أخبار الرافدين
كرم نعمة

لا نحتاج حلا لمعادلة الحلبوسي

ليس ثمة معادلة صعبة في قضية الحلبوسي، ولا نحتاج الاستعانة بمن يعلق شهادته الأكاديمية في العلوم السياسية والاستراتيجية أعلى جدار منزله، كي نعرف أن هناك عملية مسخ سياسي في العراق تديره الصفقات والمساومات وتنتهي بالغدر والتراجع عن التوافقات.
ذلك ما حصل مع إقالة محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب في العراق، وأي تفسير قانوني أو سياسي هو مجرد دوران هامشي لإضفاء شرعية على كل ما يحصل في المنطقة الخضراء وأروقتها مرورا بالقنوات السرية والعلنية مع أقبية النجف المعتمة!
ولإظهار ذلك المسخ للرأي العام كفعل قانوني يتم إضفاء مساحيق تجميل قضائية عليه، أشبه بديكور فيلم هندي، فالقضاء في العراق منذ أن أصطف خانعًا أمام الحاكم الأمريكي بول بريمر شريك فعّال في إنتاج فيلم “العراق المسخ” لتغييب العراق الحقيقي.
لا يوجد أي غموض في كل الذي يجري، فهناك صراع وضغائن وعملية انتقام، لم يعد مجديًا فيها بندقية الميليشياوي، فتتم عبر الاغتيال السياسي بذريعة قضائية وقانونية كي يبدو الفيلم الهندي في العراق مقنعًا للرأي العام!
لكن ذلك لا يحصل دائما عندما يتم استبدال الاغتيال الميليشياوي بالاغتيال السياسي، لأن منتجي هذه الأفلام من الغباء إلى درجة لا يصدقون ما يمررونه إلى العراقيين، حد أن وصف أحد رؤساء وزراء المنطقة الخضراء حالهم بالترقب إلى أن يصل العراقيون في يوم ما إلى منازلهم وإعادة “متوالية السحل” التاريخية.
لا أحد من العراقيين صدق قرار المحكمة الاتحادية بشأن فساد الحلبوسي، ولا أحد من العراقيين أيضًا يشك بأن الحلبوسي نفسه شريكًا وفاعلا في عملية الفساد الكبرى لتمرير اختطاف الدولة.
تلك ببساطة المعادلة القائمة في المنطقة الخضراء، فطبقة لصوص الدولة “إن وجدت مفاهيم دولة أصلا” فاسدة بلا استثناء ولا يحتاج العراقيون لمحكمة عليا كي تدينها، لأنها بالأساس مدانة أمام نفسها.
أما مسرحية الحلبوسي القضائية “لم يغلق الستار عليها بعد” فهي مجرد لعبة الانتقام على هامش السيناريو المتفق عليه في دفعه برضا إيراني، إلى رئاسة مجلس النواب ومن ثم تشكيل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني.
سنقع في الوهم السياسي عندما لا ننظر لمحمد الحلبوسي بنفس العدسات التي ينظر بها أي مراقب سياسي إلى هادي العامري وقيس الخزعلي حتى نوري المالكي “بوصفهم الأمثلة السياسية المبتذلة” مع أن الأخير لا يثق بالحلبوسي بالأساس ويعده صبي سياسة لا يعتد بكلامه.
لأنه ببساطة متناهية لا توجد صناعة سياسية في عراق 2003، بل عملية استنساخ للحصول على المعادل الطائفي. والحلبوسي بحكم عمره نتاج أخير لتلك العملية وليس بمقدوره الخروج على قواعدها إن أراد الاستمرار فيها، ومتى فكر بغيرها.
صحيح أن الحلبوسي يبدو أكثر تحضرًا من تخلف وهمجية العامري وبشاعة الخزعلي، ويريد الإيحاء كلما تسنى له ذلك بأنه ليس معادلا طائفيًا لطائفية المالكي، لكن في حقيقة الأمر هو نتاج كل تلك العوامل أن أريد قراءة ما يصدر عنه من كلام أو تحليل أدائه السياسي في لعبته الانتهازية المستمرة والمكشوفة للعراقيين.
الحلبوسي ينصب نفسه سياسيًا، بينما هو حقيقية الأمر وضع في منصبه السياسي الهامشي وفقًا لكونه معادلا طائفيًا كما تريده أحزاب إيران في العراق، وليس بمقدوره مغادرة هذا التصور، فأي مزاعم “وطنية” تصدر عنه لا يعول عليها ولا يعتد بها مطلقًا.
سنكتشف طبيعة شخصيته الانتهازية بمجرد العودة إلى رسائل الشتائم البذيئة المنشورة للجمهور بينه وبين خصمه السابق وحليفه الحالي خميس الخنجر، إذ لا يوجد بينهما من يدافع عن قيمة وطنية وعراقية.
تجربة الحلبوسي المرتبطة بعمره تساعدنا على فهم أنه يصعب عليه استلهام القيم التاريخية في الوطنية العراقية، خصوصا تلك التي لم يعشها وذلك ليس ذنبه في كل الأحوال، فالرجل كان عمره سبعة أعوام عندما انتهت الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، فلم يعش بوعي ذلك التاريخ الفاصل في تاريخ بلاده إلا بما يقرؤه ويروى له، وهو في كل الأحوال لا يكفي. وهذا يفسر لنا علاقة تبادل المنفعة للحلبوسي مع أحزاب إيران في العراق. التي أقصته في النهاية بحثًا عمن يؤدي نفس دوره بخنوع وانصياع أكثر.
كما أن تعامله مع القوات الأمريكية عند احتلال العراق كمترجم في أول الأمر، ثم كمهندس مقاول في مشاريع بمحافظة الأنبار، مثلت تنازلا مريعًا في القيم الوطنية، فيما بلده كان ينهار أمام عينيه تحت سرفات دبابات المحتل.
هناك ما يسمى بالنظريات المنفلتة التي لا يمكن التعويل عليها وأخذها بنظر الاعتبار، وأبسط هذه النظريات في الفهم السياسي هي التحدث عن المستقبل بوصفه حقائق ستحدث حتمًا والبناء عليها.
ذلك ما كان يتحدث به الحلبوسي في التعبير عن سذاجة معرفية قبل أن تكون سياسية! بصرف النظر عن عشرين عامًا من الوهن والفشل والظلم الذي رافق العملية السياسية، فكيف للعراقيين أن يثقوا بما يؤملهم به الحلبوسي العام القادم، فيما سرقات لصوص الدولة تتصاعد مع الوقت لنهب الحصة الأكبر.
من سوء حظ الحلبوسي، أن الأمل الواهن الذي أطلقه بشأن العملية السياسية، انتهى به لهذا المصير أن يطرد منها، وهو بلا شك أفضل بكثير مما سينتهي به الحال لخصومه من زعماء أحزاب إيران في العراق وفق “متوالية السحل” التاريخية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى