أخبار الرافدين
طلعت رميح

أمريكا من اللغة الحربية إلى الدبلوماسية

فور نجاح المقاومة الفلسطينية في توجيه ضربة قوية للكيان الصهيوني أخلت بتوازنه في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ذهبت إدارة جو بايدن إلى الإفصاح عن جوهر وحقيقة موقفها الداعم لجرائم الكيان الصهيوني واستمرار احتلاله للأراضي الفلسطينية، وأنها لا تختلف في شيء عن مواقف إدارة دونالد ترامب، والأشد أهمية وتأثيرًا، أن ذهبت لإظهار طبيعة قيادتها –هي- للكيان الصهيوني عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا، وبأن ما يقال عن حكاية تأثير اللوبي الصهيوني على السياسة الأمريكية، ليس إلا خدعه إعلامية لتبرير الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني أمام العرب والمسلمين.
لقد جرى الحديث صراحة عن أن الكيان الصهيوني حاملة طائرات أمريكية ثابتة، وظهرت أمريكا في موقع القيادة المباشرة للعمليات العسكرية بحضور بايدن وبلينكن اجتماعات مجلس الحرب الصهيوني. وظهرت أمريكا في موقف وموقع الدفاع والدعم المباشر لارتكاب الجيش الصهيوني لجرائم لم ترتكبها الجيوش الفاشية والنازية، تحت عنوان هزيل هو حق الدفاع عن النفس. وبدت في موقع الداعم لطرد الفلسطينيين من أراضيهم، وهي من كانت تدعي العمل لأجل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والرافض لوقف إطلاق النار وحتى للقبول بمجرد هدنة إنسانية. ووصل الأمر حد تبرير قصف المستشفيات.
لكن الأيام الأخيرة شهدت تغييرات واضحة في لغة التصريحات الأمريكية وفي المواقف الدبلوماسية بطريقه أو بأخرى.
صارت الإدارة الأمريكية تظهر نفسها بمظهر الداعم والمطالب بهدنة إنسانية والرافض لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم. وتعلن صراحة عن رفضها بقاء قوات الاحتلال الصهيونية في غزة، بل هي عادت للحديث عن الممرات الإنسانية كممرات لحركة المدنيين داخل قطاع غزة، لا إلى خارجها باتجاه دول الجوار. واللافت أنها عادت للحديث مجددًا عن الدولة الفلسطينية المستقلة. أو عن حل الدولتين.
فما الذي جرى؟
وهل تغير الموقف الأمريكي أو هل تراجعت الولايات المتحدة عن مواقفها التي اضطرت لاتخاذها بعد أن فهمت خطأها أم أنها تناور إعلاميًا وتتحول من الإفصاح إلى الإنكار للعودة لممارسة الكذب الدبلوماسي والإعلامي الذي تعودت عليه سابقا؟
ما حدث هو أن الولايات المتحدة عادت إلى نمط سياستها الطبيعية أو المعتمدة، بعد أن تخطت الأحداث ذروة الأزمة الطارئة. وإنها غيرت لغتها لمواجهة الضغوط التي واجهتها. عادت إلى دعمها ومساندتها للكيان الصهيوني وجرائمه، لكن عبر اللغة الدبلوماسية وألاعيبها التي لا تعتمد الخطاب الصريح. بعد أن كانت قد وصلت حد استخدام مفردات خطاب مجنون.
ولقد جاء التراجع أو التحول من السفور في دعم الأجرام والإبادة والتطهير العرقي والتهجير، إلى الدعم الملتف وغير المستفز، تحت ضغوط عديدة.
فهناك أن الطوفان الشعبي العالمي الداعم للشعب الفلسطيني وقضيته ومقاومته، كان قد حاصر الموقف الأمريكي دوليًا، وبات يشدد على عدم صلاحيتها في قيادة النظام الدولي، إذ اتخذت موقفين سافرين متناقضين في أوكرانيا وفلسطين ومن روسيا والكيان الصهيوني، في ذات التوقيت.
وذلك خطر كبير في هذا التوقيت. فخلال الحروب السابقة لم تكن الولايات المتحدة تلقي بالًا لهذا العامل، لكن الأمر اختلف الآن بفعل وجود دول صاعده منافسة تتعاظم قوتها وتلعب على أوتار عدم صلاحية الولايات المتحدة والغرب للاستمرار في قيادة العالم.
وهناك أن الدول العربية والإسلامية باتت مواقفها -الأدق بعضها- مؤثرة بدرجة ليست بالقليلة على العلاقات الأمريكية مع العالم الاسلامي تحت ضغط الرأي العام. وهنا باتت خطة الولايات المتحدة لحشد الشعوب والدول العربية والإسلامية في مواجهة الأقطاب الدولية الأخرى، مهددة بشدة.
وهناك أن إدارة بايدن باتت تشعر بأنها متورطة في معركة صهيونيه يقودها مجانين وفشلة وفق ديناميات تعاني للتحكم بها وضبط إيقاعها.
والأهم أن المقاومة الفلسطينية صمدت وأنهكت الجيش الصهيوني وبددت حلم بايدن بالإفراج عن الأمريكيين الأسرى “أو مزدوجي الجنسية بين إسرائيل وأمريكا قبل الهدنة أو أيقاف الحرب”. وأن هذا الصمود ترافق مع حراك قوى ليس في داخل الولايات المتحدة فقط، بل داخل الحزب الديموقراطي، بما هدد شعبية بايدن واحتمالات فوزه في الانتخابات الأمريكية التي تطرق الأبواب.
وواقع الحال إن لم يكن ممكنًا أن تواصل إدارة بايدن إظهار نفسها بهذا المشهد البغيض الذي ظهرت عليه أمام الشعوب الغربية ذاتها، ولم يعد ممكنًا أن تقف هي في مقدمه القيادة لنتنياهو وبن غفير، ولم يعد ممكنًا أن تقف في موقعها هذا، فيما كل التقارير تؤكد أن الجيش والقيادة الصهيونية يتراجعان تحت ضربات المقاومة والضغوط الشعبية الدولية والضغوط داخل التجمع الصهيوني ذاته، بسبب قضية الأسرى.
الإدارة الأمريكية باتت ترى ضرورة الانتقال إلى التبرير بدلًا من الدفاع السافر عن ارتكاب الجرائم. وهي انتقلت من السفور واللغة الحربية إلى اللغة الدبلوماسية بعدما رأت مواقف رسمية أوروبية قلقه وتشعر بالخطر على مصير معركة أوكرانيا، بسبب المواقف السافرة من القضية الفلسطينية.
وجدت نفسها ستخسر المعركتين معًا.
وهنا يطرح السؤال الحقيقي وهو: هل نعود نحن إلى حالة الخديعة مجددًا، أم نعتبر الموقف الأمريكي هو موقف العداء الكامل للأمة من أفغانستان إلى العراق إلى فلسطين.
هذا هو سؤال الوقت الحاضر وسؤال المستقبل.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى