أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

سلم رواتب غير عادل في العراق يجسد الإجحاف والتمييز الوظيفي

غلاء المعيشة وانهيار الدينار يخنقان الموظف العراقي ويزيد المطالب الشعبية بتعديل سلم الرواتب ليكون ملائمًا مع الواقع الاقتصادي المثقل بالتضخم.

بغداد – الرافدين
أجج التخبط الحكومي والانهيار المتسارع للدينار العراقي موجة التظاهرات لموظفي المؤسسات الحكومية المطالبة بتعديل سلم الرواتب وإزالة الفروقات بين رواتبهم ورواتب باقي الوزارات.
وتتجاهل الحكومة أصوات الشرائح المتضررة من سلم الرواتب الحالي على الرغم من حراكها المتواصل حيث لا توجد رؤية أو مخطط زمني واضح لإقرار سلم جديد داخل قبة البرلمان.
وشهدت البصرة وعدد من المحافظات تنظيم تظاهرات للموظفين، للمطالبة بتحسين أوضاعهم، وتقديم الدعم الكامل لتعديل سلم الرواتب ليكون عادلًا وفقًا للواقع الاقتصادي الحالي وغلاء المعيشة وارتفاع أسعار الدولار.
وطالب عمال من بلدية الفاو في البصرة بتحقيق سلم الرواتب لهم ورفع أجورهم معلنين عن إضرابهم عن العمل بسبب الأجور المتدنية التي يتقاضونها ولا تكفي لسد رمق العيش على الرغم من العمل الشاق.
وتجمع عدد من الموظفين في ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار للمطالبة بتقليل الفجوة الهائلة بين رواتب الموظفين وإقرار سلم جديد يكون أكثر إنصافًا.
وتظاهر عدد من موظفي مديرية زراعة ميسان مجددين مطالبهم بتعديل سلم الراتب الشهري الذي يتقاضونه وتسوية التفاوت برواتب الموظفين بين وزارة وأخرى لا سيما في ظل موجة الغلاء في الأسواق بسبب تذبذب سعر الصرف.
وقال عدد الموظفين إنهم يتقاضون رواتب بمستويات متدنية جدًا لا تتناسب مع رواتب أقرانهم في وزارات أخرى وهذا التفاوت أوجد موجة طبقية بالتزامن مع الغلاء الفاحش في الأسواق الشعبية إثر تذبذب سعر الصرف وتفاوت القدرة الشرائية بين مواطن وآخر.
ورصد خبراء اقتصاديون وجود تباين كبير بين رواتب موظفي الدولة، إذ أن موظفًا بدرجة وظيفية معينة في إحدى الوزارات يتجاوز راتبه المليون ونصف المليون دينار في حين لا يتقاضى نظيره في وزارة أخرى نصف هذا الراتب، وتتصاعد الرواتب بتصاعد الدرجات الوظيفية واختلاف المخصصات الشهرية فضلاً عن الأرباح السنوية في بعض الوزارات المنتجة.
وعلى إثر هذا التباين يعرب موظفون في الوزارات ذات الرواتب المتدنية منذ سنوات عن استيائهم مما يصفونه بـ”الإجحاف والتمييز” بين موظفي الدولة.

صفوان قصي: يجب مراجعة جميع رواتب موظفي الدولة بما يتناسب مع غلاء المعيشة

ودعا الأكاديمي صفوان قصي، إلى “مراجعة جميع رواتب موظفي الدولة بما يتناسب مع غلاء المعيشة”.
وقال إن “اللجوء إلى تعديل سلم الرواتب ليس اختياريًا، إنما أخذ الصفة الإجبارية والفرض على الجهات ذات العلاقة لاسيما مجلس الخدمة الاتحادي”.
وأشار إلى أن “تمويل الإضافات التي ستطرأ على سلم الرواتب يمكن أن يحصل بفرض ضرائب على مخصصات أصحاب الدرجات الوظيفية العليا لامتصاص الدخل منهم وتحويله إلى الآخرين من أصحاب الدرجات الوظيفية الدنيا”.
وقال الباحث سمير داوود حنوش أن “ملف سلم الرواتب في العراق هو قرار سياسي بامتياز لا تبرره حجج أعبائه المالية العالية التي تتبجح بها السلطة عند تطبيقه أو تشريعه”.
ويرى حنوش أنه “نظام وظيفي محاصصاتي يجعل من الموظفين في المؤسسات العراقية درجات متفاوتة يتقدمهم الموظفين الأقرب من كهنة المعبد”.
ولفت إلى أن “تباين الأوضاع المعيشية بين الشعب قد ينذر بانتفاضة شعبية قادمة قد تطيح بأركان المشهد السياسي من الداخل”.
وصرح مصدر مسؤول في رئاسة الوزراء أن “الحكومة لا توجد لديها نية حقيقية لتطبيق سلم جديد للرواتب وإقراره من قبل مجلس الوزراء، كون هذا السلم يحتاج إلى تخصيصات مالية كبيرة جدًا، والحكومة لا تستطيع توفيرها في الوقت الحاضر، فهي تتجاوز الـ15 ترليون دينار”.
ويبين المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه بسبب عدم تخويله التصريح لوسائل الإعلام أن “حكومة السوداني، محرجة أمام الشارع، بشأن عدم استطاعتها تنفيذ ما وعدت به من تطبيق سلم الرواتب الجديد، الذي سيرفع أكثر من 70 بالمائة من رواتب موظفي الدولة”، مشيرًا إلى أن “هناك توجيها بعدم الإدلاء بأي تصريح من قبل الوزراء والمتحدثين الرسميين بهذا الخصوص خلال المرحلة المقبلة”.

د. سلام سميسم: ارتفاع تصريف الدولار أفقد نصف قيمة راتب الموظف

وترى الباحثة بالشأن الاقتصادي سلام سميسم، أن “الحكومة في ظل هذه التحديات الاقتصادية وخصوصًا مع العجز الكبير في الموازنة، إضافة إلى عدم استقرار الدينار العراقي، والتذبذب بأسعار النفط، لا تستطيع إقرار سلم جديد للرواتب”
وتبين سميسم، أن “تطبيق سلم رواتب جديد، يحتاج إلى تخصيصات مالية على رواتب الموظفين أكثر من 20 ترليون دينار، ولهذا لا نعتقد أن الحكومة ستعمل بشكل حقيقي لتطبيق سلم الرواتب كما وعدت به”.
وأشارت إلى أن “السياسات الاقتصادية التي تسير بها الحكومة ستنعكس بصورة سوداوية على حياة المواطنين وسيكون أول الضحايا بسبب الطفرات الكبيرة التي ستحدث في قيمة الدولار”.
وأضافت سميسم أن “الأزمة الحقيقة الآن ليست بين الدولار والدينار العراقي وإنما بين الدولار والمواطن العراقي حيث أن ارتفاع الدولار أفقد نصف قيمة راتب الموظف”.
بدوره يرى المعلق الاقتصادي حمزة الحردان “وجود العديد من العوامل التي تدفع إلى تعديل سلم الرواتب منها تغيير سعر صرف الدولار والأزمة الاقتصادية والارتفاع الكبير في الأسواق المحلية”
وطالب، الحردان بـ “إعادة دراسة الوضع الاقتصادي لشرائح المجتمع ومنها الموظفين، لأن المستحقات التي تدفعها الدولة إلى العاملين في مؤسساتها تؤثر على الدورة الاقتصادية بشكل كامل”.
وتشهد الأسواق في العراق منذ أسابيع ارتفاعًا مستمرًا بأسعار السلع وخاصة الغذائية الأساسية منها، بعد ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي، ما أثقل كاهل المواطنيين من ذوي الدخل المحدود، مع عدم اتخاذ الحكومة أي إجراءات للحد من هذا الارتفاع المتصاعد في الأسعار.
ومع تزايد السخط في الشارع العراقي يحمل مواطنون حكومة محمد شياع السوداني مسؤولية ما وصلت إليه ظروفهم المعيشية من عجزهم عن تلبية متطلبات عائلاتهم بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، لعدم إيفائها بما وعدت به من خلال برنامجها الحكومي وإعادة التوازن للوضع الاقتصادي.
وحذر تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية في لندن من أن محاولات البنك المركزي العراقي لمنع تهريب الدولار باءت بالفشل، إذ يستمر سعر الدينار بالتراجع أمام الدولار، مما يفاقم من معاناة العراقيين ويرفع أسعار السلع.
وأشار التقرير إلى أن النظام المصرفي العراقي وبدلاً من أن يكون مساعدًا في تطوير الاقتصاد العراقي أصبح عائقًا كبيرًا أمام النمو أو جذب الاستثمارات، فضلاً عن أنه أصبح رديفًا أساسيًا لشبكات تهريب وغسل الأموال، فهناك عدد كبير من المصارف التي تعود لشخصيات مقربة من سياسيين وأحزاب وميليشيات مسلحة تسهم بشكل كبير في تهريب الدولار وتمويل عمليات التجارة الخارجية مع دول الجوار مقابل الحصول على عمولات ودعم سياسي.
ويقدر التقرير بأن ثلثي مبيعات البنك المركزي العراقي في ما يعرف بـ”نافذة بيع العملة” التي تتراوح عند مستويات 250 مليون دولار يوميًا لم تستفد منها السوق العراقية على مدى العقدين الماضيين، مما أدى إلى خسارة البلاد مبالغ مالية لا تقل عن 400 مليار دولار.
ولم يستبعد التقرير البريطاني أن تتسبب عمليات تهريب الدولار في عزل وحظر مزيد من المصارف العراقية لأن بعضاً منها يسهم في خرق العقوبات الدولية، مشيرًا إلى أن قرارات الخزانة الأمريكية بفرض حظر على عدد من المصارف العراقية وإلزام ما تبقى الامتثال لمنصة مراقبة حركة الأموال الإلكترونية ما هو إلا بداية لخطوات أشد وأعمق وأكثر إيلامًا.

سعر الدينار يتراجع أمام الدولار ويفاقم من معاناة العراقيين ويرفع أسعار السلع
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى