تهريب وترويج المخدرات من سوريا تجارة الميليشيات المربحة في العراق
الضجيج الدعائي لحكومة الإطار التنسيقي عن علاج مئات الآلاف من مدمني المخدرات يفنده الواقع الصحي في العراق حيث يوجد عاملان في مجال الصحة النفسية لكل 100 ألف عراقي.
بغداد – الرافدين
تواصل ميليشيات تابعة للحشد الشعبي متمركزة على الحدود العراقية السورية تهريب المخدرات من سوريا ولبنان إلى العراق عبر المعابر الرسمية وغير الرسمية دون تعرضها للتفتيش، في ظل فشل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في إيجاد حلول لكارثة المخدرات التي وصلت إلى مدارس البنات وفق تصريحات حكومية.
وكشفت مصادر حكومية عن تورّط أجهزة أمنية وعسكرية سورية وقسم من ميليشيات الحشد في العراق في تلك التجارة، مضيفة أن تهريب المخدرات بات من أهم المصادر المالية للميليشيات ولسلطات النظام في سوريا حيث تدر عليهم عائدات مالية تفوق عائدات تهريب النفط.
وذكرت أن “حزب الله اللبناني وميليشيا الدفاع الوطني في سوريا بالإضافة إلى قوات النظام السوري يعملون على تطوير صناعة المخدرات وإنتاجها في سوريا ومن ثم تصديرها إلى الدول الأخرى عبر طرق عديدة أبرزها معابر التهريب بين سوريا والعراق وسوريا ولبنان، والتي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية”.
يأتي ذلك بالتزامن مع إقرار لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الحالي، بتحول العراق إلى بيئة لإدمان المخدرات بعد أن كان مجرد ممر لعبورها وهو ما تسبب في إغراق المئات من الشباب في مستنقع فاسد.
وأكد أعضاء في اللجنة أن المخدرات تديرها مافيات دولية متعددة الجنسيات تستغل ظروف أي بلد من أجل إغراقه وتحويله إلى مسارات لعبورها إلى بلدان أخرى مشددين على وجوب بدء حرب فعلية على المخدرات وقطع الطريق أمام مافيات وعصابات العبث بالشباب عبر أدوات الإدمان.
وخلال مشاركته في مؤتمر مكافحة المخدرات، الذي نظمه مكتب التوصيات الدولية في الخامس عشر من تشرين الأول الماضي، بمشاركة عدد من المسؤولين في حكومتي بغداد وأربيل وممثلي عدد من البعثات الدبلوماسية والأممية والدولية في أربيل، قال وزير الداخلية في حكومة الإطار عبد الأمير الشمري إن “آفة المخدرات تعد واحدة من أخطر المشكلات التي تهدد كيان الدولة العراقية”.
وأضاف أن “المخدرات تعد من أخطر الجرائم التي تهدد كيان الدولة العراقية التي يجب أن تكون على رأس أولويات المسؤولين التنفيذيين المختصين بالملف الأمني في البلاد”.
ويرى مراقبون بأن تصريحات الشمري تعكس الفوضوية التي تُدار بها الدولة والإهمال الواضح لملف المخدرات، كما مثلت هروبًا إلى الأمام من تحمل مسؤولياته كوزير لأمن البلاد الداخلي.
ولم تكن تصريحات الشمري غريبة عن الشارع العراقي، حيث لاقت سخرية واسعة لتنصله عن مسؤولية ملف المخدرات وترك الأبواب مشرعة أمام عصابات الإطار والميليشيات المتنفذة لتهريب وتجارة المخدرات في العراق.
وانتقد عراقيون تصريحات الوزير الشمري، لافتقارها للمهنية والدقة وحديثه البعيد عن لغة الأرقام ومنطق القوة الذي يفترض أن يتحدث به كوزير للداخلية، خصوصًا مع الأرقام المفزعة التي يُعلن عنها عن عدد متعاطين والمتاجرين بالمخدرات داخل البلاد.
وكانت السلطات في العراق قد أعلنت الجمعة عن تفكيك عصابة دولية تتاجر بالمخدرات بحوزتها 51 كيلوغرامًا من مادة الكريستال، في محافظة السليمانية.
جاء ذلك بعد يوم واحد من الإعلان عن القبض على مجموعة متهمين بينهم امرأة وقاتل وصفته وزارة الداخلية الحالية بأنه “خطر جدًا” وبحوزتهم 15 كيلوغرامًا من مادة الكريستال المخدرة في محافظة ميسان جنوبي البلاد.
من جانبه أكد رئيس لجنة الصحة في البرلمان الحالي ماجد شنكالي استمرار تهريب المواد المخدرة عن طريق المنافذ الحدودية ومنافذ غير رسمية، مضيفًا أن نسبة من هذه المواد تدخل من سنجار الخارج عن سيطرة الحكومة.
وقال شنكالي في حديث لوسائل الإعلام المحلية إن “نسبة كبيرة من المواد المخدرة تأتي عن طريق التهريب من منافذ غير رسمية، مشددًا على ضرورة ضبط الحدود وتأمينها للحد من دخولها للعراق”.
وأشار إلى وجود ثغرات كبيرة في قانون مكافحة المخدرات، إلا أن التحدي يكمن في إنفاذه، في إقرار ضمني لغياب القانون ودور السلطة القضائية في مكافحة هذه الآفة الخطيرة.
وفي السياق قال مدير الشؤون القانونية في المديرية العامة للمخدرات في العاصمة بغداد العميد مهند حاتم صالح إن العدد الكلي للمعتقلين بأحكام المخدرات هم 13 ألف، تمت إدانة 8 آلاف منهم، فيما أدين 108 من المتاجرين بالمخدرات من عراقيين وجنسيات أخرى، تراوحت أحكام 70 منهم ما بين الإعدام والمؤبد.
وسبق أن اعتبرت وزارة الداخلية وعلى لسان المتحدث الرسمي باسمها سعد معن، أن ملف المخدرات أصبح أخطر من مكافحة الإرهاب في العراق.
وأكد ذلك تصريح رئيس لجنة مكافحة المخدرات في البرلمان الحالي عدنان الجحيشي، من أن الحرب الشرسة ضد المخدرات تقف خلفها جهات محلية داخلية وإقليمية ودولية ومافيات ومتنفذين من جهات مختلفة، وهناك صعوبة بهذه الحرب، خصوصًا أن آفة المخدرات باتت تهدد المجتمع العراقي بشكل حقيقي.
وكان الجحيشي قد أعلن عن إتلاف 14 طنًا من المخدرات في محافظة كركوك وحدها، مفندًا أرقام وزارة الداخلية الهادفة إلى التقليل من حجم الكارثة، فالكمية المعلن عنها في مدينة كركوك وحدها تكفي لجعل نصف الشعب العراقي البالغ عددهم 40 مليون نسمة متعاطين للمخدرات.
وسبق أن أعلنت السلطات الحكومية بناء جدار على طول الحدود الشمالية الغربية مع سوريا بعد تفاقم أزمة تهريب المخدرات وتدهور الأوضاع الأمنية.
وكان المسؤول في وزارة الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي العميد مقداد ميري قد أكد على أن عدد الملقى القبض عليهم خلال عام 2023 بلغ 17249 بتهمة حيازة المواد المخدرة وحجم ما ضُبط بلغ ثلاثة أطنان ونصف فضلًا عن ضبط 15 طنًا من المؤثرات العقلية”.
وزعم أن الوزارة بالتعاون مع وزارة الصحة تتعامل مع المتعاطين، إذ يجري وضعهم في المصحات القسرية ومعالجتهم من خلال الأطباء واللجان الطبية وهنالك تبادل للزيارات بهدف تطوير العمل.
ويفند الواقع الصحي في العراق مزاعم المتحدث باسم وزارة الداخلية، إذ يوجد وفق الأرقام الحكومية نفسها عاملان في مجال الصحة النفسية لكل 100 ألف عراقي.
وقال مدير مستشفى الرشاد للأمراض النفسية فراس الكاظمي “كما يوجد نقص في الأطباء والمعالجين النفسيين عمومًا في العراق، تكمن المشكلة الأساسية بالنسبة للمستشفى في النقص في القوة البشرية”.
وأضاف في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، نعاني شحًا في أطباء الاختصاص، لدينا فقط 11 طبيبًا نفسيًا، بينهم أنا، مدير المستشفى فيما عدد المرضى الموجودين 1425 مريضًا، ثلثان منهم رجال وثلث نساء، تتراوح أعمارهم بين 18 و70 عامًا.
ويضيف، “لا أعتقد أنه يوجد طبيب في العالم بعهدته 150 مريضًا لمدة 30 يومًا في الشهر و365 يومًا في السنة، هذا رقم ضخم جدًا”.
بالإضافة إلى ذلك، يعمل في مستشفى الرشاد للأمراض النفسية خمسة باحثين نفسيين فقط كمعالجين نفسيين، يستقبلون المراجعين في غرفة صغيرة يتناوب عليها ثلاثة منهم، وهو عدد قليل جدًا إذا ما قورن بنحو مئة مراجع يزورون المستشفى يوميًا.