أهالي ضحايا فاجعة الحمدانية يطالبون بإجراء تحقيق دولي
القس بطرس شيتو: الفساد المستشري في البلاد ونفوذ الميليشيات المسلحة على الحكومة كان أحد العوامل التي أدت إلى اندلاع حريق الحمدانية.
نينوى – الرافدين
دعا قساوسة مسيحيون إلى إجراء تحقيق دولي في حريق حفل زفاف مميت أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص في بلدة الحمدانية في محافظة نينوى وانتقدوا التحقيق الحكومي، والذي ألقى باللوم في الحريق على الإهمال ونقص الإجراءات الاحترازية.
وقال قس عراقي إن الفساد المستشري في البلاد ونفوذ الميليشيات المسلحة على الحكومة كان أحد العوامل التي أدت إلى اندلاع الحريق.
وتحدث القس بطرس شيتو، لوكالة “أسوشيتد برس” عبر الهاتف من بلدة قرقوش، حيث دُفن خمسة أفراد من عائلته، بمن فيهم شقيقته العراقية الأمريكية، صباح الاثنين. مؤكدًا على أن الحريق كان متعمدًا.
وأضاف “نحن نرفض فكرة أن سبب الحريق كان حادثًا. نحن واثقون من أنه كان متعمدًا ولذلك نطالب بإجراء تحقيق دولي”.
وفقد القس بطرس عشرة من أقاربه، بينهم شقيقته فاتن شيتو، التي سافرت إلى العراق من منزلها في ولاية أريزونا لحضور حفل الزفاف، حياتهم جراء الحريق.
وقال رئيس أساقفة الموصل للسريان الكاثوليك بنديكتوس يونان حنو، إن التحقيق يجب أن يتم تحت “إشراف محققين دوليين”، وأضاف أنه وآخرين من المسيحيين العراقيين لا يقبلون نتائج التحقيق الحكومي.

وأضاف حنو أن “هناك أشياء غير منطقية في هذا التحقيق والإعفاءات طالت مدراء الدوائر الموجودين في الحمدانية وكأنهم هم فقط الفاسدون”.
وأشار إلى أن “إجراءات اللجنة التحقيقية لم تكن قانونية حسب ما ينص عليه قانون انضباط موظفي الدولة والقوانين المرعية، ولم يجر أي تحقيق إداري في الموضوع”.
وشدد على أن “الإجراءات كانت سريعة للخروج بنتائج وتوصيات هدفها تهدئة أهالي الضحايا والشارع العراقي”.
وأكد رئيس طائفة السريان الأرثوذكس في الموصل وكركوك وكردستان العراق، المطران نيقوديموس داوود شرف، أن الفساد سبب كل الكوارث في العراق، مطالبًا الرئاسات الثلاث بالاستقالة، مشيرًا إلى أن “فاجعة الحمدانية لو حدثت في أي دولة أخرى لاستقال المسؤولون”.
وقال “أي مسؤول ذو كرامة يجب أن يستقيل بسبب حادثة الحمدانية والاقرار بأنه لا يصلح لمنصبه، لأنه فشل في الحفاظ على أرواح الناس”.
ووصف زيارة المسؤولين للمنطقة وإلى المصابين لا تخفف من معاناة أهالي الحمدانية.
وشدد المطران شرف على أن العراق “أصبح عفنًا من الرأس”.
واتهم الحكومات المتعاقبة بتهميش المسيحيين، بل المواطن العراقي ككل مشيرًا إلى أن مطالبهم لا تستجاب منذ 2003.
وقال الكاردينال لويس رافائيل ساكو بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم، إن الحريق “نفذه شخص باع ضميره وأمته من أجل أجندة محددة”.
وأضاف أن “العراقيين قد تعبوا من الشعارات والوعود التي لا أثر لها على أرض الواقع”.
واقترح ساكو “تشكيل أزمة خلية لدراسة المواقف بموضوعية وعدم ترك المجال أمام جهات معروفة، لإلصاق التهم، وتصفية حسابات”.
وقال الناشط المسيحي طارق بولص إن الكاردينال لويس ساكو يقصد ميليشيا “بابليون” التي تفرض سيطرتها بشكل كامل على قضاء الحمدانية، وتتوسع في مشاريعها الاستثمارية من خلال بناء المدارس الأهلية والمستشفيات وقاعات الأعراس.
وأكد بولص على أن الحكومة تتماهى مع زعيم ميليشيا بابليون ريان الكلداني لمراعاة المصالح المشتركة التي تجمعهم على حساب أوجاع المسيحيين في البلاد.

ويرى مراقبون أن نتائج التحقيق كانت متوقعة سلفًا وأن القضية ستلقى مآل قضية عبارة الموصل، دون أن تطال أصحاب النفوذ والحماية من ساسة وزعماء ميليشيات الذين يهيمنون على جميع مقدرات البلاد.
ووصفوا فاجعة الحمدانية حلقة جديدة في سلسة طويلة من مآسي العراقيين ومثالًا فاضحًا على استهانة الحكومة المتعاقبة بأرواح العراقيين.
وقال محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي إن “سيطرة الفصائل المسلحة على المشاريع والفرص الاستثمارية عبر ما يعرف بالمكاتب الاقتصادية التابعة لها، سبب رئيسي لاستمرار النكبات، يضاف إلى ضعف الإدارة في مواجهة المتنفذين”.
وأضاف أن ما حصل في قاعة الحمدانية جزء من عمليات الفساد والسيطرة، التي دفعت إلى بناء قاعة دون أي موافقات رسمية وخالية من كل شروط السلامة والأمان.
في غضون ذلك عبر قساوسة عن مخاوفهم أن يكون أن معظم الموظفين الرسميين المسيحيين في الحمدانية ضحية لعبة سياسية ترتبها حكومة الإطار التنسيقي مع ميليشيا “بايليون” المنضوية في الحشد الشعبي بزعامة ريان الكلداني.
ونقلت مصادر صحافية عربية عن قيادات في الكنيسة الكاثوليكية، خشيتها من أن تُتخذ قضية الحريق ذريعة لتصفية الحسابات، وإقالة مسؤولين محليين من المسيحيين لصالح خصومهم من أتباع الكلداني الذي يعمل لاستثمار فاجعة الحريق لتحقيق مآرب سياسية بدعم من قيادة الحشد الشعبي.
وأعلن وزير الداخلية عبد الأمير الشمري نتائج التحقيقات بفاجعة الحمدانية التي لم تشمل سوى تفاصيل وصفية عن ظروف نشوب الحريق في قاعة المناسبات، بينما تجنب الحديث عن الفاعل الحقيقي والفساد المحمي سياسيًا.
وأشار إلى أنه تقرر إعفاء قائمقام قضاء الحمدانية، ومدير بلدية قضاء الحمدانية، ومدير شعبة التصنيف السياحي في نينوى، ومدير مركز صيانة قضاء الحمدانية، ومدير قسم الإطفاء في نينوى، ومدير الدفاع المدني من مناصبهم.
ووصف الحزب الديمقراطي الكردستاني بيان اللجنة التحقيقية الخاصة عن أسباب الحريق بـ “المخجلة ومعيبة”.
وقال القيادي في الحزب وفا محمد إن نتائج اللجنة التحقيقية الخاصة بحريق الحمدانية، تعد استهانة بأرواح الضحايا، مؤكدًا على أن اللجان التحقيقية دائما ما تكون خاضعة لجهات سياسية، وتـستخدم لمصالحها الحزبية والشخصية، مبينًا أن اللجنة لم تستطع توجيه الاتهام للفاسد الحقيقي.
وأكد على أن اللجنة عملت على إقالة الأسماء الصغيرة، ككبش فداء أمام الحيتان الكبيرة.

وقال الكاتب السياسي أحمد صبري إن “نتائج التحقيقات بفواجع العراق هي واحدة حيث دأبت السلطة الحاكمة على تسويف النتائج وإخفاء الحقيقة وتشويهها، لذلك نرى عمل لجان التحقيق الحكومية روتينية وغير فاعلة وبالتالي لا تؤشر بشكل مباشر على المتسببين لهذه الفواجع”.
وأضاف صبري في تصريح لقناة “الرافدين” الفضائية أن “معظم اللجان التي شكلت في قضايا مماثلة لم تصل إلى نتائج حقيقة وبالتالي ما حدث في قضاء الحمدانية نتيجة طبيعة لاستشراء الفساد وغياب المحاسبة”.
ولفت إلى أن “حكومة السوداني لن تسمح بتدويل فاجعة الحمدانية ووضع المسؤولين الحقيقين عن الجريمة في دائرة الاتهام لأن ذلك فيه ضرر على مصالحها ويعرضها للمساءلة أمام المجتمع الدولي”.
وشدد على أن الميليشيات تتوغل في مفاصل الدولة وتحمي الفاسدين والمجرمين وتتحمل مسؤولية الكثير من الفواجع التي حلت بالعراقيين كحريق الحمدانية وغرق عبارة الموصل.