أخبار الرافدين
تقارير الرافدينمجالس المحافظات: بوابة مشرعة على الفساد

انتخابات مجالس المحافظات تستنزف جيوب العراقيين دون جدوى

المال السياسي وعائدات تجارة المخدرات يفشلان في الترويج لانتخابات مجالس المحافظات وفي جر العراقيين نحو مسرحها بعد المقاطعة الشعبية غير المسبوقة في عموم البلاد.

بغداد – الرافدين

فتح حجم المقاطعة الشعبية لانتخابات مجالس المحافظات الباب للحديث عن الجدوى الاقتصادية لهذه الانتخابات بعد أن كلفت ميزانية الدولة أموالًا طائلة في وقت يقبع فيه عدد كبير من العراقيين تحت خط الفقر وتزداد الحاجة لمثل هذه التخصيصات لتلبية احتياجات المواطن الملحة لاسيما الخدمية والتنموية.
وخصصت حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني مبلغ 150 مليار دينار من أجل تمويل انتخابات مجالس المحافظات بينما أقر البرلمان الحالي الاعتماد المالي المخصص لإجراء هذه الانتخابات ضمن قانون الموازنة للعام الجاري والذي يتجاوز الـ 345 مليار دينار عراقي من بينها حصة محافظات كردستان العراق.
وللإنفاق الحكومي على انتخابات مجالس المحافظات أوجه عدة منها مستحقات الموظفين المشرفين على سير عملية الانتخابات بعد أن تعاقدت مفوضية الانتخابات مع 206.429 موظفًا لإجراء الانتخابات بعد أن جرى اختيارهم بموجب “القرعة الإلكترونية” في 22 تشرين أول الماضي فضلًا عن تكاليف تدريبهم وتأهيلهم.
ومن أوجه التكاليف التي هُدر المال العام عليها عمليات تصنيع العدد والمواد الحساسة وغير الحساسة ومطابقتها للشروط الفنية المطلوبة و طباعة بطاقات الناخبين البايومترية فضلا عن تصميم و طباعة أوراق الاقتراع والبالغ عددها 17.677.150 ورقة، تتضمن نموذج أوراق الاقتراع العام والخاص وكذلك الأحبار ومواد الاقتراع، و توزيع بطاقات الناخبين البايومترية على المواطنين.

تعطل أجهزة الاقتراع يكشف حجم الفساد في تبديد الأموال على انتخابات مجالس المحافظات

وتشمل عمليات الإنفاق كذلك تهيئة المخازن ومعرفة مدى جاهزيتها وتأمينها؛ وتوفير الحماية لها ورصد ومتابعة المخالفات وتجهيز كاميرات المراقبة ونصبها داخل المراكز الانتخابية وفحص الاجهزة وعمليات المحاكاة وتهيئة مراكز ومحطات الاقتراع والفرق الجوالة إلى جانب متطلبات تأمين العملية الانتخابية وما تتكبده البلاد من خسائر جراء تعطيل الدوام الرسمي.
وكشف التصويت الخاص والعام في انتخابات مجالس المحافظات عن فضيحة مدوية تمثّلت في تعطّل أعداد كبيرة من أجهزة التصويت الإلكترونية، وهو الأمر الذي تعذّر معه نقل البيانات بشكل فوري إلى مركز العدّ والفرز.
وذكّر مشككون في تعطل الأجهزة بشكل عارض وتلقائي بثناء المفوضية العليا للانتخابات على متانة الأجهزة ودقّتها استنادًا إلى آراء الخبراء والفنيين، وإلى ما أجري من اختبارات متعدّدة للأجهزة قبل التصويت من خلال إجراء عدّة بروفات انتخابية.
في حين سخر آخرون من حجم الفساد الذي بدد أموالًا طائلة صرفتها الدولة العراقية على أجهزة كانت وما زالت موضع تشكيك كبير خلال الدورتين السابقتين من الانتخابات التشريعية.
وتساءل متابعون وخبراء اقتصاديون عن الأثر الذي ستحققه هذه الانتخابات وما ستفرزه من شخصيات تتولى شؤون مجالس المحافظات التي أجمع العراقيون على أنها حلقة زائدة في جسم نظام المحاصصة المترهل أصلًا بمافيات الفساد.
وقال الباحث الاقتصادي عمر الحلبوسي إن “مجالس المحافظات التي تعد حلقة زائدة لا قيمة لها ولا يوجد لها أثر إيجابي على المحافظات, بل هي بؤرة فساد شرعتها أحزاب الاحتلال لتكون نافذة لها لسرقة المال العام والابتزاز وتقاسم السلطة والسيطرة على المشاريع التي يسيل لعاب الأحزاب عليها لما فيها من فرصة لنهب المال العام وتضخيم إمبراطورية الحزب”.
وعد الحلبوسي “هدر 345 مليار دينار عراقي على إجراء انتخابات لمجالس الفاسدين تلحقها رواتبهم ومخصصات متنوعة سيزيد من استنزاف ميزانية العراق ويعظم من العجز في ظل تفاقم مشكلات مالية واقتصادية كثيرة في العراق يضاف لذلك الفساد الذي سوف تمارسه هذه المجالس والذي سيؤدي للصراع على المناصب والأموال متسببًا في استمرار الانحدار في الخدمات وضياع الأموال التي تسرق تحت قبة مجالس الفاسدين”.
واضاف أن “تراكم هدر الأموال سيقود إلى إفلاس الدولة العراقية التي تعاني من مشاكل مالية واقتصادية وتشهد حاليًا طلائع الإفلاس جراء تخبط وزارة المالية وحكومة السوداني فضلًا عن إجراءات البنك المركزي غير الصحيحة كل ذلك ستكون نهايته تدمير العراق وإغراقه في الإفلاس الذي سيعاني منه لسنين عديدة قادمة”.
وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن “تكاليف الدعاية الانتخابية والمؤتمرات مولت أساسًا من سرقات الأحزاب التي تهيمن على المؤسسات الحكومية وأصبحت كل مؤسسة ملك صرف لحزب معين يستفرد بالسرقات والتعيينات، وهذا باب آخر لاستنزاف ميزانية الدولة لصالح الأحزاب الفاسدة التي تسرق أموال الشعب لتحقق مصالحها على حساب تدمير مصالح العراق وشعبه”.

مرشحون ينفقون أموالًا ضخمة على دعايتهم الانتخابية وسط تساؤلات شعبية عن مصدر هذه الأموال

وسبق أن حددت المفوضية العليا للانتخابات في العراق، تعليمات بشأن الحد الأعلى للإنفاق على الحملات الانتخابية، وذكرت فيها أن مدة الإنفاق الانتخابي تبدأ من تاريخ بدء الحملة الانتخابية ولغاية يوم الصمت الانتخابي، الذي يحدد بقرار من مجلس المفوضين.
وبينت أن الحد الأعلى لإنفاق المرشح الواحد، بحسب التعليمات، هو 250 دينارًا عراقيًا (0.19 دولار) يُضرب بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية المرشح عنها كما أن سقف الإنفاق الانتخابي للحزب والتحالف السياسي هو نفسه المبلغ المخصص للمرشح أي 250 دينارًا مضروبًا بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية ومضروبًا أيضًا بعدد المرشحين لقائمة الحزب أو التحالف السياسي في الدائرة الانتخابية.
وبالتالي فإن المدينة التي يبلغ عدد ناخبيها 500 ألف سيكون مسموحًا للمرشح عنها الإنفاق بواقع 125 مليون دينار، أي نحو 90 ألف دولار ويدفع هذا الرقم للتشكيك بالتزام المرشحين بما حددته المفوضية، إذ إن بعض حفلات ومؤتمرات الأحزاب التي تتضمن ولائم وهدايا في أكثر من مكان بوقت واحد تتجاوز هذه الميزانية بكثير.
إلا أن حجم الإنفاق تجاوز هذه الأرقام بأضعاف بعد أن بينت مصادر مطلعة تقديم عدد من التحالفات المشاركة في هذه الانتخابات المثيرة للجدل مبالغ ضخمة وصلت إلى نحو 250 مليون دينار لكسب ولاء مرشحيها وللحيلولة دون انتقالهم لأحزاب أخرى.
وذكرت المصادر أن جميع المشاركين استفادوا من هذه “الرشى السياسية” بمن فيهم الخاسرون ممن لم يتمكنوا من الفوز على خلفية المقاطعة الكبيرة للانتخابات وعزوف العراقيين عن المشاركة فيها.
وفي هذا السياق أكد المتابع للشأن السياسي ماهر جودة أن “بعض الكتل والأحزاب صرفت مبالغ خيالية على حملاتها الدعائية الانتخابية، ما يؤكد ضعف المتابعة من قبل الجهات ذات الاختصاص على عمل الأحزاب، على الرغم من وجود قانون للأحزاب يحتم على الأحزاب كشف مصادر تمويلها”.
وأوضح جودة أن “قانون الأحزاب بالرغم من تشريعه منذ سنوات طويلة، لكنه ما زال معطلًا، كونه يضر بمصالح الكثير من الكتل السياسية، التي ما زال مصدر تمويلها مجهولًا”.
وأضاف هذه الأحزاب تُنفق ملايين الدولارات على حملاتها الانتخابية وعملها السياسي، فضلًا عن استغلالها موارد الدولة بشكل كامل لمصالحها الحزبية”.

سياسيون يتهمون أحزابًا وميليشيات متنفذة بتوظيف عائدات تجارة المخدرات في تمويل حملاتهم الانتخابية

وتشير تسريبات جرى تداولها مؤخرًا إلى وجود صلة بين عمليات الإنفاق الضخمة التي رافقت الانتخابات وعائدات تجارة المخدرات لتأمين نفقات الدعاية الانتخابية.
وتكشف التسريبات عن “انعقاد اجتماع قبل حوالي عدة أسابيع من قبل قيادات وضباط ومسؤولين من وكالة الاستخبارات والتحقيقات والمديرية العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية والمديرية العامة للاستخبارات والأمن وجهاز الأمن الوطني وممثلين عن جهاز المخابرات لغرض التباحث والتشاور والتنسيق فيما بينهم، حول التحديات الأمنية والإرهاب وتجارة المخدرات، ومن ضمن ما تم طرحه في هذا المقام وصول معلومات دقيقة ومفصلة عن قيام تجار مخدرات بتمويل حملات للمرشحين لانتخابات مجالس المحافظات”.
وبحسب التسريبات التي نشرها الصحفي الاستقصائي ورئيس منظمة “عراقيون ضد الفساد” صباح البغدادي تم إخطار السوداني بشأن ما تم التوصل إليه وخاصة ارتباط بعض التجار بعلاقات وثيقة مع قيادات وميليشيات تنتمي للحشد الشعبي وبعض الميليشيات الولائية المرتبطة بفيلق القدس الإيراني”.
وتبين هذه التسريبات أن “مكتب رئيس الحكومة أمر بالتريث حتى لا تنعكس الإجراءات الأمنية سلبًا على العملية الانتخابية وتثير الشكوك في نزاهتها. لكن ما تخشاه الحكومة هو استغلال هذا الملف من قبل خصومها السياسيين ومن أهمهم التيار الصدري الذي سيطعن في نزاهة الانتخابات”.
وكان وزير الكهرباء العراقي الأسبق لؤي الخطيب أول من حذر من تمويل شبكات المخدرات لحملات بعض المرشحين ودعا السلطات المعنية إلى التحقيق في الأمر.
وقال الخطيب في تدوينة على منصة إكس الشهر الماضي “لفت انتباهي وأنا أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي مع حلول موسم انتخابات مجالس المحافظات في العراق حجم المشاريع والفعاليات المُكلفة التي يقوم بها بعض المرشحين”.
وأضاف “في ديمقراطية العراق المنقوصة والفوضوية، سابقًا كانت ‘الكومشنات’ على المال العام من تمويل العقود الحكومية واستغلال مؤسسات الدولة هي المصدر الرئيسي في رفد نشأة وديمومة بعض الأحزاب والحملات الانتخابية، خصوصا تلك المدعومة من جهات مسلحة”.
وتابع “بعد مضي عقدين على مخاض العملية السياسية التي ولدت في عام 2003، دخلت عناصر أخرى من مصادر التمويل، إنها تجارة تهريب المخدرات التي يتجاوز حجم سوقها في العراق المليار دولار سنويّا حسب تقارير وكالة بلومبرغ”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى