أخبار الرافدين
كرم نعمة

انكسار “الغطرسة الإسرائيلية”

كان اللواء الياباني ياماموتو، وهو يتلقى أخبار عودة أسراب طائرات بلاده بعد أن دمرت الأسطول الأمريكي القابع في المحيط الهادئ في قاعدته البحرية في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي عام 1941، يستمع إلى حماس كبار الضباط لديه بتكرار الغارات. لكنه قال لهم، مهما تكن خسائر العدو، لقد انتهى وقت المباغتة الأولى الذي كان أهم عوامل النجاح في تدمير الأسطول الأمريكي.
المباغتة في ذلك الهجوم الياباني أسفرت عن إغراق أربع بوارج حربية أمريكية، وتدمير أربع بارجات أخرى. أغرق اليابانيون أيضا ثلاثة طراريد، وثلاث مدمرات، وزارعة ألغام واحدة، بالإضافة إلى تدمير 188 طائرة. كما أسفرت الهجمات عن مقتل 2402 أمريكي.
مقابل ذلك ما زالت أرقام الخسائر متغيرة في الجانب “الإسرائيلي” مع استمرار معركة “طوفان الأقصى”. وما يجمع المعركتين الفلسطينية واليابانية عامل المباغتة، مع أنه يفرّق بينهما عقود تمتد على أكثر من ثمانين عامًا.
المفاجأة من قبل حماس هو ما جعل غطرسة نتنياهو تعترف في واحدة من المرات النادرة بانكساره ووصف الحال بـ “اليوم القاتم”.
وذلك أيضًا، ما جعل وسائل الإعلام “الإسرائيلية” تبحث عن “الأسطورة الأمنية” التي لا يمكن المساس بها، وظل المستوطنون ملتصقين بشاشات تلفزيوناتهم بينما كان الآخرون محبوسين في غرف الذعر الخاصة بهم من شروق الشمس حتى غروبها، يطلبون المساعدة.
بل أن المحلل العسكري آفي بنياهو أضطر للاعتراف بـ “انهيار الجدار الذي بنته إسرائيل بمليارات الشواكل” قائلا “منذ ساعات وأنا أجلس أمام الشاشة، أطحن أسناني وأفرك عيني في دهشة، لأنه لم يكن هناك شيء كهذا في تاريخ إسرائيل”.
إنه في هذا الكلام يقر بأن الغطرسة الإسرائيلية انكسرت ولا يمكن أن تعود كما كانت، بل أن الحكومات العربية، التي كانت تعتقد أن استقرارها يبدأ من التطبيع تعيد التفكير مليًا بأوضاعها السياسية اليوم!
هناك فشل استراتيجي حكومي عربي لم تنفع معه صفقات الحصول على أجهزة التنصت المخابراتية من الموساد، ومن بقي من تلك الحكومات تتوسل “إسرائيل” في الحصول على نسخة من “القبة الحديدية” جعلتها حركة حماس وكتائب القسام تعيد التفكير مجددا!
إذا سألت أي فلسطيني عن أفضل سيناريو لإنهاء الاحتلال، فلن يقول شيئًا كالذي حدث في “طوفان الأقصى” أبدًا. وإذا سألت مستوطنًا عن السيناريو الأسوأ، فلن يقولوا شيئا كهذا. يبدو وكأنه فيلم حقيقي صنعته حماس وكتائب القسام، على الأرض لتهشم الثقافة السياسية والعسكرية والإعلامية عن “إسرائيل” التي لا تهزم.
أحد أهم ما يجري اليوم مع “طوفان الأقصى” هو أن المستوطنين لا يبالون بـ “السيوف الحديدية” التي رفعها نتنياهو إلى حد أن “القناة 13” لم تتوقف عن بث النداءات المتوسلة لوجود قوات قريبة منهم.
وقال أحد المستوطنين المذعورين للقناة “الناس في حاجة ويسألون، أين هو الجيش”!!
ومع طبيعة الهجوم الذي كان مباغتًا بالنسبة لقوات الأمن “الإسرائيلية”، يعد أحد أسوأ الإخفاقات الاستخباراتية في تاريخ المنظومة، كما أنه يمثل صدمة للموساد الذي طالما افتخر باختراقه المكثف ومراقبته للجماعات المسلحة.
وهو واقع جعل صحيفة “معاريف” وصف ما جرى بأنه “فشل استخباراتي كبير، وأكثر من مجرد انهيار”.
بينما كتبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” “هجوم حماس هو فشل لنتنياهو، والازدراء طويل الأمد لمنظمة حماس وعدها وهمية في الخطاب الحكومي والإعلامي، تحول إلى كابوس يصعب الهروب منه وصدمة ستطارد الإسرائيليين لفترة طويلة”.
أما موقع “تايمز أوف إسرائيل” فاقترب أكثر من جثة الأسطورة الأمنية المقتولة بجملة اختصرت هجوم المقاومة الفلسطينية بـ”فشل إسرائيلي ذريع”.
لذلك فإن الكلام عن عامل المباغتة الذي مسكته حماس والفشل الاستخباراتي “الإسرائيلي” يفقد كل مزاعم المتحدث باسم “الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي”. ويصبح بلا أهمية إعلامية مثلما تفتقد تحريضات بريت ستيفنز في مقالاته الدعائية المستمرة في نيويورك تايمز، جدواها عندما تحولت إلى أمنيات وليس تحليلًا يُعتد به في المعركة الوجودية التي يقودها الفلسطينيون اليوم.
لأن حماس اختارت الوقت والوسيلة في إشعال هذه الحرب، لذلك فرضت نفسها في المعادلة الدبلوماسية القائمة في المنطقة.
ومهما يكن من أمر مصير ما تؤول له معركة “طوفان الأقصى” فإن أحد أهم التحليلات القائمة في الشرق الأوسط، بقيت تؤشر للفجوة بين مواقف حكومات الدول العربية وشعوب المنطقة، واليوم حماس في حربها الشجاعة تزيد من سعة هذه الفجوة، وليس بمقدور الحكومات العربية عدم الاعتراف بذلك لأن نتنياهو نفسه أعترف بها وهو يعيش زمنًا قاتمًا، كسرت غطرسته المعهودة. بينما نحن مقبلون على استعادة الحقوق المسلوبة وكسر الفلسفة الذرائعية العتيقة في الصراع عن تاريخ طويل وجغرافيا صغيرة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى