أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

المواقع الأثرية في العراق.. نهب وإهمال وتغيرات مناخية

آلاف المواقع الأثرية في العراق مهددة بالاندثار نتيجة أزمة الجفاف والتغيرات المناخية، إضافة لضعف الحماية ما جعلها عرضة لعمليات النهب والتخريب.

بغداد – الرافدين
لم يقتصر تأثير أزمة الجفاف التي تعصف بالعراق على تهديد مستقبل الزراعة فيه، وتهجير مجموعات كبيرة من سكان المحافظات الجنوبية بل تجاوز التأثير إلى المواقع الأثرية المنتشرة في عموم البلاد والتهديد بمحوها نتيجة التغيرات المناخية، وسط إهمال حكومي لهذه الثروة الوطنية الكبيرة.
ويأتي العراق في صدارة بلدان العالم من حيث عدد المواقع الأثرية التي تحتضنها أراضيه، إذ تشير مصادر متخصصة في مجالات الآثار إلى أن المواقع الأثرية تزيد عن 15 ألف موقع، موزعة بين عموم مدن البلاد.
وتتعرض مواقع أثرية عمرها آلاف السنين إلى أضرار كبيرة بسبب العوامل الناجمة عن التغير المناخي، كالعواصف الرملية وتزايد الملوحة، في بلد يعاني الجفاف للعام الرابع على التوالي من غير تحرك حكومي للحد من الآثار الكارثية لأزمة الجفاف.
ويؤكد مختصون في مجالي الآثار والبيئة، أن تأثير موجات الحر والجفاف والعواصف الرملية المتزايدة، أصبحت تلحق أضرارا لا يمكن إصلاحها ببعض المواقع الأثرية في شمال غربي ووسط وجنوبي العراق، محذرين من أن بعض المواقع قد لا تظل صامدة، وأن الرمال تزحف لتخفيها.
ويقول أستاذ الآثار بجامعة القادسية الدكتور جعفر الجوذري، إن “نقص المياه نتيجة شح الأمطار يقود إلى ارتفاع تراكيز الملح في التربة وزيادة في العواصف الرملية ومن ثم تآكل المواقع القديمة، ومشكلتا قلة المياه الجارية والتصحر بدأت منذ سنوات، أضيف إليها استنزاف المياه الجوفية وارتفاع نسب الملوحة والتي تسببت بتطرف تأثير المناخ على العراق بشكل عام”.
وأضاف أن “الرياح الهابطة مليئة بكميات كبيرة من الغبار والرمال بسبب جفاف التربة ما يحمل تأثيرات تساعد على تآكل المباني الأثرية الشاخصة، خاصة أن ارتفاع درجات الحرارة يتسبب في تبخر الماء بسرعة كبيرة ولا تبقى سوى الأملاح التي تؤدي إلى تآكل كل شيء”.
وأشار الجوذري إلى أن “الدول المجاورة للعراق، لا تتحمل المسؤولية كاملة حيال أزمة المياه الحاصلة فيه، فالحكومات المتعاقبة تتحمل المسؤولية أيضا لسوء إدارة الموارد المائية فيه وأتباعها طرق وأساليب الري القديمة، والتي تعود إلى العصر السومري قبل 5000 سنة دون تغيير كبير يذكر، واصفا الحلول المطروحة لمعالجة تأثيرات التغيير المناخي بالترقيعية ولا ترقى لمستوى المشكلة”.
وسبق أن أقرت لجنة الثقافة والسياحة والآثار النيابية بوجود مخاطر باندثار قرابة 10 آلاف موقع أثري في العراق، محملة وزارة الثقافة مسؤولية إهمال الآثار حيث تركتها عرضتها للسرقات والظروف البيئية القاسية فضلًا عن عدم تخصيصها لموازنة مالية مستقلة لترميمها وصيانتها.
ويرى مراقبون أن إهمال الحكومة للمواقع الأثرية في العراق أثر على واقع السياحة فيه على الرغم من تنوع المواقع ما يشكل مصدرا كبيرا لجذب السياح إلا أنه لم يستغل.
يقول نقيب جمعية السياحيين في بابل فائز سعدون الراوي، “ما زلنا نطالب بأن يكون ملف السياحة بيد المختصين، الذين يعرفون كيف ينهضون به، وأن تكون الجهة القائمة عليه هي وزارة الثقافة والسياحة، لأن الآثار والتراث جزء من الموروث الثقافي العراقي، وليس ملفًا سياسيًا يتدحرج بين أدراج حكومة وأخرى، ويخضع إلى مزاجات هذا وذاك، ما يحتم علينا أن نفتح آفاق تعاون مع العالم، كي نتمكن من الحصول على الخبرات والتجارب في كيفية تطوير حضارتنا”.
وإضافة إلى التغيرات المناخية، تصاعدت أعمال نهب الآثار في البلاد منذ العام 2003، حيث تتعرض المواقع السياحية والأثرية إلى عملية نهب ممنهجة، وعمليات حفر غير شرعية تقوم بها مافيا الآثار بحماية الميليشيات، وبحسب إحصائيات رسمية أكثر من 15 ألف قطعة أثرية سرقت من متحف بغداد وحده، تعود إلى حضارات مختلفة.
يشير مختصون بالآثار إلى أن 6 بالمائة فقط من المواقع في محافظة واحدة محمية أمنيا، بينما البقية مهملة وبعيدة عن أعين الحراسة، ما جعلها عرضة للسرقة والتخريب والاندثار بفعل عوامل الطبيعة، والإزالة تارة أخرى تحت عناوين مختلفة.
وقال أستاذ الإعلام في جامعة البتراء الدكتور عبد الرزاق الدليمي إن عمليات سرقة الآثار العراقية الهدف منها تغييب الهوية الوطنية والتاريخية لهذا الشعب العريق.
وأضاف الدليمي في تصريح لقناة “الرافدين” لا توجد حلول جذرية لإيقاف تهريب الآثار إلى خارج البلاد في ظل تستر المجرمين بلباس السلطة.
ويؤكد الباحث في الشأن التراثي أمير دوشي أن أساليب وطرق حماية المواقع الأثرية بدائية، ويقول إن اللصوص بدأوا بتطوير أدوات السرقة.
ويقول دوشي، إن “هذا الإهمال الذي تعانيه الأماكن الأثرية يجعل منها عرضة للسرقة والتخريب، لافتا إلى أن سبب هذا الإهمال هو غرق الحكومات في الأزمات السياسية المتتالية في ظل عدم الاستقرار الأمني بشكل تام في جميع أنحاء العراق”.
وكان رئيس هيئة الآثار التابعة لوزارة الثقافة ليث مجيد حسين، قد أقر بعدم وجود إحصائية بعدد الآثار في خارج العراق، مبررا ذلك بكونها مسروقة من متاحف عراقية أو من خلال أعمال النبش العشوائي للمواقع الأثرية.
وألقى باللوم على الحكومة لأنها لا تقوم بواجبها نحو المواقع الأثرية، التي من المفترض أن تؤهل وتتابع بأعمال الصيانة الدورية متذرعة بعدم وجود موازنة لذلك.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى