أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

منظمة إنقاذ الطفولة الدولية: أطفال البصرة يعيشون في جحيم وفقدان الأمل

صراع الأحزاب السياسية المهيمنة والميليشيات المسلحة فضلًا عن نظام محاصصة السلطة على أسس عرقية وطائفية، يمتص الثروة النفطية لمدينة البصرة ويترك أهلها في فقر مدقع وسط الفساد والمحسوبية.

البصرة- الرافدين
حذرت منظمة إنقاذ الطفولة الدولية من أن مستقبلًا معتمًا أمام الأطفال في البصرة، وهم يعيشون في بيئة متهالكة وفي مدينة تشهد واحدة من أكثر الأماكن حرارة على وجه الأرض.
وذكرت المنظمة البريطانية غير حكومية التي تُعنى بالدفاع عن حقوق الطفل حول العالم. أن الأطفال يعيشون على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ في محافظة البصرة بجنوب العراق، وأجبر الجفاف وموجات الحر، بالإضافة إلى عقود من الصراع والتنافس بين ميليشيات مارقة على ثروات المدينة النفطية، أسرهم على التخلي عن الزراعة، فضلًا عن انتشار الأمراض السرطانية بين الأطفال وانعدام الخدمات وشحة المياه.
وذكرت منظمة إنقاذ الطفولة التي تُعتبر أول حركة مستقلة تدافع عن الأطفال، في تقرير مصور للفوتوغرافية إميلي غارثويت التي زارت البصرة ووثقت معاناة الأطفال فيها، كيف واجهت العائلات في جنوب العراق مجموعة من الصدمات على مر السنين، بما في ذلك البيئة التي تضررت بسبب سنوات من الصراع وتأثيرات تغير المناخ مثل ارتفاع منسوب مياه البحر والعواصف الرملية وموجات الحر والجفاف والتصحر.
وسافرت إميلي غارثويت إلى البصرة للقاء الأطفال والأسر الذين تأثرت سبل عيشهم وللتعرف على كيفية تعاملهم مع الوضع. ونشرت ذلك في تقرير في موقع منظمة إنقاذ الطفولة الدولية وصحيفة الغارديان البريطانية.
ويعد العراق خامس أكثر الدول عرضة لنقص المياه والغذاء ودرجات الحرارة القصوى، وفقًا للأمم المتحدة. فقد دمر الجفاف الأراضي الزراعية في المناطق الريفية مثل منطقة أبو الخصيب في البصرة، مما ترك المجتمعات بدون دخل. ومع تفاقم الجفاف، فإن المزيد من الماشية، التي غالبًا ما تكون مصدرا بالغ الأهمية للدخل للأسر الريفية، تصاب بالمرض وتنفق، مما يجبر الآلاف من الناس على النزوح عدة مرات.
ونزح أكثر من 130 ألف أسرة في العراق نتيجة الجفاف، بحسب المنظمة الدولية للهجرة. وتشير التوقعات إلى أنه من المتوقع أن يصبح العراق البلد “الأكثر حرارة” في المنطقة بحلول عام 2050، حيث يتجاوز متوسط درجة الحرارة 36 درجة مئوية. بينما تفتقد الحكومات المتتالية بعد احتلال العراق عام 2003 إلى أي استراتيجية واضحة لمواجهة الجفاف والتصحر.
وواجهت العائلات في جنوب العراق مجموعة من الصدمات على مر السنين، بما في ذلك البيئة التي تضررت بسبب سنوات من الصراع وتأثيرات تغير المناخ مثل ارتفاع منسوب مياه البحر، والعواصف الرملية وموجات الحر والجفاف.
وأثرت هذه “العاصفة البيئة والسياسية الكاملة” على نوعية حياة آلاف الأطفال. وترتفع معدلات فقر الأطفال بشكل ملحوظ في المناطق الريفية حيث يتأثر الأطفال الذين يعتمدون على الزراعة في كسب عيشهم بشكل غير متناسب بمخاطر مثل عمالة الأطفال.
ويعمل حوالي 10 بالمائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و14 سنة في هذه المناطق في عمالة الأطفال، مقابل 30 بالمائة في المناطق الحضرية. ومن المقرر أن يرتفع العدد نتيجة للنزوح المناخي وفشل زراعة المحاصيل، فضلا عما تشهده المدينة من فساد حكومي ينخر بنيتها وصراع من ميليشيات مسلحة على صفقات ومشاريع تجارية ونفطية.
وعرضت إميلي غارثويت وهي مصورة صحفية بريطانية حائزة على عدة جوائز، تركز على القصص البيئية والإنسانية والنزوح. قصص ثلاث عائلات عراقية تحاول التكيف مع أزمة المناخ.
ويعيش أحمد “14 عامًا” في أبو الخصيب مع عائلته المكونة من خمسة أفراد. لقد نزحت عائلته مرتين، الأولى بسبب النزاع المسلح، ومؤخرًا بسبب أزمة المناخ. كانوا يعملون في الأصل في الزراعة وتربية الماشية، لكن والد أحمد قال إن حيواناتهم نفقت بسبب تسرب المياه المالحة إلى أراضيهم، مما أدى أيضًا إلى إتلاف أشجار النخيل والبامية والمحاصيل الأخرى. ولم تقم الأسرة بزراعة أراضيها منذ عامين وهي تكافح الآن لتغطية نفقاتها.
وقال أحمد “أنا قلق بشأن مستقبلي. إذا استمر هذا الوضع، فقد أضطر إلى ترك المدرسة لدعم أسرتي. حلمي أن أكون مهندسًا وأصلح مشكلة المياه وأبني منازل للفقراء”.
وتعيش وسن “تسع سنوات” في أطراف مدينة أبو الخصيب مع والدها وإخوتها الخمسة. فرص العمل محدودة للغاية، ويقع منزلهم في منطقة عشوائية، مع وصول محدودة إلى الخدمات. يعمل والدها “مصلح” بشكل رئيسي كعامل يومي بعد أن ترك العمل الزراعي الذي توارثته عبر ثلاثة أجيال. لقد تم تشخيص إصابته بسرطان الدم، ولكنه معيل أسرته لذا يجب عليه مواصلة العمل.

مياه ملوثة تقتل البشر والمواشي في البصرة
وقالت وسن “كنا في مزرعتنا نزرع التمر والرمان وغيرها من الخضار والفواكه. كان هذا في ذلك الوقت، عندما كان هناك ماء، لكن المحاصيل يقتلها العطش وتلوث المياه وانعدام الأمطار”.
وقال والد الفتاة مصلح “أعمل الآن كعامل يومي، وهو أمر متعب للغاية. نحصل على المياه كل يومين لمدة ساعتين تقريبًا. لا يكاد يكفينا أن نشرب ونغسل ملابسنا. لا يمكننا أن نبدأ أي زراعة بهذه المياه. نحن بحاجة إلى دعم لتحلية المياه من الخليج، وإلا فسنضطر جميعا إلى مغادرة هذا المكان”.
أما حيدر الذي يبلغ من العمر 10 سنوات ويعيش في أبو الخصيب حيث يمتلك جده مزرعة نخيل ويقوم بتربية الحيوانات لإنتاج منتجات الألبان. فيعيش مع عائلة مكونة من خمسة أفراد في نفس المنزل الذي كان يعيش فيه أجداده.
ويعمل والد حيدر سائق سيارة أجرة بعد نفوق المواشي التي كان يمتلكها بسبب شرب المياه الملوثة.
وقال حيدر إنه اضطر إلى دفن الحيوانات النافقة مع جده، وأن الأسرة لا تزال تعاني ماليًا بسبب الجفاف.
وأضاف “يحزنني عندما أرى مزرعتنا وحيواناتنا تموت. يقولون إنه الماء. في المدرسة، لا يتحدثون عن كل هذه القضايا المحيطة. عندما أكبر، أتمنى أن أصبح معلمًا، وسأتحدث عن هذه المشاكل، لأنها موجودة في كل مكان حولنا”.
وتجسد قصص أطفال البصرة ومستقبلهم الغامض الصورة المزدوجة والمتناقضة عن “النعمة والنقمة” في وقت واحد، فهي مدينة غنية بالبترول لكن أهلها يعيشون في فقر مدقع وتنعدم فيها الخدمات، ويعاني أبنائها من أمراض سرطانية منتشرة بكثافة.
وسبق أن ذكر تقرير “لوكالة أسوشيتد برس” الأمريكية، أن “صندوق الأكاذيب” الذي رافق احتلال العراق قبل عشرين عامًا تحت مزاعم الديمقراطية والرفاهية ينفتح أمام نقمة وخواء الحياة والأمراض القاتلة في مدينة البصرة الثرية بالنفط.
وأشارت الوكالة إلى أن نفط مدينة البصرة، الذي جلب الاستثمارات والأموال الى الخزينة الحكومية، أبقى الكثيرين محرومين من عوائده بسبب الفساد.
والى جانب الإخفاق في عمل المؤسسات، فإن تلوث الهواء الواسع في البصرة، ومستويات الملوحة الناتجة عن أزمة المياه الحادة، تعتبر من الأسباب الرئيسية للأمراض، كما أن البطالة المتفشية، تطال أكثر من نصف السكان من الشباب.
وقال رئيس بلدية قرية “نهران عمر” بشير جابر إن كل عائلة في القرية لديها قصة مرض وديون، وأن القرية التي يبلغ عدد سكانها ألفي شخص ترتفع فيها معدلات الإصابة بالسرطان حيث تقع القرية بالقرب من حقل نفطي تديره الدولة.
وأضاف انه “بعد العام 2003، تم تصدير كميات أكبر من النفط، وتوقعنا الاستفادة من ذلك، وبدلا من ذلك فإنه يؤذينا”.
وتسلط قضية قرية “نهران عمر” الضوء على مفارقة مأساوية اذ أن الغاز الطبيعي الذي يحترق من حقول، إذا تم الاستفادة منه، فقد يكون حلا لمشكلة النقص المستمر في الكهرباء ويحد أيضًا من التلوث.
ويقول مسؤولون في المحافظة إن الموارد حققت الثروة إلا أنها أدت أيضًا الى نشوب صراع شرس بين الأحزاب السياسية المهيمنة والميليشيات المسلحة على حساب الشعب، وأن نظام محاصصة السلطة على أسس عرقية وطائفية، يمتص الثروة النفطية وسط الفساد والمحسوبية.
ونقلت الوكالة عن مسؤول في المحافظة قوله “كلما ارتفع سعر برميل النفط، أصبح هذا النظام أكثر رسوخًا حيث تطالب الأحزاب الطائفية بمناصب وزارية تجني لها الأرباح، وتعين المؤيدين لها في المناصب الرئيسية وتوزع الوظائف العامة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى