أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدينمجالس المحافظات: بوابة مشرعة على الفساد

“الرافدين” تكشف أكبر جريمة إنسانية تم التغاضي عن مرتكبيها في فيلم “النزوح إلى الموت”

مدير قناة الرافدين محمد الجميلي: فيلم "النزوح إلى الموت" عمل مهم لتوثيق جريمة ضد الإنسانية يراد طمسها من قبل كل الفاعلين في المشهد العراقي.

الأنبار- الرافدين
كشف فيلم وثائقي أعده فريق تلفزيوني في قناة “الرافدين” الفضائية عن أكبر محنة نزوح في تاريخ العراق المعاصر تم التغاضي عن مرتكبيها من قوات حكومية وميليشيات ومازال إلى اليوم مصير مئات الآلاف من المغيبين قسرًا غير معروف.
وأجمع المتحدثون في فيلم “النزوح إلى الموت” وشهود عيان على حدوث جريمة إنسانية ارتكبها نوري المالكي ومن ثم حيدر العبادي، ضد القوانين الدولية في عملية نزوح مئات الآلاف من أهالي المدن المنكوبة في غرب العراق، ومع ذلك تم إغلاق الملف.
وكشف الفيلم الذي يمتد على خمسين دقيقة كيف تحولت المحافظات الغربية كلها لساحة حرب شهدت أقسى الانتهاكات من العقاب الجماعي للسكان إلى تدمير المساكن على رؤوس أهلها مرورًا بفرض الحصار والتجويع ومنع وصول الإغاثة إلى المدنيين دون مراعاة للقوانين الدولية والإنسانية التي تسري أثناء النزاعات المسلحة.
وبين عامي 2014 و2017 نزح ما يربو على 8 ملايين من محافظات الأنبار وبابل وديالى وصلاح الدين والموصل وكركوك وأطراف بغداد.
وتناول الفيلم الذي تعرضه قناة “الرافدين” كيف لم يجد ملايين السكان في ست محافظات طريقًا سوى النزوح مشيًا على الأقدام لساعات، وأيام طويلة، في رحلة معاناة مليئة بالمشقة والرعب، هربًا من جحيم المعارك والقنابل والبراميل المتفجرة بحثًا عن ملاذ آمن وبدا لهم أنهم فروا من الموت إلى موت آخر، موت بطيء أشد وطأة وأكثر كلفة، فتحول النزوح إلى كارثة عميقة مستمرة.
واصطدم بحر النزوح الممتد من صحراء الأنبار إلى جسر بزيبز، باتجاه بغداد، بسواتر وحواجز حكومية، وضعت على الجسر، وهو المعبر الخشبي الصغير على نهر الفرات، الذي يربط مناطق غرب العراق بالعاصمة بغداد.
وشكّل الجسر صورة رمزية، أضحت رمزا للعار في العالم، حيث قامت حكومة حيدر العبادي عام 2016 بمنع النازحين من سكّان محافظة الأنبار من دخول بغداد.
ووصف مدير قناة الرافدين محمد الجميلي فيلم “النزوح إلى الموت” بالعمل المهم لتوثيق جريمة ضد الإنسانية يراد طمسها من قبل كل الفاعلين في المشهد العراقي.
وقال الجميلي قبيل عرض الفيلم في قناة “الرافدين” “(النزوح إلى الموت)، هو آخر الأفلام الوثائقية التي أنتجها قسم البرامج والأفلام الوثائقية في القناة، وكان قبله العديد من الأفلام منها: الفيلم الوثائقي (نكبة الموصل)، عن الكارثة التي حلت بها وبأهلها وتراثها بحجة محاربة إرهاب داعش، ومنها الفيلم الوثائقي الذي أنتجته الرافدين بمناسبة الذكرى المئوية لثورة العشرين المجيدة (ثورة العشرين.. وطن وراية)، والفيلم الوثائقي (وطن حتى الموت) الذي جسد نضال ثوار تشرين، الثورة العظيمة بمعانيها التي هزت أركان النظام الطائفي عام 2019، وأفلام أخرى عن جرائم الميليشيات والقوات الحكومية مثل (المختطف رقم 1)، وفيلم (الإفلات من العقاب)”.

محمد الجميلي: توقيت بث الفيلم قبيل موعد انتخابات مجالس المحافظات لبيان خذلان من يدعون تمثيل سكان المحافظات المنكوبة وهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئا يذكر لذوي المغيبين سوى اتخاذ مأساتهم ورقة انتخابية يتاجرون بها

وأوضح بأن فيلم (النزوح إلى الموت)، يوثق لمرحلة خطيرة في تأريخ العراق الحديث بعد عام 2014 عندما بدأ التحالف الدولي والقوات الحكومية والميليشيات حربهم على المحافظات المنكوبة انتقامًا منها لمقاومتها الباسلة للغزو الأمريكي للعراق، بذريعة تحريرها من تنظيم الدولة (داعش)، والتي قتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء وشرد ما يقرب من ثمانية ملايين من السكان في العراء، ويوثق الفيلم كارثة النزوح هذه والمعاناة التي قاسوها عند هروبهم من بيوتهم ومدنهم بسبب القصف الوحشي، وكيف خطفت الميليشيات الآلاف منهم وغيبتهم فلا يعرف مصيرهم حتى اليوم، ووثق الفيلم أيضا مأساة (جسر بزيبز) الذي كان المعبر الوحيد لنازحي محافظة الأنبار إلى بغداد، وكيف منعتهم حكومة العبادي وميليشياتها من دخول بغداد، كما يسلّط الضوء على معاناتهم في مخيمات النزوح وخصوصًا الأطفال منهم، وتركهم لمدارسهم وانعدام الرعاية الصحية لهم، ويتطرق الفيلم لأسباب منع الميليشيات لعودة الكثير من النازحين إلى منازلهم، وخصوصًا سكان (جرف الصخر) جنوب بغداد، وتخلي الحكومات المتعاقبة عن حل معضلتهم، وكيف اتخذها سياسيو المحافظات المنكوبة ورقة سياسية يستغلونها أثناء حملاتهم الانتخابية.
وشدد مدير قناة الراقدين في ختام كلامه على أن توقيت بث الفيلم قبيل موعد انتخابات مجالس المحافظات لبيان خذلان من يدعون تمثيل سكان المحافظات المنكوبة وهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئا يذكر لذوي المغيبين سوى اتخاذ مأساتهم ورقة انتخابية يتاجرون بها.
وذكر ياسين التميمي كاتب ومخرج فيلم “النزوح إلى الموت” كيف تم تصوير أربعين ساعة في مخيمات النزوح، غير أن السلطات الحكومية صادرت الأفلام ومنعت فريق العمل من التصوير.
وقال “أصعب مكان للتصوير في العراق مخيمات النزوح والحصول على إذن وتصريح بالتصوير يأتي بشق الأنفس ولا يعطى الا للقنوات الحكومية حتى تنقل الجانب الذي تريده، خاصة مخيمات أهالي مناطق جرف الصخر ومناطق شمال بغداد (يثرب وقرى الإسحاقي ومناطق قرب سامراء)”.
وأكد مخرج الفيلم على أن فريق العمل دخل معظم مخيمات النزوح في غرب بغداد وفي أكثر من مرة تم احتجاز المصور وأخذ المادة المصورة، وفي إحدى المرات كسرت الكاميرا قوات حكومية من أمن الحشد الشعبي، وتم احتجاز الكادر لساعات.
وبين عامي 2006 و2014 كان العراقيون على قدر لن ينسوه على الرغم من مآسي الاحتلال التي أهلكت الحرث والنسل فقد حكم العراق رئيس وزراء وصف بالطائفي حتى النخاع أنه نوري المالكي الذي عانى منه العراقيون عمومًا وأهل السنة على وجه الخصوص الأمرين بسبب سياساته الطائفية، واستدعائه لاحقًا التاريخ قولًا وفعلًا.
وفي أواخر شهر كانون الأول من عام 2012 انطلقت تظاهرات مليونية ضد سياسات حكومة المالكي الطائفية في ست محافظات عراقية بينها العاصمة بغداد، واتسمت بالسلمية والاستمرار والاتساع، جغرافيا واجتماعيا وانتشرت الحركة الاحتجاجية في جميع محافظات الوسط والشمال العراقية.

ياسين التميمي: صورنا 40 ساعة في مخيمات النزوح، غير أن السلطات الحكومية صادرت الأفلام ومنعت فريق العمل من التصوير

وبعد نحو سنة من الاعتصامات والتظاهرات، لم تستجب حكومة المالكي لمطالب المعتصمين، بل صدر قرار المالكي بشن حملة ضد اعتصامات مدن الحويجة في كركوك والرمادي والفلوجة في الأنبار غربي العراق وبدا حملته في الحادي والثلاثين كانون الأول 2013، باقتحام ساحات الاعتصام بالقوة العسكرية.
في المقابل أعلن علماء الدين وزعماء العشائر في المحافظات الست معارضتهم لهجمات القوات الحكومية على مدنهم واعتصاماتهم السلمية ودعوا إلى الدفاع عن النفس بكل الوسائل المشروعة.
وهكذا أدخل المالكي الجيش الحكومي طرفًا في الصراع السياسي، وبدأ الجيش بأوامر من حكومة المالكي باستهداف مراكز المدن بالصواريخ والطيران الحربي والبراميل المتفجرة لتبدأ أكبر موجة نزوح جماعي في تاريخ العراق المعاصر.
ساهم في تعقيد هذا المشهد ظهور تنظيم داعش قادمًا من الصحراء والبلدات السورية المحاذية لحدود العراق، مستغلا الغضب الشعبي ضد الانتهاكات الحكومية وسيطرته على مراكز بعض المدن الرئيسية في المحافظات المنتفضة، ومازالت الاتهامات تلاحق المالكي بأنه وراء بروز داعش في العراق خصوصًا بعد واقعة الهروب الكبير من سجن “أبو غريب”.
لم ينته المشهد بظهور تنظيم داعش، بل رافقه بروز قاسم سليماني رئيس فيلق القدس الإيراني، وقادة من الحرس الثوري الإيراني للعلن بالقرب من المدن العراقية الغربية والشمالية، بحجة مواجهة الارهاب. وهكذا تحولت المحافظات الغربية كلها لساحة حرب شهدت أقسى الانتهاكات من العقاب الجماعي للسكان إلى تدمير المساكن على رؤوس أهلها مرورًا بفرض الحصار والتجويع ومنع وصول الإغاثة إلى المدنيين دون مراعاة للقوانين الدولية والإنسانية التي تسري أثناء النزاعات المسلحة.
ولم يجد ملايين السكان في مدن المحافظات الست طريقًا سوى النزوح مشيًا على الأقدام لساعات، وأيام طويلة، في رحلة معاناة مليئة بالمشقة والرعب، هربًا من جحيم المعارك والقنابل والبراميل المتفجرة بحثًا عن ملاذ آمن وبدا لهم أنهم فروا من الموت إلى موت آخر، موت بطيء أشد وطأة وأكثر كلفة، فتحول النزوح إلى كارثة عميقة مستمرة.
وكان أشد النزوح كارثية في مدن الأنبار غربي العراق بين عامي 2014 و2016، حيث نزح معظم سكانها بسبب القصف الشديد بمختلف أنواع الأسلحة من قبل التحالف الدولي والجيش الحكومي والميليشيات بقيادة قاسم سليماني في حرب هدفها المعلن القضاء على عناصر تنظيم داعش التي تسللت إلى هذه المدن، ولكن الموت والتشريد كان من نصيب السكان المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة فخرج من نجى من الموت تاركين كل شيء وراءهم حتى أوراقهم الثبوتية من هويات أحوال مدينة وأوراق الملكية وغيرها من الاوراق الرسمية.
واصطدم بحر النزوح الممتد من صحراء الأنبار إلى جسر بزيبز، باتجاه بغداد، بسواتر وحواجز حكومية، وضعت على الجسر، وهو المعبر الخشبي الصغير على نهر الفرات، الذي يربط مناطق غرب العراق بالعاصمة بغداد.
وشكّل الجسر صورة رمزية، أضحت رمزا للعار في العالم، حيث قامت حكومة حيدر العبادي عام 2016 بمنع النازحين من سكّان محافظة الأنبار من دخول بغداد.
وبعد أشهر من وقوف النازحين على أعتاب جسر بزيبز يتوسلون عبور الجسر إلى بغداد وضعت حكومة العبادي أمامهم ما يشبه “تأشيرة دخول” (فيزا) يتعين على أي نازح الحصول عليها لدخول العاصمة بغداد.
ولم تسلم عشرات الآلاف من العائلات الناجية والنازحة من الحرب أثناء رحلة النزوح من موت فروا منه، ففي الطرق والنقاط الحكومية للجيش والميليشيات خصوصًا في سيطرتي الرزازة والصقور ومناطق أخرى كانت هذه العائلات على موعد مع مأساة جديدة لا تقل قسوة عن تلك المأساة التي أخرجتهم من بيوتهم فقد تلقفتهم يد الميلشيات، وفصلت الرجال عن النساء، ثم اعتقل الرجال بحجة التحقيق معهم ولا يعرف مصيرهم حتى اليوم، وباتوا يعرفون بالمخفيين قسرًا.
وبين عامي 2014 و2017 نزح ما يربو على 8 ملايين من محافظات الأنبار وبابل وديالى وصلاح الدين والموصل وكركوك وأطراف بغداد.
فمن محافظة الأنبار نزح نحو مليوني مدني بين عامي 2014 و2016 ومن مناطق شمال وجنوب بغداد نزح نحو نصف مليون مدني. وفي ناحية جرف الصخر بمحافظة بابل وصل عدد النازحين الى ثلاثمائة ألف نازح. ومن كركوك نزح ما يقرب من مليون مدني بين عامي 2014 و2017، اما محافظة صلاح الدين فنزح معظم سكانها البالغ عددهم نحو مليون ونصف المليون في عام 2014.
ونزح من أقضية محافظة ديالى من مناطق المقدادية – جلولاء – السعدية – العظيم – حمرين نحو 750 ألف مدني في عام 2014.
ومن محافظة نينوى ومركزها الموصل، نزح نحو مليونين ونصف المليون شخص بين عامي 2014 و2017.
ولكون الموصل أصبحت مقرًا لزعيم تنظيم داعش بعد سيطرته الكاملة عليها في مواجهة وصفها خبراء الحروب بالمضحكة عندما تخلت ما يقرب من أربع فرق عسكرية للجيش العراقي عن مواقعها وهربت باتجاه بغداد تاركة كل أسلحتها غنيمة لبضع مئات من عناصر تنظيم داعش، تعرضت المدينة الى تدمير شامل وقصف لكل شارع وحي ومنزل في الحملة التي شارك فيها التحالف الدولي بقيادة امريكا جنبًا إلى جنب مع ميليشيات الحشد الموالية لإيران لطرد عناصر داعش من المدينة، وهكذا نزح ما يقرب من مليونين ونصف المليون من سكان المدينة ناهيك عن الآلاف الذين قضوا تحت ركام منازلهم بسبب القصف العشوائي.
وفي مخيمات النازحين التي آوتهم بعد مشقة كبيرة تعددت أشكال معاناتهم ونال كل فرد من العائلات نصيبه من البلاء إن كان أمًا أو أبًا أو زوجًا، ولكن المتضرر الأكبر والذي سيظل يدفع ثمنًا باهظًا من حياته ومستقبله هم فئة الأطفال أو الذين ولدوا في هذه المخيمات التي تفتقر للرعاية الصحية، ومقومات العيش الكريم، حيث اجتمع عليهم الفقر والجوع والأمراض ونكبة فقد الأحبة والديار.
وبحسب المنظمات الدولية ثمة 4.7 ملايين طفل تأثر مباشرة بالنزاع في عموم العراق، و3.5 ملايين طفل خارج المدرسة. وتشير تقديرات “يونيسف” إلى تأثر أكثر من نصف مليون طفل داخل الموصل لوحدها بسبب الحرب.
ويعيش الأطفال الذين يقيمون في المخيمات ظروفًا صعبة جدًا، فالقسم الأعظم منهم في تلك البقعة الجغرافية في شمال البلاد، يعيشون في الخيام إما يتامى لا معيل لهم، أو مع آباء منهكين من صعوبات الحياة.
وسلك الكثير من أطفال المخيمات طرقًا لا تناسب أعمارهم فرضتها قسوة الحياة، تاركين مدارسهم التي تدمر معظمها، لصالح العمل بأجر يومي من أجل مساعدة عائلاتهم لتأمين قوت يومهم في ورشات الصناعة وبين مكبات النفايات، أو التسول بين الأحياء والشوارع. لتتحول عمالة الأطفال إلى جرح نازف يعيش ألمه الكثير من العائلات العراقية.
وولد ما يقرب من 3 ملايين طفل في العراق مع بداية النزوح في 2014 وهم لا يعرفون شيئًا سوى الحرب والمخيمات، وفي مناطق كثيرة من العراق ما زالوا يعيشون في خوف من العنف والألغام الأرضية، من مخلّفات الحرب.
وتركت هذه الحروب ندوبًا نفسية لدى الأطفال العراقيين، فالملايين منهم ظهر عليه علامات الاضطراب النفسي، بما في ذلك القلق والحزن والتعب أو اضطرابات النوم المتكررة بحسب المنظمات الحقوقية الدولية التي تعمل في العراق.
ذاكرة مليئة بمشاهد الدمار والقتل يحملها الأطفال العراقيون في مخيمات النزوح، لاسيما هؤلاء الذين عاينوا القصف وتعرضوا للتهجير من منازلهم ومدارسهم وفقدوا ذويهم حيث تركت ظروف الحرب آثارا سلبية في نفوس الأطفال كرد فعل على مشاهد القتل والدمار التي مرت بهم، وولدت لديهم الحس العدائي تجاه المجتمع المحيط بهم.
ومنذ عام 2014 لا تزال الرياح تعصف بخيام النازحين العراقيين في شمال العراق ووسطه، وقد حرموا من النوم مع كل عاصفة بسبب خوفهم من انهيار خيامهم فوق رؤوسهم، كما تعرضت المخيمات للغرق بسبب الأمطار، وشهدت 61 بالمئة من المخيمات تمزق واقتلاع الخيم نتيجة الرياح العاتية والعواصف، وخلال فصلي الصيف والشتاء واجهت العائلات الأمطار والأوحال وانتشار الأمراض، وتحديدًا فيروس كوفيد 19 عام 2020 الذي تفشى بينهم، مع غياب حملات التطعيم، وهو ما عرّض حياتهم للخطر وتوفي عدد منهم متأثرًا بالفيروس.
وتقول المنظمات الحقوقية إن الإقامة في المخيمات هو بقاء في العراء، حيث لا تستطيع تلك الخيم أن تقدم الحماية اللازمة للنازحين من العوامل الجوية.
في مخيمات النزوح، حيث الفقر والحرمان وقلة الاهتمام، إضافة إلى الأمراض، والشعور باليأس، جميعها أسباب دفعت بعض النازحين إلى الانتحار، وخاصة فئة الشباب.
ويقول متخصصون في الصحة النفسية إن تزايد حالات الانتحار بين النازحين، نتيجة حتمية في ظل غياب الاهتمام الحكومي بهذا الملف المعقد، فغالبيتهم يشعرون أنهم سيقضون حياتهم كلها في المخيمات، رغم أن جميع مناطقهم عادت إلى سيطرة الحكومة، ولا يهددها خطر تنظيم داعش.
وأخفقت أربع حكومات منذ عام 2014 وحتى عام 2023 في الإيفاء بوعودها، بإعادة جميع النازحين العراقيين إلى مناطقهم، ومدنهم الأصلية. فرغم مرور عقد على النزوح، ما زال هناك أكثر من مليون ونصف المليون عراقي في رحلة نزوح داخلية مستمرة ومتكررة.
ويقول ناشطون إن المأساة التي يعاني منها النازحون تعود إلى إخفاق الحكومات في فصل ملف النازحين عن الملفات السياسية والأمنية، وأن هناك هدف واحد تسعى لتحقيقه الحكومة والميليشيات التابعة لها، وهو التغيير الديموغرافي لتلك المدن.
وتؤكّد منظمات حقوقية أنّ عدد النازحين الموجودين في خارج المخيمات أكثر بكثير ممّن هم داخلها، وهم يقيمون على نفقتهم الخاصة أو في مجمّعات متهالكة وبالاعتماد على منظمات وجهات خيرية.
وأصبحت قضية إعادة سكّان المدن التي تستولي عليها ميليشيات مثل حزب الله وحركة النجباء والعصائب وكتائب سيد الشهداء وميليشيات أخرى تابعة للحشد، قضية سياسية، وتحولت إلى ورقة انتخابية ومساومات بين الأحزاب ولم يفلح ممثلو المناطق السنية في البرلمان بإعادة النازحين إلى مناطقهم.
ويقول النازحون إن السبب الرئيس لرفض عودتهم هو التغيير الديموغرافي الذي تقوم به الميليشيات التي تفرض سيطرتها على مدنهم وتعدها مناطق استراتيجية لما فيها من ثروات وأراض خصبة، مثل جرف الصخر والعويسات والعوجة ويثرب وعزيز بلد والعظيم والسعدية وسنجار وذراع دجلة، ومناطق أخرى، وتعد هيمنة الميليشيات على القرار السياسي السبب الرئيس في استمرار أزمة النزوح.
واستمرار كارثة النزوح دون حل في الأفق يعني المزيد من المعاناة الإنسانية لأمهات ثكلى ونساء وأطفال يتامى وآباء شاب شعرهم ووهنت أجسامهم في المخيمات بعيدًا عن مواقع الصبا وأرض آبائهم وأجدادهم والمستقبل الغامض تجده في عيون الأطفال الذين ولدوا وشبوا في خيام ظنوها هي الوطن ولا يعرفون شيئًا غيرها فهم أسرى هذه المعسكرات بانتظار صحوة ضمير من هنا أو هناك تنهي مأساتهم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى