أخبار الرافدين
تقارير الرافدينمجالس المحافظات: بوابة مشرعة على الفساد

العزوف الشعبي يُسقط انتخابات مجالس المحافظات قبل إجرائها

الإطار التنسيقي يلجأ لورقة تأجيج الطائفية بعد خشيته من تأثير مقاطعة الانتخابات شعبيًا على رصيده في التحكم بثروات العراقيين ومقدراتهم.

بغداد – الرافدين

تتسع دائرة المقاطعة لانتخابات مجالس المحافظات يومًا بعد آخر وبشكل لافت بين أوساط العراقيين في مؤشر على حجم النقمة الشعبية ضد العملية السياسية وأحزابها وميليشياتها بعد الفشل المتراكم طوال عقدين من الزمن في تقديم الخدمات وانتشال البلاد من واقعها المتردي اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا.
وتؤكد مواقف العراقيين وما تعبر عنها منشوراتهم في مواقع التواصل الاجتماعي وأحاديثهم فيما بينهم في أماكن العمل والأسواق والمقاهي الشعبية وجود توجه نحو العزوف عن المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات التي ستجري في الثامن عشر من كانون الأول الجاري كونها حلقة زائدة من حلقات فساد نظام المحاصصة.
وتشير التوقعات إلى تكرار سيناريو المقاطعة الواسعة كما حصل في الانتخابات البرلمانية عام 2018 حينما قاطع معظم العراقيين تلك الانتخابات قبل أن تترجم ثورة تشرين فيما بعد عن شدة غضبهم من مخرجات العملية السياسية القائمة بعد 2003.
وينظر الكثير من العراقيين بعدم ثقة للوعود التي يقدّمها المرشحون لانتخابات مجالس المحافظات التي ستفرز فيما بعد شخصيات تتحكم بأوكار الفساد وتخدم المصالح الخاصة على حد تعبيرهم.
ويعلق رشاد وهو صاحب متجر في بغداد، على دعوات المشاركة بالانتخابات بسخرية، “أنتخب؟ لماذا؟”.
ويضيف الرجل البالغ من العمر 45 عامًا في تصريح لمراسل وكالة الصحافة الفرنسية في بغداد “المرشحون هم من نفس الأحزاب التي فازت من قبل، لماذا أنتخب من يبحث عن المنافع، ولا يهمه الناس وما يحتاجون إليه؟”.
من جهته يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأنبار محمد دحام إن “المواطن العراقي وبعد عقدين من الزمن على العملية السياسية في العراق، وصل إلى نتيجة تشير إلى عدم القناعة بمخرجات العملية الانتخابية، كونه لم يلمس أي إشارات إيجابية لمشاركته في العمل السياسي”.
ويشير دحام إلى أن “هذه النتيجة التي وصل إليها المواطن، ليست عشوائية، وإنما مرتبطة بالبيئة الانتخابية المتمثلة بقانوني الانتخابات والمفوضية، وإصرار الأحزاب المتنفذة بضرورة بقائها في السلطة لأطول وقت ممكن”.
ويتفق رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري مع ما ذهب إليه أستاذ العلوم السياسية بالقول، أن “المؤتمرات والدعايات التي خصصت لها الملايين من الدولارات لم تنفع بإقناع المواطن بالمشاركة في الانتخابات”.
ويرى أن “النتيجة واحدة سواء شارك المواطن في الانتخابات أو لم يشارك، لأنها حتمًا ستكون لصالح الجهات التي تمتلك القوة والسلاح، وهكذا نعود لنقطة الصفر، المواطن هو الخاسر الأكبر”.

العراقيون يحملون العملية السياسية ومخرجاتها مسؤولية أوضاعهم الكارثية وانعدام الخدمات في مدنهم

ومع اقتراب موعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات في العراق، يثير اتساع دائرة المقاطعة الشعبية مخاوف “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران مما سمّاه “اختلال التوازنات”، في وقت بدأت فيه أحزاب وميلشيات هذا التحالف بحملة مناهضة تعتمد الخطاب الطائفي في محاولة لجر الناس إلى الانتخابات.
وحذر زعيم “تيار الحكمة” المعروف بقربه من إيران عمار الحكيم من دعوات عدم المشاركة ومنع الناس من ذلك، معتبرًا أنها ستخلق نتائج “غير متوازنة في تمثيل المكونات الاجتماعية”.
وحمّل الحكيم من سمّاهم بـ”دعاة منع الناس من المشاركة”، مسؤولية اختلال التوازن المكوناتي وحالة عدم الاستقرار التي ستترتب عليه، في إشارة الى الصراع المحتدم أسريًا وسياسيًا مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي طالب أنصاره بمقاطعة الانتخابات.
ووفقًا لنائب في البرلمان الحالي، فإن “قيادات الإطار التنسيقي قد قررت البدء بتنفيذ حملة مضادة لدعوات المقاطعة للانتخابات لاسيما دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لتحشيد الأصوات لخوض الانتخابات”.
وأوضح النائب الذي فضل عدم الكشف عن هويته أن “حملة الإطار تركز على البعد الطائفي، وبدأت تروج لما سمته باختلال التوازنات، أي التوازنات الطائفية، خاصة في المناطق المختلطة طائفيًا، إذ إن الغلبة فيها لن تكون للمكون الشيعي بعد دعوة الصدر”.
بدوره أكد الباحث في الشأن السياسي العراقي مهند الجنابي أن “تحميل المقاطعين مسؤولية الإخلال بالتوازن الوطني، هو وصف خطير بحق من يختار عدم المشاركة”.
وتساءل الباحث في الشأن السياسي العراقي في تدوينة له هل باتت قوى الإطار تخشى من مقاطعة الانتخابات؟”.
وأضاف الجنابي “بدلًا من هذا الوصف، كان ينبغي على قوى الإطار العمل على استعادة ثقة الناخبين بالعملية السياسية، لدفع المواطنين نحو المشاركة”.
وفي خضم حمى استعدادات الأحزاب وميليشياتها للانتخابات تتعالى الأصوات بين نخب سياسية ناشئة إلى تكريس خيار المقاطعة الشعبية كونه يعبر عن رأي أغلبية العراقيين.
ومن بين هذه القوى التي برزت مؤخرًا “جماعة رفض” التي عرفت نفسها بأنها مجموعة ضغط سياسي تتكون من وجهات نظر متقاربة لشخصيات اقتصادية وقانونية ومجموعة من الإعلاميين.
وأعلن المنضون تحت هذا العنوان عن نفسهم كجماعة تعارض منهاج إدارة الدولة (القوى التي شكلت حكومة الإطار التنسيقي) الذي تشكل على “أساس المحاصصة وتقاسم السلطة”.
ويقول عضو جماعة “رفض” سلام الحسيني إن “مقاطعة الانتخابات في العراق لم تكن وليدة اللحظة وإنما بدأت منذ انتخابات عام 2005 وحتى انتخابات مجلس النواب عام 2021، وصولاً إلى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات المقبلة”.
ويؤكد الحسيني أن انضمام الجماعة لحملة المقاطعة جاء “بسبب الأسس التي بنيت عليها الدورات الانتخابية التي تسببت بمشاكل وأزمات، أفرزت المشكلات الأساسية التي تصيب العملية السياسية اليوم، كقانون الأحزاب والمحاصصة وأزمات التوافق، وبقية العناوين التي تتحجج بها الأحزاب السياسية التي تدير سلطة القرار العراقي”.
وأشار الحسيني إلى أن “المقاطعة أشبه ما تكون بحالة رفض واحتجاج سياسية شعبية مجتمعية ونخبوية للتوعية بأن هناك أسس خاطئة مبنية من قبل السلطة، والتي تديرها عبر أحزابها ومكاتبها الاقتصادية”.
وعلى غرار موقف جماعة رفض تتبنى حركة “وعي” وهي إحدى القِوى الناشئة التي تشكلت بعد “ثورة تشرين”، خيار مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات منذ شهر آذار الماضي.
ويوضح عضو المكتب السياسي للحركة ميسر الشمري أن “قرار المقاطعة جاء بعد قناعتنا أن السلطة المهيمنة على معادلة صنع القرار، عملت على ضرب قانون الانتخابات الذي حدد التصويت ضمن دوائر صغيرة، وذهبت إلى قانون سانت ليغو سيئ الصيت، الذي يُعمق نفوذ السلطة الحالية”.
وأضاف الشمري “في البداية كنا نأمل أن يتم تكوين جبهة رافضة تنظم نفسها سياسيًا، وحاولنا السعي لتأسيسها بهدف العمل على إزاحة السلطة، لكن هذه الخطوات لم تتكلل بالنجاح وبناءًا على ذلك، ذهبنا إلى خيار المقاطعة، فالمشاركة في ظل الوضع الحالي غير مجدية”.

تمزيق دعايات المرشحين لانتخابات مجالس المحافظات يعكس مستوى النقمة الشعبية تجاه الأحزاب وميليشياتها

وعلى الصعيد الحكومي تحاول الأجهزة الأمنية بث الرعب بين أوساط الناشطين ممن يتبنون خيار المقاطعة وممن يرفضون نشر صور الدعايات الانتخابية في مناطقهم عبر حملات اعتقال تطال من يثقف لخيار المقاطعة ويشارك في تمزيق تلك الدعايات.
وعلى الرغم من عدم وجود نصوص قانونية صريحة تبيح للحكومة ملاحقة من يثقف للمقاطعة إلا أن جهاز الأمن الوطني مستمر في إعلان اعتقال عدد من الشباب المقاطعين ممن مزقوا صور المرشحين في بغداد وعدد من المحافظات وفقًا لبيانات رسمية.
وفي هذا السياق يؤكد الخبير في الشأن القانوني علي التميمي أن “المشاركة في الانتخابات ليست إجبارية، بل هي اختيارية والقانون منح هذه الفرصة لكل المواطنين والأحقية الكاملة في المشاركة او المقاطعة، وهذا خيار شخصي ولا يوجد أي إلزام بالمشاركة”.
وأضاف أن “دعوات مقاطعة الانتخابات، ليست جريمة أو فعل يحاسب عليه القانون، خصوصًا أن هذه الدعوات تبقى اختيارية من قبل المواطنين في الأخذ بها أو تركها والذهاب إلى الانتخابات”.
وأشار إلى أن “دعوات مقاطعة الانتخابات ليست بالجديدة، بل هي تنطلق مع كل انتخابات من قبل جهات سياسية أو شعبية أو اجتماعية، وهو أمر طبيعي في ممارسة النشاط السياسي ولا محاسبة قانونية على ذلك”.
وأجريت اول انتخابات مجالس محافظات في عام 2005 مع انتخابات مجلس النواب والتصويت على الدستور واستمر عمل هذه المجالس أربع سنوات حتى جرت الانتخابات الثانية في عام 2009 ومن ثم في عام 2013 جرت ثالث انتخابات لمجالس المحافظات قبل أن تتوقف لنحو عقد من الزمن.
وكان من المقرر أن تجري انتخابات مجالس المحافظات في عام 2017 إلا أن الوضع الأمني الذي كان يعيشه البلد حينها حال دون ذلك ليتم تأجيلها حتى آيار 2018، ثم تأجيلها مرة أخرى إلى أيلول 2018 ومن ثم أرجأت إلى تشرين الأول 2019 إلا أن خروج المظاهرات والرفض الشعبي من ثوار تشرين لهذه الانتخابات حال دون إجرائها في ذلك التاريخ.
وتتولى مجالس المحافظات مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولها صلاحيات الإقالة والتعيين، وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة في بغداد، وفقًا للدستور إلا أنها متهمة بالوقت ذاته بتحولها إلى دكاكين للأحزاب ومكاتب الميليشيات الاقتصادية بهدف الاستحواذ على أموال المشاريع المخصصة للمحافظات وبنيتها التحتيتة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى