أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراقمجالس المحافظات: بوابة مشرعة على الفساد

انتخابات مجالس المحافظات تبادل للمنافع وصندوق أموال كبير لعائلات السياسيين

تأسيس كيانات وهمية جديدة في مسعى إلى توريث السلطة لأبناء زعماء الأحزاب والميليشيات وأعضاء مجلس النواب وأقربائهم، للتمكن من البقاء في السلطة وضمان استمرار تدفق الأموال الطائلة من خزينة الدولة.

بغداد – الرافدين
شهدت قوائم المرشحين لانتخابات مجالس المحافظات المؤمل اجراؤها في الثامن عشر من كانون الأول الجاري، اجتياحًا غير مسبوق لأسماء أسر وعائلات تتبع تكتلات حزبية وسياسية وميليشياوية لحجز مقاعدها ضمن الصراع الانتخابي المستعر بين أحزاب العملية السياسية، ولضمان حصتها من أموال العراق على حساب تقديم الخدمات للمواطنين.
ومع استمرار الحملات الشعبية لمقاطعة الانتخابات لجأ السياسيون إلى اتباع نهج جديد في انتخابات مجالس المحافظات، وذلك بتسجيل أقربائهم وذويهم فضلًا عن زوجاتهم ضمن القوائم الانتخابية، في محاولة لجمع أكبر عدد ممكن من أصوات الناخبين وضمان بقاء مصادر الفساد في الدولة.
وكانت مصادر محلية قد كشفت عن ارتفاع كبير في نسبة المرشحين من أسر وأقرباء مسؤولين وقيادات سياسية بارزة في البلاد، بعد إعلان مفوضية الانتخابات في العراق عن دخول نحو 70 حزبًا وتحالفًا سياسيًا، وأكثر من 6 آلاف مرشح يتنافسون على مقاعد مجالس المحافظات.
وأكد مسؤول في مجلس أمناء مفوضية الانتخابات، اشترط عدم ذكر اسمه، وجود “نحو 30 بالمائة من المرشحين للانتخابات ما بين أشقاء وأبناء وزوجات وأزواج وأقارب أعضاء في البرلمان ومسؤولين حكوميين وقيادات حزبية وأخرى في الفصائل المسلحة”.
وأوضح المسؤول في تصريح أوردته صحيفة “العربي الجديد” أن “هذه النسبة أكبر من نسبتها في الانتخابات التي جرت في السنوات السابقة، وأن هناك أسر رشح فيها الأب وابنه وأسر أخرى الزوج وزوجته”.

المال السياسي ومن لديه نفوذ وسطوة أكبر، هو الفائز ولن تتبدل الوجوه
ويرى عراقيون، أن أهمية مجالس المحافظات تكمن في كونها صندوق أموال للمسؤولين وعائلاتهم، ليس الهدف منها خدمة المحافظات، وإنما توزيع أموال الصفقات الفاسدة بين الأب والابن، وابن العم وابن الأخت والشقيق والقريب من نفس العشيرة.
وتداول عراقيون صورًا لمرشحين ضمت أشقاء مسؤولين وأبناء نواب وأقربائهم، وأبناء عمومتهم وأزواج أيضًا، موزعين على مختلف القوائم التقليدية، ولعل أبرزها دولة القانون، تحالف نبني، حزب تقدم، وعزم، فضلًا عن قوائم أخرى.
ففي العاصمة بغداد رشحت عن قائمة “قوة القرار” المنضوية ضمن دولة القانون بزعامة نوري المالكي، سندس نصيف شقيقة النائبة في البرلمان الحالي عن دولة القانون عالية نصيف.
كذلك ترشح هيثم الخزرجي عن قائمة “قوة القرار”، التابع لدولة القانون، وهو شقيق النائب في البرلمان الحالي، مهند الخزرجي والذي أُثير اسمه مؤخرًا بقضية دهس شرطي مرور من قبل حماية الأخير.
وفي الديوانية رشح النائب في البرلمان الحالي، فيصل النائلي ابنه سيف النائلي عن قائمة “قوة القرار” فيما رشح عن نفس القائمة فواز المالكي نجل النائب السابق عن دولة القانون عبد السلام المالكي عن محافظة البصرة.
وحل خضير المياحي شقيق النائب عزيز المياحي، مرشحًا في الديوانية عن تحالف نبني والذي يضم ميليشيات ولائية، بزعامة هادي العامري.
وفي بابل، يتنافس عن دولة القانون محمد باقر نجل النائب السابق والقيادي في حزب الدعوة أبو أحمد البصري، فيما يحل محمد باقر المسلماوي منافسًا ضمن تحالف قوى الدولة بزعامة عمار الحكيم وحيدر العبادي، وهو نجل سالم المسلماوي النائب السابق عن تيار الحكمة، فضلًا عن محمد فدعم شقيق القيادي السابق في الحشد والنائب السابق عن تيار الحكمة حسن فدعم.
وفي كربلاء، يترشح لقمان صخيل شقيق النائب وقريب نوري المالكي ياسر صخيل رئيس حركة البشائر.
وفي صلاح الدين يحل علي الكريّم نجل النائب في البرلمان الحالي وفي حزب تقدم، النائب شعلان الكريّم، ويتنافس عبد الناصر العباسي شقيق النائبة عن تحالف عزم، هند العباسي، في صلاح الدين، فيما يتنافس في نفس المحافظة، زهير الزهوان شقيق النائب هيثم الزهوان، عن قائمة جماهيرنا برئاسة أحمد الجبوري (أبو مازن).
وفي ديالى، أثار ترشح صباح الزيني مسؤول استخبارات اللواء 24 في ميليشيا بدر المنضوية تحت ميليشيا الحشد، والمعتقل سابقًا بتهمة الإرهاب قبل أن يطلق سراحه، وشقيق النائب في البرلمان الحالي، صلاح الزيني، الجدل، بترشحه ضمن تحالف الأساس الذي يتزعمه نائب رئيس البرلمان والقيادي في الإطار التنسيقي محسن المندلاوي.
وعن تحالف العزم، إحدى أبرز القوائم المتنافسة في محافظة نينوى، والتي يتزعمها وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي، يحتل نجل الوزير حسان ثابت رقم 2 في قائمة جديدة تابعة لأبيه في الموصل تحت اسم “نينوى لأهلها”.
فيما يرأس القائمة نفسها مهند الجبوري، نجل محافظ نينوى السابق نجم الجبوري، الذي استقال من منصبه قبل أسبوعين، بعد إبعاده عن الترشح بتهمة “اجتثاث البعث”.
وعاد اسم أثيل النجيفي محافظ نينوى الأسبق إلى الواجهة عن طريق ابنه عبد الله النجيفي كمرشح عن تحالف الحسم، في الموصل.
فيما ضمت قوائم أخرى أسماء زوجات وأبناء عمومة لنواب في البرلمان الحالي موزعين في كافة المحافظات العراقية.
الميليشياوي القاتل، وجه لا يعرف الخجل
ويرى مراقبون أن نهج الأحزاب السياسية والمسؤولين في ترشيح عائلاتهم وأقربائهم سيساهم بتمديد سلطتهم وسطوتهم على مقدرات الشعب العراقي لسنوات عدة، من خلال تذليل كافة السبل واستخدام موارد الدولة في الترويج لهم في الانتخابات ومن ثم تقاسم أموال الصفقات بذريه المشاريع الخدمية في المحافظات.
وعلى الرغم من فشلهم في إدارة ملفات خدمية وأمنية، يسعى المسؤولون من خلال تأسيس كيانات سياسية جديدة إلى توريث السلطة لأبنائهم وأقربائهم، للتمكن من البقاء في السلطة وضمان استمرار تدفق الأموال الطائلة من خزينة الدولة.
وقال المراقب للشأن السياسي، لازم حميد: إن “هناك استغلالًا واضحًا للمناصب، من خلال ترشيح المسؤولين لأبنائهم وأشقائهم، ما يعني تسخير كافة الإمكانيات من أجل فوزهم بمقعد في الانتخابات”.
وعبر الناشط المدني محمد فتحي عن اعتقاده بأن المال السياسي ومن لديه نفوذ وسطوة أكبر هو الفائز، ولن تتبدل الوجوه، ولن يتغير الوضع، فترشيح أبناء المسؤولين وأقربائهم يعني بقاء نفس الشخوص في المنصب”.
وتخشى الأوساط الاجتماعية في العراق من تعميم هذه الظاهرة وجعلها عرفًا سائدًا، تمنع ترشيح وجوه جديدة من أصحاب الكفاءات، وتساهم في بقاء الفاسدين في مناصبهم.
عبد الباري الزيباري: التوريث المطلق للسلطة سلبي على العائلة والمجتمع، ويؤدي إلى انهيار شامل للدولة والعائلة، وتذهب في مهب الريح كل التضحيات
وأشار إلى ذلك المتابع للشأن المحلي كرم السنجاري، في أن هذه الظاهرة ليست جيدة، لمصادرتها حقوق الكثير من الكفاءات ممن يرغبون بالدخول إلى العمل السياسي وتغيير الوضع القائم في البلاد.
ويتسائل عراقيون حول إمكانية وخبرة “وريث السلطة” من أبناء وأقرباء المسؤولين والسياسيين، في الحياة السياسية وإدارة المناصب، في حين أنهم في الواقع يكرسون لمنظومة الفساد في العراق.
وتستعد الأحزاب السياسية لأول مرة منذ 10 سنوات لانتخابات مجالس المحافظات بعد تجميدها بسبب احتجاجات المتظاهرين في ثورة تشرين عام 2019، ونتيجة للامتيازات والرواتب الضخمة، والتي كانت تكلف ميزانية الدولة نحو 2 مليار دينار شهريًا.
وفيما تشير المصادر إلى وجود عزوف كبير عن انتخابات مجالس المحافظات، كشفت المفوضية العليا للانتخابات في العراق عن فتح المجال للمواطنين، الجمعة لاستلام بطاقاتهم بسبب وجود أعداد كبيرة من الناخبين الذين لم يتسلموا بطاقتهم إلى الآن.
وكثفت مفوضية الانتخابات نداءاتها عبر منشوراتها على منصات التواصل الاجتماعي للمواطنين من أجل تسلم بطاقاتهم فيما قوبلت منشوراتها بكمية من السخرية والرفض على وسم “مقاطع الانتخابات”.
وقال مسؤول بارز في مفوضية الانتخابات “إن أحد الأسباب التي تدفع الباحثين والمختصين لتوقع مشاركة منخفضة في الانتخابات هي ارتفاع عدد المرشحين من أقرباء وأسر قيادات سياسية وحكومية، إلى جانب تكرار الوجوه القديمة في ترشيح نفسها، ورفع الشعارات والوعود الانتخابية ذاتها التي رُفعت في انتخابات سابقة”.
وانتقد عضو الاتحاد الكردستاني، عبد الباري الزيباري، في تغريدة له على منصة (أكس)، “توريث السلطة”، بالقول: إنّ “التوريث المطلق للسلطة سلبي على العائلة والمجتمع، ويؤدي إلى انهيار شامل للدولة والعائلة، وتذهب في مهب الريح كل التضحيات”.
لا لانتخاب الفاسدين
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى