هل أستُدرجت حماس للطوفان
يذهب بعضهم إلى تبني وجهة النظر القائلة إن حماس قد تم استدراجها لمعركة “طوفان الأقصى”، وأنها قد سقطت في فخ نصب لها من قبل “حليفتها” إيران والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني؛ لتصفية المقاومة وتهجير أهل غزة إلى وطن بديل، واستكمال حلقات المشروع الصهيوني في محو الهوية الفلسطينية وطمس تراثها الإنساني والوطني.
ولعل أصحاب هذا الرأي يستندون في وجهة نظرهم هذه إلى جملة من المعطيات والأسباب التي يعتبرونها مهمة وواقعية في تكوين هذا الرأي؛ ومن هذه المعطيات: ردة الفعل العنيفة جدا للعدو، والإمعان والوحشية في استخدام القوة المفرطة ضد قطاع غزة، التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء وتدمير البنى التحتية لمدن القطاع ولا سيما مدينة غزة ومرافقها الحيوية، أمام صمت وعجز المجتمع الدولي عن وقف هذه المجازر المروعة.
وفي الوقت نفسه إطلاق القادة الصهاينة الدعوات لأهل غزة بإخلائها والنزوح عنها، وتهجيرهم إلى الأراضي المصرية، هذه الدعوة التي لقيت توافقًا ودعمًا أمريكيًا وبما يعطي الانطباع بوجود تفاهمات سابقة مع الكيان الصهيوني بخصوص تهجير أهل غزة. ولعل قوة الموقف العسكري الأمريكي وسرعة الاستجابة بتحريك حاملات الطائرات والبوارج الحربية شرق البحر المتوسط؛ قد عزز هذا الرأي.
أضف إلى ذلك تبني الرواية العبرية الكاذبة التي أطلقها القادة الصهاينة بارتكاب حماس لجريمة قتل الأطفال وقطع رؤوسهم؛ وذلك لحشد الدعم السياسي لكيانهم، ووصم حماس بالإرهاب دون أي دليل يثبت وقوع هذه الجريمة، التي لم يكلفوا أنفسهم عناء التأكد من صحتها، والتي ثبت فيما بعد زيفها وعدم صحتها؛ مما دفع الساسة الأمريكان إلى التنصل منها والتشكيك بها؛ بعد أن سببت لهم فشلا سياسيًا وإحراجًا كبيرًا لمصداقيتهم التي يتبجحون بها.
ومن أهم هذه المعطيات؛ هو تخاذل إيران وأذرعها فيما يسمى “قوى المقاومة والممانعة”، ونكوصهم عن وعودهم وعهودهم، وتخليهم عن نصرة “حلفائهم) في غزة، وتركهم وحدهم يجابهون الآلة العسكرية الصهيونية، وهم الذين كانوا يتوعدون العدو الصهيوني بالرد الساحق إذا تجرأ وهاجم إحدى ساحات المقاومة.
لهذه الأسباب والمعطيات أو لأسباب أخرى خفية – قد اطلعوا عليها- يبدو أنه قد تكون هذا الرأي، متقدم الذكر، لدى أصحاب نظرية المؤامرة.
وعلى الرغم من كون هذه الأسباب محل اعتبار لمن يؤمن بها وهي أسباب حقيقية وظاهرة لا يمكن إنكار موضوعيتها أو التغاضي عنها، إلى حد ما؛ إلا أن هناك وجهة نظر أخرى مقابلة لها لا تقل عنها أهمية، وتجيب بشكل واضح عن تلك الأسباب والمعطيات التي استند إليها من يعتقد باستدراج حماس لهذه المعركة؛ فلو استعرضنا تأريخ المواجهات والمعارك التي دارت بين فصائل المقاومة في غزة والعدو الصهيوني، وقارناها مع معركة طوفان الأقصى التي شنتها حماس يوم السابع من تشرين الأول؛ لوجدنا بينها فارقًا كبيرًا من حيث طبيعة المعركة واستراتيجيتها؛ فمعركة الطوفان شكلت هذه المرة “تهديدا وجوديا لكيان الدولة العبرية” وليس تهديدًا لأمنها كما كان في المعارك السابقة.
ففي معركة الطوفان قامت حماس بنقل المعركة داخل عمق العدو، وداهمت مستوطناته، واستطاعت أن تخترق كل دفاعاته وتحصيناته، التي بناها وعززها بكل وسائل الرصد والاستمكان؛ فكانت معركة واسعة سحقت فيها قوات العدو ومرغت سمعة جيشه الذي لا يقهر بوحل الهزيمة وكبدته خسائر بالأرواح والمعدات لم يسبق أن مني بها سابقًا في معاركه مع فصائل المقاومة.
فمن الطبيعي أن تكون ردة فعل هذا العدو المجروحة كرامته أشد عنفا وفتكا ووحشية، وهو يشاهد جنوده يجرون كالخراف، وهو الأمر الذي يفسر هذا الإمعان والوحشية في الانتقام من المدنيين في غزة. ولا أعتقد أن طبيعة هذا الرد العنيف قد غابت عن حسابات قادة حماس العسكريين، وهم يخططون لمثل هذا الهجوم الكبير، وهم الأخبر والأعلم بعقيدة العدو العسكرية المستمدة من تعاليم عقائدهم التلمودية المبنية على الحقد والكراهية للعرب المسلمين، وهو ما جسده العدو سابقًا على واقع الأرض في المواجهات السابقة التي راح ضحيتها آلاف المدنيين من أهل غزة.
أما بالنسبة للدعم السياسي والعسكري الأمريكي والأوروبي اللا محدود لكيان العدو؛ فهو أمر غير مستغرب؛ بل هو أمر طبيعي يعرفه القاصي والداني، وفصائل المقاومة الفلسطينية أعرف وأدرى من غيرها بهذا الدعم؛ فهذه الدول هي التي أنشأت هذا الكيان، وهي الراعية له والداعمة له في كل حروبه ومعاركه باعتباره الحليف الأقرب إليهم؛ بل تعتبر “إسرائيل” جزءا من الولايات المتحدة الأمريكية -بحسب ما يصرح به بعض المسؤولين الأمريكان على الملأ جهارًا نهارًا ويفتخرون باعتبار أنفسهم صهاينة- وهو عين ما جاء على لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن قبل أن يكون رئيسًا.
إن هذا الدعم السياسي والعسكري يوفر للعدو التفوق بالتأكيد؛ لكنه لا يحقق له الاستقرار والأمان، ولا يستطيع أن ينزع أو يستأصل روح المقاومة لدى الفلسطينيين، ولا يفت في عضدهم في سعيهم لاسترداد حقوقهم.
أما بخصوص تخاذل إيران وأذرعها، وموقفهم المخزي، وتخليهم عن وعودهم التي كانوا يتاجرون بها؛ فهي ليست جديدة على المتابعين والمهتمين؛ ففي كل المعارك السابقة التي خاضتها فصائل المقاومة في غزة ضد الكيان الغاصب لم تجرؤ إيران على التورط والدخول فيها، ومن تحمل عبئها وآثارها هم أهل غزة وفصائلها المقاومة وحدهم، على الرغم من ارتباط بعض هذه الفصائل بعلاقات وتحالفات مع إيران -كانت وما زالت موضع تحفظ وانتقاد لدى كثير من مؤيديها على طبيعة هذه العلاقة ومستواها- فرضتها عليهم ظروف المرحلة التي تمر بها الأمة من ضعف وهوان، وتخلي النظام العربي الرسمي عن واجبه تجاه قضية فلسطين ونصرة شعبها.
وسواء اعتقد بعضهم بنظرية المؤامرة أو لم يعتقد؛ فإن حماس فصيل مقاوم وليست جمعية خيرية أو نقابة مهنية؛ وغايتها هي الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وتحرير أرضه ومقدساته بأي وسيلة من الوسائل الممكنة بحسب أيدلوجيتها الفكرية التي تبنتها منذ انطلاقها، وهي تحضى بدعم وتأييد شعبي واسع من من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والمسلمة.