سوق شراء الأصوات تكشف عمق الفساد الآسن في انتخابات مجالس المحافظات
تحذيرات من استغلال موارد الدولة والمال السياسي في عمليات شراء أصوات الناخبين في العراق بعد أن شعرت الأحزاب الفاسدة بضعف مقبوليتها وتوجه المزاج الشعبي نحو خيار المقاطعة.
بغداد – الرافدين
شهدت عمليات بيع البطاقات الانتخابية رواجًا مع بدء العدل التنازلي لانتخابات مجالس المحافظات، بعد أن ازدهرت عمليات شراء أصوات الناخبين من قبل سماسرة يرتبطون بالأحزاب والميليشيات المشاركة في هذه الانتخابات جراء الشعور بفقدان الأمل بمشاركة العراقيين في محاولة لاستغلال حاجة الفقراء منهم.
ووصل سعر البطاقة الانتخابية الواحدة بين 50 ألف و100 ألف دينار عراقي بحسب ثقل الدائرة والمنطقة الانتخابية، بعد أن تمر عملية البيع والشراء بمراحل مطولة من الاتفاق قبل أن يتم الدفع على مرحلتين.
وصار عراقيون في شتى المحافظات يسمعون بأنباء عن سعي قوائم انتخابية لشراء الأصوات عبر ما بات يعرف بـ”البطاقات الانتخابية”، وهي عبارة عن آلية يعتمدها السماسرة قائمة على أخذ ما يشبه التعهد من الناخب بالتصويت لقائمة ما مقابل استلام نصف المبلغ.
ويتم تسلم باقي المبلغ بعد الاقتراع واختيار المرشح المطلوب، لتتأكد الجهة من أن عملية التصويت تمت كما هو متفق عليه، إما عبر التصوير بهاتف نقال داخل كابينة التصويت، أو بعد فتح الصناديق وإعلان نتائج مركز الاقتراع.
وتداول ناشطون في الساعات الأخيرة مقاطع مصورة أظهرت جانبًا من عملية بع وشراء البطاقات الانتخابية داخل أحد المنازل قبل أيام من الانتخابات المرتقبة في الثامن عشر من كانون الأول المقبل فيما لم يتسن معرفة المحافظة التي صور بها هذا المقطع على وجه التحديد.
مقطع مصور يظهر عملية بيع وشراء للبطاقات الانتخابية داخل أحد المنازل قبل انتخابات مجالس المحافظات.
الحلقة كاملة | https://t.co/ataxQeH8W8
ــــــــــــ#صوتكم | #العراق | #قناة_الرافدين
الموقع الإلكتروني | https://t.co/qjKXou4Djx
قناتنا على تليغرام | https://t.co/KJipI4mEPe pic.twitter.com/NaIblRb0G3— قناة الرافدين (@alrafidain_tv) December 12, 2023
وتؤكد مصادر أن السماسرة يتقصدون التواصل مع “شيوخ ووجهاء بعض العشائر كونهم يستطيعون تأمين ما بين 50 إلى 100 بطاقة انتخابية من أفراد عشائرهم، مما يرفع من قيمة المبالغ التي يحصلون عليها.
ويرى المتابع للشأن السياسي رافد العطواني أن “هذه التجارة رائجة هذه الأيام، إذ أن هناك أكثر من مؤشر يعطي دلالة على أن بعض المرشحين يشترون هذه البطاقات، ما يعد نوعًا من أنواع الفساد المالي والانتخابي، مشددًا على أهمية تبني طريقة سليمة لعملية تجميع هذه البطاقات، لأن شراءها تزوير في حقيقة العملية الديمقراطية”.
وأشار العطواني إلى “وجود عدم ثقة بين الشريحتين، لا الناخب يثق في المرشح، ولا المرشح يثق بالناخب لأنه هناك خيبة أمل تصيب الطرفين، تدفع بعض المرشحين لتجميع بطاقات الناخبين عن طريق شرائها بأثمان بخسة ومرة أخرى عن طريق العرف العشائري والضغط على رموز العشيرة من أجل جمع هذه البطاقات من أبناء عمومتهم وحثهم على انتخاب مرشحيهم على أمل أن تكون لهم حظوة داخل المجالس المحلية والمجالس البرلمانية”.
وتابع “ينبغي على المرشح أن يطلق أو يثقف لبرنامج انتخابي ويدع المواطن هو من يصوت ويختار الشخص الذي يرغب في ترشيحه، سواء كان في مجالس المحافظات أو المجلس المحلي أو البرلماني”.
ووصف المتابع للشأن السياسي هذا التصرف بأنه غير سليم ونوع من أنواع الفساد إذ لا يمكن بناء دولة حقيقية إن لم تكن هناك ثقة وتنفيذ للوعود التي يطلقها المرشحون، وكذلك على الناخبين ألا يبيعون ضمائرهم بأثمان بخسة فهذه أمانة وطن”.
وعلى الرغم من وضع المفوضية العليا للانتخابات في العراق حدًا أقصى للإنفاق في الحملات الانتخابية المقبلة إلا أن أطرافًا سياسية تشكّك بإمكانية التزام الأحزاب المتنفذة بتلك الحدود، في ظل الإنفاق الضخم الذي شمل عمليات شراء الأصوات وسط دعوات لمتابعة مصادر الأموال التي تُصرف في الحملات الانتخابية.
ويؤكد المحلل السياسي ماهر جودة، أن مفوضية الانتخابات والحكومة بكافة أجهزتها الرقابية أمام امتحان حقيقي بملف إنفاق الكتل السياسية الأموال الخيالية، وذلك “لمعرفة مصدر تلك الأموال، ومنع أي استغلال لموارد الدولة في العملية الانتخابية، ومنع المال السياسي في فرض بعض الإرادات”.
ولفت في هذا السياق إلى وجود “شكوك كبيرة لدى الأوساط السياسية والشعبية بالسيطرة على الإنفاق المالي العالي لبعض الكتل والأحزاب في الحملات الدعائية الانتخابية”.
وأوضح جأن “قانون الأحزاب على الرغم من تشريعه منذ سنوات طويلة، لكنه ما زال معطلًا، كونه يضر بمصالح الكثير من الكتل السياسية، التي ما زال مصدر تمويلها مجهولا”.
وأضاف هذه الأحزاب تُنفق ملايين الدولارات على حملاتها الانتخابية وعملها السياسي، فضلًا عن استغلالها موارد الدولة بشكل كامل لمصالحها الحزبية”.
ناشط من ذي قار ينتقد ظاهرة بيع الأصوات الانتخابية ويحمل السياسيين مسؤولية إفقار العراقيين.
الحلقة كاملة | https://t.co/ataxQeHGLG
ــــــــــــ#صوتكم | #العراق | #قناة_الرافدين
الموقع الإلكتروني | https://t.co/qjKXou5b95
قناتنا على تليغرام | https://t.co/KJipI4ncEM pic.twitter.com/HADxlEhjmC— قناة الرافدين (@alrafidain_tv) December 12, 2023
وتبدو انتخابات مجالس المحافظات في العراق فرصة لكثيرين من المرشحين لإطلاق وعودهم الانتخابية بهدف كسب الأصوات بحجة تقديم الخدمات في أوقات الانتخابات والتي تكاد تكون وقتية وتختصر في فترة الانتخابات فقط حيث تعد غطاءًا لعمليات شراء الذمم والأصوات.
ويرى الخبير في مكافحة الفساد سعد ياسين موسى أن من المؤشرات الموسمية على الانتخابات هي استغلال الموارد العامة في الترويج الإعلامي للكيانات السياسية المتنافسة، وبالأخص التي لها تواجد إداري تنفيذي، ولا سيما استغلال النفوذ السياسي والتمدد على المؤسسات الخدمية التنفيذية “في رصف الطرق ووضع محولات كهرباء، واستغلال النفوذ في استحصال أموال في القطاع الاجتماعي بداعي مساعدة العائلات الفقيرة في حين هي عملية شراء أصوات”.
ووجه موسى دعوته إلى مفوضية الانتخابات لمراقبة الكيانات السياسية المتنافسة والأفراد المرشحين لمنع استغلال الموارد العامة، فضلا عن تحييد القيادات الإدارية التنفيذية المحلية لمنع استغلال موارد الدولة في الترويج الانتخابي والذي يعد ضرورة قصوى، إلى جانب الإفصاح عن تمويل الأحزاب وفق القانون النافذ.
بدوره أكد الباحث في الشأن السياسي والاقتصادي صالح لفتة، أنه لا وجود للخدمات إلا وقت الانتخابات “إذ من المؤسف أن هذا ما يجري فعلا على أرض الواقع مع بعض الاستثناءات التي لا تذكر”.
ولفت لفتة إلى أن هذا الخداع سببه الرئيس ضعف تطبيق القانون سواء من حيث مصدر الأموال التي تصرف من دون تخطيط أو دراسة جدوى، وتطييب خواطر، ومن أجل كسب الأصوات أو باستغلال المناصب واستخدام إمكانيات الدولة للتأثير في الناخبين واستغلال حاجة المواطن الذي هو كذلك جزء من عملية الخداع التي تجري لأنه أدرك بالتجربة أن كثيرًا من الخدمات التي هي حق من حقوقه، لكن تلك الحقوق لا يمكن تنفيذها إلا وقت الانتخابات”.
وتابع “لذلك يحاول البعض الحصول على أكبر قدر مما يريدون قبل دعمهم شخصًا معينًا وغالبًا من يحصلون على الدعم من المواطنين هم مَن بيدهم السلطة”.
وختم قوله “متى تطبّق القوانين بشدة على الجميع ستختفي هذه المظاهر والممارسات غير المقبولة”.
وتواجه ظاهرة شراء الأصوات حالة من الاستياء الشعبي بسبب المزاج العام الداعي لمقاطعة الانتخابات بعد فشل مجالس المحافظات في تقديم الخدمات وانتشال المحافظات من واقعها المتردي خدميًا.
وهذه أول انتخابات لمجالس المحافظات منذ العام 2013، بعد حل المجالس السابقة في العام 2020 في محاولة لتهدئة الشارع إبان ثورة تشرين وحراكها الشعبي غير المسبوق الذي عد مجالس المحافظات حلقة زائدة وبابًا للفساد المشرع أمام تبديد الأموال في البلاد لمصالح حزبية ضيقة دون تقديم خدمات حقيقية على أرض الواقع.