أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

في اليوم الدولي للاعنف العراقيون تحت وطأة هشاشة الوضع الأمني

ازدياد النزاعات المسلحة نتيجة لضعف تطبيق القانون وانتشار السلاح المنفلت وسطوة الميليشيات وتجارة بيع السلاح التي يديرها متنفذون مرتبطون بأحزاب السلطة.

بغداد ــ الرافدين
أعربت منظمات محلية ودولية عن مخاوفها من استمرار الاستهتار بحياة المواطن العراقي في ظل استفحال الصراعات الدموية التي تعبر عن فشل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني وعدم سيطرتها على الملف الأمني وحماية العراقيين.
وأصبحت مظاهر السلاح المنفلت والتدهور الأمني والاعتقالات التعسفية التي تستهدف معارضي ومنتقدي الأحزاب والميليشيات وغياب القانون من الظواهر الشائعة في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة.
ويحتفل العالم في الثاني من تشرين الأول من كل عام باليوم الدولي للاعنف الذي اقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2007، وهو مناسبة لنشر رسالة اللاعنف في العالم. فيما يعش العراق منذ عام 2003 واقعا أمنيا منفلتا أودى بحياة مئات الآلاف من المدنيين.
ويهدف مبدأ اللاعنف إلى تحقيق التغيير الاجتماعي أو السياسي ويرفض استخدام العنف بمختلف أنواعه ضد الأبرياء والعزل.
ويؤكد على الأهمية العالمية لمبدأ اللاعنف والرغبة في تأمين ثقافة السلام والتسامح والتفاهم واللاعنف وتحقيق العدل بين أفراد المجتمع.
وتعقد في هذه المناسبة العديد من الندوات والمحاضرات التي تدعوا إلى نبذ العنف والعيش بسلام، إلا أن ذلك لا يطبق على أرض الواقع في عراق ما بعد 2003، حيث تتصدر حالات القتل والقصف والاغتيالات والنزاعات العشائرية وغيرها من الاعتداءات التي باتت من المشاهد اليومية المألوفة لدى الشعب العراقي.
وصنف معهد الاقتصاد والسلام العالمي العراق ضمن قائمة البلدان الأكثر خطرًا لعام 2023 في ظل استمرار تداعيات الحرب والعنف الممنهج ضد المواطنين.
وحل العراق بالمرتبة 154 عالميًا في المؤشر الأحمر من حيث تدني مستويات الأمان فيه وارتفاع معدلات جرائم القتل والجرائم العنيفة والإرهاب والفساد وعدم الاستقرار السياسي واستخدام العنف ضد المتظاهرين وانتشار السلاح المنفلت.
وأجمع مراقبون على أن إنهاء مشكلة السلاح المنفلت مستحيلة التنفيذ في المدن العراقية في ظل وجود الأحزاب والميليشيات التي تهيمن على مقاليد الحكم في البلاد.
وتشهد المحافظات العراقية تصاعدًا في ظاهرة النزاعات العشائرية التي تتسبب في سقوط قتلى وجرحى بالإضافة إلى خسائر مادية بالممتلكات الخاصة والعامة، وسط محاولات خجولة من المؤسسات الأمنية من أجل فضها والتي بالغالب لا تثمر إلا عن تهدئة مؤقتة تدل على هشاشة الوضع الأمني.
وتعد النزاعات العشائرية في مناطق جنوب العراق ووسطه إحدى أبرز المشاكل الأمنية التي تعاني منها تلك المناطق، إذ تشهد البلاد من وقت لآخر مواجهات مسلحة توقع قتلى وجرحى بين المدنيين نتيجة الرمي العشوائي واستخدام القذائف الصاروخية.
وتزداد النزاعات المسلحة نتيجة لضعف الحكومة وانتشار السلاح المنفلت وسطوة الميليشيات المسلحة فضلًا عن تجارة بيع السلاح التي يديرها متنفذون ينتمون إلى الميليشيات.
ومنذ مطلع العام الحالي، يؤكد مسؤولون أمنيون وقوع أكثر من 200 نزاع عشائري مسلح في مختلف مناطق البلاد، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات.
وكانت البصرة وذي قار وميسان وبغداد الأولى في معدل تلك المشاكل الأمنية.
ويتداول الناشطون العراقيون على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لتلك المعارك والقصف المتبادل، منتقدين ما سموه غياب سلطة الدولة والقانون.
وتؤكد المصادر الأمنية أن سلاح العشائر ينافس سلاح الميليشيات والعصابات المنظمة، في ظل ضعف القانون وقوات الأمن التي عادة ما تتراجع أمام هذه الهجمات.
ويرى الباحث الاجتماعي زهير الطائي، أن أسباب ارتفاع النزاعات العشائرية في العراق تعود إلى ضعف تطبيق القانون، معتبرًا أن نظام المحاصصة السياسية أسهم في تغذية التنافس القبلي، وجعل منه بلدًا مقسما إلى عدة هويات داخل السياسة والمجتمع ومتصارعة في داخلها وبينها.

د. هلال الدليمي: الانفلات الأمني أحد أساليب شركاء العملية السياسية للمحافظة على وجودهم في السلطة

ويعد السلاح المنفلت في العراق واحدًا من أخطر مشكلات البلاد، لما له من تأثيرات كبيرة على الأمن المجتمعي.
ومنذ عام 2005 وحتى اليوم رفعت الحكومات المتعاقبة شعار “حصر السلاح بيد الدولة” فيما لا يبدو أن هناك خطوات فعالة لتنفيذه على أرض الواقع.
وقال الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور هلال الدليمي إن الانفلات الأمني واستحداث المشاكل أساليب يستخدمها شركاء العملية السياسية للمحافظة على وجودهم في السلطة.
وأضاف الدليمي في تصريح لقناة “الرافدين”، هناك أجندات خارجية تسعى إلى استمرار الفوضى في العراق خدمة لمصالحها داخل البلاد والمنطقة.
وأشار إلى أن إيران هي من تدير العملية السياسية في العراق عن طريق أذرعها من الميليشيات والأحزاب الموالية لها.
وأكد عراقيون أن الميليشيات المنفلتة ليست بعيدة عن التوترات الأمنية وارتكاب الجرائم بهدف زعزعة الأمن.
وقال النائب هادي السلامي إن الكثير من القوى السياسية لا تتحدث عن أسلحة العشائر، لوجود علاقات تخادم سياسي واقتصادي بينهم، معتبرًا أن كل الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 فشلت في احتواء أزمة السلاح وتهديده للسلم الأهلي.
وقال علي سعدون المياحي وهو أحد وجهاء محافظة البصرة، إن الفصائل المسلحة هي من تقف وراء التدهور الأمني بالمحافظة وبدوافع سياسية.
وأوضح أن أغلب الاغتيالات التي طالت المواطنين البسطاء ليس لديهم أي ارتباطات سياسية، ما يعني أن اغتيالهم يهدف إلى زعزعة الأمن في المحافظة وأن أغلب مرتكبي هذه الجرائم ظلوا طلقاء.
وأشار المياحي إلى أن تلك الميليشيات لها تأثير قوي على الأجهزة الأمنية والقادة الأمنيين، مما مكنها من ممارسة ضغوط على هؤلاء لتسويغ عمليات الاغتيال والتكتم عليها.
وسبق أن حذرت هيئة علماء المسلمين في العراق من تداعيات التدهور الأمني وانتشار السلاح المنفلت بيد الميليشيات والتي تعمل على استهداف الناشطين المطالبين بالحقوق المشروعة.
وسلط التقرير السنوي للهيئة الضوء على فشل السلطات الحكومية أو عدم رغبتها في مساءلة مرتكبي الانتهاكات الخطرة لحقوق الإنسان التي تشمل أعمال القتل واستخدام القوة المفرط ضد الناشطين المدنيين والمتظاهرين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان وما يطال هذه الفئات من احتجاز تعسفي وسوء معاملة وتعذيب.
وركز التقرير على استخدام القوة المميتة المفرط والادعاءات بارتكاب أعمال قتل خارج نطاق القضاء، حيث توثق شهادات ذات مصداقية عالية بشأن حصول أعمال قتل خارج نطاق القضاء خلال عمليات مكافحة الإرهاب المزعوم المنفذة في مناطق حزام بغداد ومناطق أخرى من البلاد.
وتشير روايات الشهود إلى سيادة نمط تمثل في القيام بحملات مداهمة واعتقال بهدف توقيف “المجرمين” من دون وجود مذكرة قضائية بحقهم وقتل شباب يافعين في بيوتهم في بعض الحالات، وتزوير قوات الأمن للأحداث في معظم الأحيان حتى يبدو أن أعمال القتل حصلت خلال تبادل إطلاق النيران.
ويشير هذا الفشل في تقديم قوات الأمن إلى المساءلة لارتكابها هذه الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان إلى أن سيادة القانون غائبة عمليًا في العراق، ما يؤكد أن الحكومة غير قادرة أو غير راغبة في ملاحقة الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يستدعي إشراك المحكمة الجنائية الدولية في هذه المسألة.

المؤسسات الأمنية ضعيفة وتفتقر إلى العقيدة والانضباط

وذكر موقع أتلانتيك كاونسل الأمريكي أنه لا حل سحري لمعالجة نقاط الضعف الأمنية في العراق حيث تفتقر الأجهزة الأمنية للطابع المهني بعد تسييسها بالتزامن مع تنامي نفوذ الميليشيات.
وأوضح الموقع في تقريره أن أحزابًا متنفذة عملت على رهن القطاع الأمني لعملية المحاصصة التي جعلت البعض أكثر ولاءًا واستجابة لكيانات سياسية بدلًا من العراق فضلًا عن افتقار المؤسسات الأمنية لأدوات النجاح من التدريب والتجهيز إلى العقيدة والانضباط والمساءلة على جميع المستويات.
وسبق أن أكدت نقابة المحامين العراقيين على أن العنف الأمني المستمر في البلاد يعكس مدى الانحطاط والتردي في بعض مفاصل القوى الأمنية.
ولفتت النقابة إلى استخدام أحد منتسبي القوات الأمنية لقوة الدولة في خدمة صراعات شخصية وفردية هو خير دليل على انعدام التنظيم داخل المؤسسة الأمنية، ويشير إلى ضعف العلاقة بين القضاء والأجهزة الأمنية.
وقال موقع المونيتور الأمريكي إن الوضع الأمني المتوتر في البلاد تقف خلفه الميليشيات الموالية لإيران التي تستخدم سلاحها للضغط من أجل الحصول على مناصب حكومية.
وأشار إلى أن مناطق حزام بغداد لم تسلم من الطائفية ومحاولات تغيير ديموغرافيتها والتهجير القسري ومنع سكانها من العودة إلى منازلهم بعد وصمهم بدون أدلة بالإرهاب على يد الميليشيات وهو الأمر الذي يهدد بجر العراق إلى الهاوية.
وتعهد رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني ضمن برنامجه الحكومي بإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة، وهو التحدي الذي أثيرت حوله شكوك سياسية على قدرته بالوفاء به.
وأجمع خبراء ومراقبون أمنيون على أن وزير الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي عبد الأمير الشمري، يبيع الوهم الأمني وهو يزعم بأن الحكومة مستمرة في إنهاء النزاعات العشائرية في محافظة ميسان والسيطرة على السلاح المنفلت.
ووصفوا تصريحات وزير الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي عن وضع خطة استراتيجية لحصر السلاح بيد الدولة، بـ “كوميديا الوعود الزائفة” التي امتهنتها حكومة محمد شياع السوداني.
وأكدوا على أن الشمري يدرك، بأن السلاح المنفلت الذي بحوزة الميليشيات والعشائر والأفراد أكبر من قدرة الحكومة على جمعه، لأن الأمر مرتبط بقرار سياسي وليس بوعود إعلامية زائفة امتهنتها الحكومة الحالية.
وقلل الباحث بالشأن العراقي علي الحديدي، من أهمية خطوات حكومة الإطار التنسيقي بحصر السلاح المنفلت بيد الدولة.
وأضاف أن ما تقوم به وزارة الداخلية مجرد حملات إعلامية ووعود بتنفيذ خطط طويلة الأمد بهذا الاتجاه وأنها لا تمثل أي خطوة فعلية حقيقية لحصر السلاح.
وقال النائب حيدر الحسناوي إن إنهاء مشكلة السلاح المنفلت مستحيل التنفيذ مع وجود قوى السلاح التي تمسك بالسلطة.
واعتبر الحسناوي أن أي خطوة من قبل الحكومة محاولة خجولة، وهذه الإجراءات التي تقوم بها هي إجراءات روتينية، سبقتها إليها كل الحكومات السابقة، ولم تحقق أي نتائج تذكر، مشيرًا إلى أن الميليشيات المسلحة أقوى من الجهات الحكومية، وأن الفساد وجميع المشكلات في العراق سببها السلاح المنفلت.
وأكد النائب السابق عدنان الدنبوس، أن وزارة الداخلية عاجزة عن سحب الأسلحة من الجهات التي تحظى بغطاء ونفوذ سياسي.
وقال الدنبوس إن العشائر في المناطق البعيدة لا تستطيع الدولة الوصول إليها وسحب أسلحتها كما أن قضية التهديد بالعنف لن تجدي معها نفعًا.
وقال الكاتب داوود البصري، إن حكومة الإطار هي حكومة الميليشيات الموالية لإيران، ورئيس الوزراء يلعب دور الواجهة فقط، ولا يملك من أمره شيئا كسابقيه.
وأضاف البصري في تصريح لقناة “الرافدين” أن “الميليشيات الطائفية هي صاحبة القرار في العراق والحكومة عاجزة أمامها لأنها مدعومة من إيران”.

السلاح المنفلت ظاهرة لم تعهدها البلاد قبل 2003
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى