أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

رواج لعمليات الابتزاز عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي في العراق

عجز حكومي عن ردم الفجوة الرقمية مع عصابات الابتزاز التي تقدمت بخطوات في مجال الذكاء الاصطناعي عن الأجهزة الأمنية المختصة في ظل تشريعات قاصرة لا تواكب الطفرة التكنولوجية.

بغداد – الرافدين
أثار توظيف عصابات الجريمة ومافياتها لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في عمليات الابتزاز في العراق المخاوف بين أوساط العراقيين بعد عجز الحكومة عن مجابهة هذا النوع من الابتزاز لافتقارها للأدوات اللازمة في ظل التخلف الرقمي الذي تشهده البلاد.
وراج بشكل لافت مؤخرًا عمليات ابتزاز تعتمد على الذكاء الاصطناعي الذي يوفر إمكانية إنشاء محادثات وهمية في تطبيقات التواصل الاجتماعي فضلا عن أدوات تقدم محتوى مزيف عبر التلاعب بالصور ومقاطع الفيديو خدمة للجهات التي تقف خلف عملية الابتزاز.
وحذر مختصون من التبعات المجتمعية الخطيرة لهذا المحتوى المزيف بأدوات الذكاء الاصطناعي والتي قد تصل إلى حد القتل أو الانتحار لاسيما تلك التي تتعلق بالصور المخلة بالشرف وغير الأخلاقية.
ويقول الناشط في محاربة الابتزاز إبراهيم خليل، إن حالات الابتزاز الإلكتروني “في تصاعد مستمر كما أن طرقها وأساليبها تطورت وأصبحت أكثر تعقيدًا مع تطور التقنيات ودخول الذكاء الاصطناعي كسلاح بيد المبتزين”.
ويتابع “في السابق كان على المبتزين اختراق صفحة أو إنشاء علاقة مع فتاة أو شاب على مواقع التواصل والحصول على صورهم، أما الآن فلا حاجة سوى إلى صور منشورة على مواقع التواصل يتم إرسالها إلى بوتات خاصة على التليغرام ويتم تحويلها إلى صور عارية أو فاضحة خلال دقائق”.
ويبين خليل أن تلك الصور “تبدو وكأنها حقيقية ولم يتم التلاعب بها، وهو ما يدق ناقوس الخطر خصوصًا في مجتمعات محافظة مثل المجتمع العراقي، إذ يمكن أن تؤدي تلك الصور إلى جرائم قتل بدافع الشرف”.
ويشير خليل إلى أن أكثر فئة يتم استهدافها من قبل المبتزين وتعد “فريسة سهلة” على حد تعبيره، هي”فئة الفتيات صغيرات السن أو المراهقات من عمر 14 سنة حتى 18 عاما”.
ويشرح أن مطالب المبتزين “تختلف من شخص إلى آخر، فهناك من يحاول إجبار الفتاة على لقائه خارج العالم الافتراضي لأغراض دنيئة، وهناك من يطلبون المال مقابل عدم نشر محادثات بينهم وبين الفتاة”.
ويضيف المختص بمحاربة الابتزاز “تضطر أغلب الفتيات إلى عدم الإفصاح لعائلتها أو التبليغ عن تعرضها إلى الابتزاز، كما يخشين اللجوء إلى القانون خوفًا من عواقب عائلية وعشائرية قد تصل إلى العنف الأسري والقتل أحيانًا”.

مبتزون يوظفون تقنيات الذكاء الاصطناعي للإيقاع بضحاياهم بهدف التربح المالي في العراق

وسبق أن حذر فريق (التقنية من أجل السلام) العراقيين من تطبيقات في مواقع التواصل الاجتماعي، تعتمد الذكاء الاصطناعي في تزييف صور تظهر الأشخاص عراة تمامًا ما قد يفاقم من مشاكل اجتماعية بينها “جرائم الشرف”.
وقال الفريق التقني إنه “في الآونة الأخيرة انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي تطبيق يزيل الملابس عن صور الأشخاص بواسطة الذكاء الاصطناعي، ما سبب الأمر جدلًا كبيرًا بين رواد مواقع التواصل”.
وأضاف الفريق “بعد البحث اتضح وجود “بوت” على تطبيق تيلغرام من خلاله يمكن إرسال صورة لأي شخص حيث تعمل هذه البوتات بواسطة الذكاء الاصطناعي على توليد صورة عارية لذات الشخص، وذلك عن طريق إنشاء صورة غير حقيقة بجسد عاري مناسبة للصورة الأصلية وبدقة عالية مع مراعاة تناسق الجسد (من حيث الوزن والطول ولون البشرة …الخ)”.
وبين الفريق أن “هذه البوتات تعمل بصورة مجانية وبعضها تكون مجانية لمرة واحدة فقط وبعدها يجب الدفع بمبالغ معينة ليتم انشاء صور أخرى”.
ويعرف “البوت”، بأنه برمجة تكنولوجية يتيح عبرها تطبيق المحادثة الروسي تليغرام تنفيذ ملفات ضخمة وصعبة وإرسالها واستقبالها، وبرمجة الرسائل واستهداف الجمهور وغيرها من الخاصيات قبل أن تستغل هذه التقنية في عمليات تسريب البيانات والابتزاز.
وكان مركز الإعلام الرقمي، قد رصد خلال الأشهر القليلة الماضية تواجد عشرات قنوات التيليغرام المخصصة لتطوير التقنيات الاحتيالية والابتزاز الإلكتروني، فضلًا عن تسريبها آلاف البيانات الخاصة بالمستخدمين العراقيين والأجهزة الأمنية والحكومية”.
وأشار المركز في بيان له إلى وجود قنوات أخرى مختصة بابتزاز الفتيات بعد قرصنة حساباتهن، ومن ثم التهديد بنشر الصور الخاصة عبر قنوات أخرى، الأمر الذي تسبب بقتل بعض الفتيات وتشويه سمعة عشرات العائلات العراقية”.
وأكد المركز، أن” منصة تيليغرام تتجاهل باستمرار طلبات حذف القنوات المخالفة، وكان التعاون ضعيف من قبل الدعم الفني للمنصة على الرغم من عشرات التبليغات التي تصلها حول المخالفات الإجرامية المرصودة”.
ويبدو أن السلطات الحكومية في واد آخر بعد عجزها عن الحد من عمليات الاحتيال والابتزاز المبتكرة بالذكاء الاصطناعي في بلد حصد المراتب الأخيرة عربيًا على مستوى جهوزية “الذكاء الاصطناعي الحكومي” لسنة 2023، بحسب بيانات مؤسسة “أكسفورد إنسايتس”.
ويقيس التصنيف العالمي للذكاء الاصطناعي، أكثر من 100 معيار ضمن سبعة مؤشرات هي: الاستراتيجية الحكومية، والبحث والتطوير، والكفاءات، والبنية التحتية، والبيئة التشغيلية، والتجارة.
وفي ضوء تراجع العراق في هذه المؤشرات تكتفي السلطات بإجراءات بعيدة عن أصل المشكلة كما حصل في حجبها لمنصة تليغرام بعد تسريب بيانات العراقيين مؤخرًا دون أن تضع آليات لمنع التسريب وترفع من تحصين الأمن السيبراني في البلاد في وقت تشهد فيه مؤسسات الدولة تخلفًا رقميًا وضعفًا في الأداء.

إجراءات حكومية متواضعة في مواجهة قنوات تسريبات بيانات العراقيين وتلك التي تمتهن ابتزازهم على تليغرام

ولا يقتصر الضعف الحكومي في العراق على عدم مواكبة الطفرات السريعة للذكاء الاصطناعي والاستخدامات السيئة له في عمليات الابتزاز وتزييف الحقائق، إذ يشخص حقوقيون ضعفًا في التشريعات يحول دون تكييف مثل هذا النوع من الابتزاز قانونيًا في ظل ارتفاع معدلاته.
ويقول الخبير القانوني العراقي محمد السامرائي إن “الانتشار الواسع لاستخدام التكنولوجيا والفضاء الإلكتروني، تسبب بتوسع الإجرام الإلكتروني أو السيبراني، مما فرص على مختلف الدول تشريع قوانين للجرائم الإلكترونية من حيث التجريم والعقاب والإجراءات القانونية المتعلقة بإثباتها والتحقيق فيها”.
ويضيف السامرائي أن “دولًا كثيرة ذهبت لأبعد من ذلك بتأسيس جهات ودوائر مختصة بالجرائم الإلكترونية، ثم وصل الحال لتأسيس دوائر ومجالس للأمن السيبراني كمرحلة متطورة جدًا، تتعلق بأمن البيانات والمعلومات ذات الطابع الأمني والعسكري”.
ويتابع “لكن في العراق مع الأسف لا زلنا في مرحلة العجز عن التجريم الإلكتروني ومحاسبة المجرمين، كوننا لا نمتلك قانون للجرائم الإلكترونية، مما أحدث فجوة بين الطبيعة الإجرامية المتجددة والمتطورة هذه وبين منظومة قوانين جزائية وإجرائية قديمة شرعت قبل أكثر من 50 عامًا، ولم يكن هناك حينها شيء اسمه الإجرام الإلكتروني”.
ويستطرد بالقول “وبالتالي وعلى الرغم من اعتماد الأجهزة الأمنية والمحاكم المختصة على أحكام قانون العقوبات رقم 111 لعام 1969 مضطرين لملء هذا الفراغ القانوني، فهذا ليس كافيًا لتحقيق غاية العقوبة في الردع والزجر على الرغم من اعتبارها من الجنايات المعاقب عليها بأكثر من 5 سنوات”.
ويخلص الخبير القانوني بالقول إن “البلد بحاجة ماسة لتنظيم قانوني ومؤسساتي وتشريعات محكمة للجرائم الإلكترونية، تتضمن بوضوح التجريم والعقاب والإجراءات التحقيقية وإجراءات إثبات تلك الجرائم ذات الطبيعة الفنية الخاصة”.
وفي ظل الفشل الحكومي في تحديث التشريعات والتقاعس عن التوعية من مخاطر توظيف الذكاء الاصطناعي في عمليات الابتزاز وزيادة الوعي المجتمعي حيالها، يحاول صحفيون التنبيه من الخطر المترتب على استخدام التقنيات الحديثة في تزييف الحقائق ولفت الأنظار للتبعات الخطيرة للاستخدام السيء لهذه التقنيات.
وفي هذا السياق يؤكد الصحفي العراقي عثمان المختار أن “الطفرة الأخيرة ببرامج الذكاء الصناعي تسببت بمشاكل حقيقية وخطيرة على مستوى العائلة والمجتمع والجامعة والمدرسة، وعلى مستوى الصراعات السياسية وداخل دوائر العمل”.
ويضيف “ما زال القضاء وأجهزة الأمن في العالم العربي متأخرين جدًا في مواكبة هذا التطور المتسارع”.
ويستعرض الصحفي العراقي في تدوينة له على منصة أكس مثالًا من تطبيق على الهواتف المحمولة يُمكن المستخدم من إنشاء محادثة على أي تطبيق للمحادثات (واتساب/ فايبر/ انستغرام/ ماسنجر فيسبوك) وكتابة ما يُريد المُزيّف ووضع صور أيضًا ثم أخذ لقطة شاشة (سكرين شوت) وعرضها على أنها محادثة مع فلان أو فلانه لغرض التشهير أو التسقيط الاخلاقي أو السياسي مثلًا”.
ويبين المختار أن “التطبيق يتحكم بنوع الشبكة 3G أو 4G واسم الشبكة مثلًا (فودافون، تليكوم، بريهارد، TIM، زين) وأي مُشغل بالعالم وكذلك كمية شحن الهاتف، ونوع الهاتف آيفون أو سامسونغ مثلا وحالة الواتساب والصورة التي تضعها في تطبيقك الحقيقي، ووقت إرسال الرسالة وتفاصيل أخرى كثيرة”.
ويتابع الصحفي العراقي “لمكافحة هذا النوع من التزييف الجديد يجب اعتماد التدقيق العيني المباشر للهاتف، وفي حال تعذر الوصول للهاتف المعني، يجب أخذ فيديو له يوضح لحظة فتح التطبيق ثم الانتقال إلى المحادثة مع أصابع المُستعمل للهاتف، لاعتمادها كدليل”.
ويخلص بالقول إن “لقطات المحادثات لم تعد دليلا على إدانة أو تورط أحد”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى