المالية النائب معين الكاظمي إن “البنك المركزي اتخذ في الآونة الأخيرة عدة إجراءات، آخرها البصمة وكاميرا ويب لغرض صرف 3000 دولار إلى المسافرين الحقيقيين وعدم تكرارها مع أكثر من شخص بأكثر من مرة”.
وبين أن “بعض الأشخاص أصبحوا يستخدمون الحيل من أجل استلام الدولار بالسعر الرسمي من خلال شراء 50-100 تذكرة سفر وسمة دخول (فيزا) عن الطريق البر التي يكون سعرها 25 دولار بالتواطؤ مع شركات السياحة والصرافة”، مشيرًا إلى أن “هؤلاء الأشخاص يتسلمون على كل جواز سفر 3 آلاف دولار، وبعدها بشهر يكررون نفس سمة الدخول يستلمون 3 آلاف دولار مرة أخرى لذات الجوازات”.
وأضاف أن “المسافرين الحقيقين قد حرموا من استلام الدولار، بسبب هؤلاء الأشخاص وتواطؤ شركات السفر والصرافة، وأن الإجراءات الأخيرة ستمنع عملية التحايل هذه من الاستمرار”.
وكان الخبير المالي في سوق بغداد للأوراق المالية حسام الخيزران قد أكد في وقت سابق، أن “المضاربة المتواصلة بالعملة الصعبة، والتهريب ما زالا يهددان قيمة الدينار العراقي”.
وأضاف الخيزران أن “شبكات التهريب والمضاربة وجدت طرقًا جديدة لتجنب إجراءات البنك المركزي”، داعيًا “السلطات للقيام بخطوات جديدة لمعالجة أزمة تدهور قيمة العملة الوطنية”.
واعتبر أن “الأسر تدفع الثمن الأكبر، لكون أغلب المواد الغذائية مستوردة وترتبط بالدولار وليس الدينار”، متوقعًا “ارتفاعًا جديدًا في معدلات الفقر بحال استمرار حالة تراجع قيمة الدينار وعدم الاستقرار”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى