قوى المقاومة والممانعة وقواعد الاشتباك
المقاومة حق مشروع للدفاع عن النفس وعن الأرض ولا ينطبق على فعلها أي معايير مقيدة لهذا الحق كقواعد الاشتباك ومفاهيمها المعروفة التي تتعامل بها الجيوش المتحاربة أو الدول المتصارعة فيما بينها.
ومن مقتضيات مشروعية هذا الحق؛ أن كل هدف للعدو الغاصب المحتل يصبح هدفًا مشروعًا للمقاومة متى ما شئت، أما ما يطرحه حزب الله أو بعض السياسيين القريبين منه عن استمرار التعامل بقواعد الاشتباك السارية على طول الحدود الجنوبية للبنان مع العدو الصهيوني تارة أو التهديد بتغيير تلك القواعد تارةً أخرى؛ فإنه أمر يدعو إلى الاستغراب والتساؤل عن مغزى هذه المقاومة المزعومة والأهداف والغايات الحقيقية لها؟
فإذا كانت هذه المقاومة تمتلك الحق في مقاومة العدو الصهيوني وترفع شعارات الدفاع عن القدس فلماذا تُقيد نفسها بقواعد يحددها العدو ويصوغ سياقاتها الميدانية سواءً بالتصعيد وتوسيع عملياته العسكرية الهجومية في عمق لبنان أو بتهدئة ساحة المواجهة واقتصارها على مناوشات محدودة على خط المواجهة بين الطرفين؟
ثم عن أي قواعد اشتباك يمكن الحديث بعدما استباحت إسرائيل كل المحرمات في غزة وضربت بعرض الحائط القانون الدولي الإنساني وكل الأعراف والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ولم تلتفت إلى قرارات المجتمع الدولي الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بوقف العدوان؛ الأمر الذي لم يدع أي مسوغ منطقي للكلام عن الالتزام بقواعد الاشتباك المزعومة مع العدو، ولا سيما بعد مرور أكثر من مائة يوم على العدوان الصهيوني على غزة وسقوط أكثر من أربعة وعشرين ألف شهيد من المدنيين الأبرياء جلهم من الأطفال والنساء، وتدمير أكثر من سبعين بالمئة من البنية التحتية ومساكن المواطنين في مدن غزة؟!
ومع ذلك مازال حزب الله وفيًا لقواعد الاشتباك مع العدو الصهيوني، ولم يتجاوزها كما وعد وهدد بذلك مرارًا وتكرارًا وهو الذي تبنى فكرة وحدة الساحات ووحدة المقاومة.
والسؤال الأكثر إلحاحًا هنا والذي لم نجد له تفسيرًا منطقيًا؛ هو لماذا لم يغير الحزب قواعد الاشتباك عندما تم استهداف مكتب حماس في الضاحية الجنوبية من بيروت معقل حزب الله واستشهاد القائد صالح العاروري ورفاقه، وتبني إسرائيل لهذا العدوان رسميًا، وهو الذي كان يعتبر -أي حزب الله- استهداف بيروت خطًا أحمرَ لا يمكن التهاون فيه!، وهو الذي وضع وأقر مبدأ توازن الرعب والرد بالمثل الذي كان يلهج به قادة الحزب أو القريبين منه في سردياتهم التي تعج بها وسائل إعلامهم بمناسبة وبغير مناسبة.
ولعل استهداف إسرائيل لمجموعة مهمة من قادة الحزب مؤخرًا في جنوب لبنان الذي نعاهم نصرالله بنفسه متوعدًا العدو الصهيوني بالثأر لدمائهم؛ قد فضح طبيعة هذه (المقاومة) التي جمدت ساحة المواجهة في جنوب لبنان لأكثر من سبعة عشر عامًا بعد معركة عام 2006 التي تورط بها الحزب مما حدا برئيسه نصرالله للاعتذار حينها علنًا عندما قال “لو كنت أعلم برد إسرائيل العنيف ماكنت أمرت بخطف الجنديين”.
بهذه العبارة لرئيس الحزب حسن نصرالله يمكن أن نتصور الحدود المرسومة لهذه المقاومة المأذونة بعملياتها المحدودة، وبما يؤكد مدى الحذر والخوف من توسع المعركة بعد التهديد الواضح اللهجة والجدي الذي وجهته الولايات المتحدة في بداية معركة طوفان الأقصى من مغبة أي توسيع لساحة المعركة؛ لذلك لم يتعد فعل الحزب العسكري استهداف بضعة أبراج ومواقع على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة على الرغم من امتلاكه لعشرات الآلاف من الصواريخ بعيدة المدى، التي يصل مداها لتل أبيب والمدن الإسرائيلية الكبيرة الأخرى بحسب تصريحات قادة الحزب الذين كانوا يتوعدون بها العدو الإسرائيلي ويهددون بحرق هذه المدن إذا تطاول واستهدف العاصمة بيروت .
ولكن الواقع على الأرض أن هذا السلاح مكرس -كما يبدو- لتنفيذ أجندة المشروع الإيراني وإحكام السيطرة على السلطة في لبنان، والاستحواذ على مقدراته بذريعة المقاومة والممانعة وتحرير الأرض المحتلة والاستمرار بالتهديد والوعيد الكاذب بتغيير قواعد الاشتباك مع العدو الصهيوني.