أخبار الرافدين
طلعت رميح

بايدن يتجمل ويعود إلى مقاعد الديمقراطيين!

لا يمكن أخذ انتقادات الرئيس الأمريكي جو بايدن للسلوك الصهيوني أو لما وصفه بالقصف العشوائي في غزة، على محمل الجد. كما لا يمكن أخذ المعاني والمضامين التي وردت على لسان بايدن في نقده –وتلك التي أكملها متحدث باسم الخارجية الأمريكية عن عدم استثناء إسرائيل من قيود تصدير السلاح الأمريكي- على محمل الجد من باب أولى.
ما قاله بايدن هو مجرد لغو فارغ. فهو يعلم أن الكيان الصهيوني لا ينشغل بسمعته الأخلاقية باعتباره كيانًا عنصريًا قام على التطهير الديني، والعرقي والقتل والإبادة. كما أن بايدن نفسه هو من جلس في مقعد قيادة تلك الأعمال الإجرامية، حين قدم إلى الكيان الصهيوني وحضر مجلس الحرب قبل انطلاق عمليات الإبادة. وكذا لأن السلاح منح للكيان الصهيوني وفق خطه وضعتها الإدارة الأمريكية، لا غيرها.
وما قاله بايدن هو مجرد لغو فارغ من المضامين، لأن بلاده ارتكبت نفس الجرائم في العراق وأفغانستان وقبلها في فيتنام وكوريا، وزادت عليها القصف بالسلاح النووي لليابان. وكثير منها جرت بدعم وتصويت بايدن في مجلس النواب.
ولذلك، فالسؤال الصحيح بشأن ما قاله، هو لمَ أنتقد بايدن الكيان الصهيوني أو ما الذي دفعه لقول ما قال؟ ذلك ما يدفعنا أيضا إلى التساؤل عما إذا كان قد تغير الموقف الأمريكي، أم أن كلام بايدن مجرد زيادة تأثير التصريحات على الرأي العام.
لقد اظهر بايدن مجددًا مدى عمق مأزق الولايات المتحدة، بعد انكشافها سياسيًا وإعلاميًا أمام العالم أجمع بسبب مشاركتها في هذه الجرائم، عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا، بل حتى في الحرب النفسية القائمة على قاعدة “اكذب… اكذب حتى يصدقك الناس.”
وهو لم يطلق تلك التصريحات المنتقدة للكيان الصهيوني نتيجة لتغيير الموقف الأمريكي. بل يعيد تقديم الموقف والدور الأمريكي إعلاميًا لتعويض قدر مما فقدته الولايات المتحدة الشهرين الماضيين، كما يهيئ الآخرين لمرحلة جديدة من الدور الأمريكي.
بايدن تحدث بنقد الكيان الصهيوني لأسباب تتعلق بأمريكا، لا لأسباب تتعلق بتغيير الموقف من العدوان الصهيوني وأهدافه. وهو يسعى عبر التصريحات لتعزيز القدرة على إنفاذ ذات الأهداف.
الذي حرك بايدن وجعله يطلق انتقاداته، هو أن الولايات المتحدة باتت تدرك أنها أهدرت كل ادعاءاتها ضد روسيا بشأن احتلالها وحربها على أوكرانيا. لقد أطلق بايدن حملة إعلامية وسياسية ضد روسيا بإعادة ترديد الشعارات الأمريكية الكلاسيكية من الحفاظ على حقوق الانسان إلى دعم الديمقراطية وعدم استخدام الحروب لتحقيق أهداف سياسية. ثم عاد ودعم جرائم الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني في غزة.
والذي حرك بايدن لإطلاق تلك التصريحات، هو أن الولايات المتحدة تتهيأ الآن للعب دور تكميلي للدور العسكري الذي خططت له وقادته ومولته. تتهيأ الولايات المتحدة الآن للعودة للعبة دور الوسيط المنافق من جديد.
يدرك بايدن أن لا إمكانية لبقاء هيمنة الولايات المتحدة على الملف الفلسطيني بعد موقفها السافر بالعداء للشعب الفلسطيني إلى درجة دعم أعمال القتل وحصار الماء والغذاء والدواء. ولهذا، يتجمل ويعيش دور المنتقد –لما فعلته أيديه- لتعود الولايات المتحدة لتبدو في مكان أو مقعد الوسيط مجددًا. وهو اختار فكرة الهجوم على اليهودي المتطرف بن غفير وأمثاله، ليبدو متزنًا يحارب التطرف على الجانبين.
والذي حرك بايدن لإطلاق تلك التصريحات، هو أن بلاده في منافسة على إدارة العالم مع دول صاعدة. وهي دول تتحدث دومًا عن انتهاء الدور الأمريكي، وتقدم نفسها لقيادة نظام دولي جديد. وباتت تستثمر الموقف الأمريكي للإجهاز على مصداقية أمريكا في إدارة العالم، ولرد الصاع صاعين بعد مواقفه في أوكرانيا وتجاه تايوان. ولذا أطلق تلك التصريحات للبقاء في حلبة المنافسة الدولية، ولتظهر أمريكا بمظهر من يحافظ على القانون الدولي وقواعد العدالة، بعدما رآها العالم في موقع الداعم لجرائم القتل والإبادة، بل في موقع الدولة الفاشية والنازية.
والذي حرك بايدن لانتقاد السلوك الوحشي لقوات الاحتلال بتلك الألفاظ المخففة التي أطلقها، أنه يحاول استعادة الشعبية التي افتقدها داخل حزبه الديمقراطي، وفي المجتمع الأمريكي. ومن تابع يلحظ جيدًا أن بايدن اختار يوم جمع التبرعات لإطلاق تلك التصريحات، وكأنه يقول للداعمين للعدوان والقتل: تلك تصريحات الرئيس المرشح لا الرئيس الفعلي. كما يلاحظ أنه كان تحدث في اليوم السابق مباشرة مكررًا مقولة أنا صهيوني، وأنا أقف إلى جانب إسرائيل ولو لم تكن هناك إسرائيل لاخترعناها.
هي لعبه انتخابية، إذ هو يعلم أنه فاز على ترامب بأصوات الأقليات. وهو يدرك ما يعنيه احتمال عدم تصويت المسلمين متضامنين مع الداعمين لشعار “حياة السود مهمة” بعد مواقفه الداعمة للكيان الصهيوني وعدوانه الفاشي. هو وحملته يعلمون النتائج الوخيمة المترتبة على مجرد مقاطعة هؤلاء للتصويت. تلك هي القصة والدوافع.
بايدن يناور، ولا يتخلى عن صهيونيته وهو على ذات موقفة المعادي للشعب الفلسطيني. وما قاله هو محاوله للعودة إلى جدول الأعمال القديم، وإلى العودة لاعتماد أسلوب الديمقراطيين التقليدي، بعد مرحلة اضطر فيها للسفور بوجهه، وبدى جمهوريًا أكثر من ترامب.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى